تراجع الطلب على الطاقة في جنوب آسيا يكشف نقاط الضعف في الخليج
يؤكد تراجع الطلب على النفط والغاز في الهند وباكستان وبنجلاديش، أكبر الاقتصادات في جنوب آسيا، أهمية روابط الطاقة بين هذه المنطقة والخليج.
وتعد هذه العلاقات نتاجا طبيعيا للقرب الجغرافي الوثيق، والنمو الهائل في الطلب على الطاقة الذي حدث في جنوب آسيا في الأعوام الأخيرة.
وتعد الهند الآن ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وكانت السعودية عادة المورد الرئيسي لها حتى تجاوزها العراق عام 2018.
ويشكل النفط الخام الخليجي 42% من واردات النفط الهندي. وفي حين أن الغاز الطبيعي يشكل جزءا صغيرا نسبيا من مزيج الطاقة في الهند، إلا أن نمو الطلب على الغاز في الهند كان كبيرا في الأعوام الخمسة الماضية.
واستوردت الهند 54% من الغاز الطبيعي المسال منذ تعهدت حكومة رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" باستثمار 60 مليار دولار في البنية التحتية للغاز الطبيعي في البلاد.
وشمل ذلك بناء محطات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لأكثر من ضعف المستويات الحالية من استخدام الهند للغاز الطبيعي، التي تمثل بالفعل 7% من واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية.
وفي عام 2018، جاء ما يقرب من 55% من أصل 30.6 مليارات متر مكعب من الغاز للهند من منتجين خليجيين، حيث حصلت على 14.8 مليار متر مكعب من قطر، وملياري متر مكعب إضافية من عمان والإمارات.
وقد يرتفع هذا الرقم في المستقبل، اعتمادا على نتائج إعادة التفاوض على صيغ تسعير الغاز المعمول بها حاليا، ونجاح خطط زيادة الطاقة التصديرية من قبل قطر وعمان.
وفي حين يمثل النفط الجزء الرئيسي من واردات الهند من الطاقة، يلعب الغاز الطبيعي المسال من الخليج دورا مهما بالفعل في باكستان وبنجلاديش المجاورتين.
وكانت قطر توفر لباكستان 62.5% من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال شهريا، ووقعت مؤخرا عقدا مدته 15 عاما مع شركة النفط الوطنية في بنجلاديش "بتروبانجلا" لتصدير 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
وتستورد بنجلاديش أيضا كميات صغيرة من عمان، وكان يُنظر إلى سوق الغاز فيها على أنه محفز محتمل لنمو الطلب.
ومع ذلك، من المرجح أن يخضع مستوى النمو الاقتصادي في جميع أنحاء منطقة جنوب آسيا إلى عدد من التعديلات الهبوطية التي قد تعيد تعديل التوقعات لأعوام، اعتمادا على كيفية تأثر الدول الثلاث بالاضطراب الاقتصادي الذي جاء مع تفشي الفيروس التاجي "كوفيد-19".
وأسفرت سياسات الاحتواء المشتركة للهند وباكستان وبنجلاديش عن أكبر إغلاق في العالم متعلق بفيروس كورونا.
نتيجة لهذا التدبير الحيوي، الذي تم اتخاذه لوقف انتشار الفيروس في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، وصل الطلب على الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة من الانخفاض.
وفي الهند وحدها، أظهر الحجم الهائل للاقتصاد مدى أهمية المنتجات البترولية الحيوية في الحياة اليومية في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم.
ووفقا لتقارير، انخفض استهلاك الهند من النفط بنسبة 70% منذ تنفيذ إغلاق البلاد في 25 مارس/آذار، ما أدى إلى انخفاض في الطلب على أسواق النفط بمقدار 3.1 مليون برميل يوميا.
وعلى المدى القريب، يبدو أن الهند على استعداد للاستفادة من انخفاض الأسعار بإعادة تعبئة مخزونها واحتياطياتها الاستراتيجية مع شراء وشيك لـ 5.5 مليون برميل من الإمارات و9.2 مليون برميل من السعودية.
ومع ذلك، مع وجود 39.14 مليون برميل من السعة الإجمالية في احتياطياتها الاستراتيجية، وهو ما يكفيها لتلبية 9.5 أيام من الطلب على النفط، ستفرغ الهند مساحة كبيرة للخام الرخيص بسرعة.
وأصدر المستوردون بالفعل سلسلة من إعلانات "القوة القاهرة" ( إحدى بنود العقود، تعفي كلا من الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما) فيما يخص النفط الخام والغاز الطبيعي المسال في الأسابيع الأخيرة.
واستهدفت العديد من هذه الإعلانات الموردين الخليجيين. ورفضت "هندوستان" للبترول شحنات أخرى من العراق، وأوقفت "بترونيت" شحنات الغاز الطبيعي المسال من "قطر للغاز".
وفي بعض الحالات، تم رفض إعلانات القوة القاهرة، ما أدى إلى تراكم ناقلات الغاز الطبيعي المسال على طول ساحل الهند، وتم تحديد إحداها على أنها تابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية.
وفي الهند، انخفضت مبيعات وقود الديزل في مارس/آذار بنسبة 21%، مع انخفاض البنزين بنسبة 17%. وسوف ترتفع هذه الأرقام بالتأكيد مع تواصل الإغلاق.
وفي حين أن نقل السلع الأساسية من بين الخدمات المستثناة من الإغلاق، فقد انهارت حركة مرور الشاحنات إلى أقل من 10% من مستويات ما قبل الإغلاق.
وبكونها واحدة من أكبر أسواق الطيران المحلية في العالم، أدى إغلاق رحلات الركاب إلى توقف أكثر من 600 طائرة تجارية، مع انخفاض الطلب على وقود الطائرات بنسبة 32.4%.
وأدى هذا التراجع في الطلب إلى تخفيضات كبيرة في عمليات المصافي، ما أدى بدوره إلى توجيه إعلان "القوة القاهرة" بشأن العديد من شحنات النفط الخليجية.
وربما يكون المجال الوحيد لنمو الطلب على منتجات الطاقة، والذي ربما يكون بصيص الأمل لدول الخليج، هو "غاز البترول المسال".
وزادت واردات غاز البترول المسال المستخدمة في الهند في الغالب كوقود للطهي بنسبة 20% تقريبا في عام 2019، نتيجة لسياسة حكومية تشجع استخدام وقود طهي أنظف في المجتمعات الريفية.
وكانت دول الخليج من الموردين البارزين لغاز البترول المسال إلى الهند. وفي نهاية مارس/آذار، تم الإعلان أن السعودية ستساعد في تلبية الطلب المتزايد أثناء إغلاق الهند.
وفي باكستان، وجهت إسلام آباد شركات تسويق النفط لإلغاء أوامر الحصول على خام إضافي في أواخر مارس/آذار.
وخفضت الدولة شحنات الغاز الطبيعي المسال القادمة من الخليج، وتوصلت إلى اتفاق مع قطر لتخفيض شحناتها الشهرية الـ5 إلى 3 شحنات.
وربما تستمر أسواق الغاز الباكستانية في التشديد بعد انتهاء أزمة الطلب، حيث ينمو الفحم بسرعة ليمثل حصة أكبر من مزيج توليد الطاقة الوطني.
وحدث هذا التحول بسبب أزمة الطاقة في باكستان، إضافة إلى تطوير احتياطيات الفحم المحلية ومصانع الفحم الجديدة التي تم إنشاؤها كجزء من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
وإذا تسببت الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالفيروس التاجي في زيادة سحب احتياطيات باكستان من العملات الأجنبية، فقد يتم تسريع الاعتماد على إمدادات الفحم المحلية.
وحتى الآن، لم يتم اتخاذ مثل هذه القرارات في بنجلاديش، حيث يمثل الغاز الطبيعي 61% من مزيج توليد الطاقة في البلاد.
ومع ذلك، يبقى أن نرى كيف يمكن لبنجلاديش احتواء انتشار الفيروس التاجي، وما هو تأثير ذلك على اقتصادها.
ومع تركيز معظم اهتمام العالم على الاتفاق الأخير لمجموعة "أوبك +" لخفض الإنتاج العالمي بنسبة 10% تقريبا، يبدو أن انهيار الطلب كان له تأثير أكبر على حركة أسعار النفط، حيث كانت المعايير العالمية أقل بكثير من أسعار التعادل في الخليج.
وفي الواقع، استطاعت تغريدة للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في 2 أبريل/نيسان، أعلن فيها عن خفض وشيك للإنتاج، تعزيز الأسعار أكثر من الإعلان الرسمي عن التخفيضات نفسها.
ولا يرسم استمرار عمليات الإغلاق في العديد من البلدان صورة متفائلة للطلب في جنوب آسيا، حيث تمدد الهند عمليات الإغلاق حتى 3 مايو/أيار، وبنجلاديش حتى 25 أبريل/نيسان، وباكستان حتى 30 أبريل/نيسان.
ولن تفعل تخفيضات الإنتاج سوى القليل لتحفيز الطلب. ويبرز سياق جنوب آسيا أن المشكلة الحقيقية التي تواجه المنتجين هي تراجع الطلب.
ويعتمد استرداد الطلب الإقليمي على إعادة تشغيل اقتصادات المنطقة، وتتوقف القدرة على القيام بذلك على مدى إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس.
وكانت أنظمة الرعاية الصحية في أجزاء كثيرة من جنوب آسيا تكافح قبل تفشي الوباء، وإذا تعرضت أكثر للإرهاق، فمن المحتمل أن يطيل هذا من عمليات الإغلاق وغيرها من التدابير التي تسهم في انخفاض الطلب على الطاقة.
وحتى عندما يزداد الطلب في جنوب آسيا مرة أخرى، فمن المؤكد أن يكون النمو بطيئا. وقد يكون من السابق لأوانه معرفة كيف ستبدو أسواق الطاقة ما بعد الفيروس، ولكن على المنتجين الخليجيين النظر في هذه السيناريوهات المحتملة.
وتمكنت الهند بفضل انخفاض أسعار النفط من تحقيق قفزة في تطبيق معايير جديدة لوقود الديزل منخفض الكبريت بهدف تحسين جودة الهواء.
وقد يكون للتدابير الأخرى، التي ستصبح جزءا من الوضع الطبيعي الجديد في عالم ما بعد الفيروس، آثارها الخاصة على الطلب.
وفي كل الأحوال، يجب أن يؤدي انهيار الطلب لدى اقتصادات جنوب آسيا إلى تحفيز المنتجين الخليجيين على التفكير في مستقبلهم في ظل عالم قليل الطلب.
المصدر | كولبي كونيلي - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد