ماذا يعني تحذير السعوديّة من انهِيار نظامها الصحّي وامتِداد كورونا حتى “تراويح رمضان” وفرضها حظر التجوّل الكامل؟..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2186
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولماذا اختار وزير الصحّة “الشفافيّة” وصارح بمئتيّ ألف حالة كأسوأ عدد للإصابات بالفيروس وأبرَز عدم تقصير بلاده “أعزّها الله” وتخصيصها 15 مليار ريال؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
 لم تدم تساؤلات “رأي اليوم” ساعات حول الغاية من الإجراءات الاحترازيّة المُتصاعدة في العربيّة السعوديّة لمُواجهة فيروس كورونا “كوفيد 19″، وزيادة العمل بساعات الحظر “الجزئي”، وإمكانيّة دخول البلاد في حظر كامل، حتى دخلت المملكة بالفِعل في ذلك الحظر الكامل، ومنع التجوّل “الكُلِّي”، في إجراءٍ يَشِي بمعركةٍ طويلةٍ وصعبةٍ تنتظر النظام الصحّي فيها، والعاملين فيه، وسط اتّهامات تقارير استخباريّة تقول بإنّ السعوديّة واحدة من الدول التي قد تكون قلّلت من أعداد المُصابين فيها.
المُدن الرئيسيّة، الرياض، جدّة، تبوك، الدمام، الخبر، الظهران، الهفوف، الطائف، القطيف، فرضت عليها وزارة الداخليّة السعوديّة، وعلى مدار 24 ساعة منع التجوّل الكلّي، وهو إجراءٌ سيطول، وسيتكرّر فيما لو جرى النّظر بتمعّنٍ إلى تصريحات وزارة الصحّة السعوديّة الأخيرة (سيجري التطرّق لها خلال التقرير)، كما منعت “الداخليّة” إلى جانب فرض الحظر الكلّي، العمل في أيّ أنشطة تجاريّة، عدا بعض المرافق الحيويّة، كما واقتصر الخروج على داخل الحي السكني للأفراد، ويستمر الحظر الكامل “حتى إشعارٍ آخر”.
147 حالةً جديدةً أعلنتها الصحّة السعوديّة الثلاثاء، وألحقتها ب43 إصابة، وبذلك يرتفع العدد الرسمي المُعلن إلى 2795، والمُتعافين 615، وهو رقمٌ صغير، مُقارنةً بمساحة أراضي المملكة، وعدد سكّانها البالغ 34 مليون، لكنّه يظل رقم غير ثابت، وقابل للزّيادة، لأسبابٍ عديدةٍ، منها سرعة انتشار المرض، وتسجيله الإصابات، وطول مُدّة الحضانة التي قد تصل 24 يوماً، ولا تظهر أعراضه، وأسباب أخرى تتعلّق بشفافيّة الأرقام الصادرة عن بعض حكومات الدول، حيث تقرير سرّي صادر للبيت الأبيض، كشفت عنه وكالة “بلومبيرغ” الأمريكيّة، يتحدّث عن عدم كشف دول لأرقام المُصابين الحقيقي فيها، ومن بينهم أيضاً، الصين، روسيا إيران، وكوريا الشماليّة.
إلى ما قبل ساعات من تصريح الصحّة السعوديّة، اللافت، وربّما المُقلق للبعض، كانت السلطات تُحاول إبراز إجراءاتها الاحترازيّة الصارمة على طول وعرض البلاد، والتي أخّرت وصول الفيروس والقول للمُتحدّث باسم الصحّة، وابتعدت كما يرصد مُعلّقون عن بثّ الذّعر والخوف في نفوس المواطنين، والمقيمين على أراضيها، ولكن أمام تواصل تحذيرات منظّمة الصحّة العالميّة كان آخرها حاجة العالم إلى 6 ملايين ممرّض، وقبلها بأنّها لا تعرف ولا أحد يعرف نهاية الفيروس، هذا كلّه يبدو أنه دفع الصحّة السعوديّة، إلى اتّباع أسلوب أكثر مُصارحة، وإبلاغ الداخل السعودي، بحقيقة تطوّرات الأمور.
المتحدّث باسم وزارة الصحّة السعوديّة محمد العبد العالي، وفي تصريحاتٍ تلفزيونيّةٍ على شاشة “روتانا”، قرن وضع بلاده بوضع العالم، من ناحية النهاية القريبة لكورونا، والعالم بحسبه ليس قريباً منها، وقد بشّر مُواطنيه بأنّ الحديث عن المُواجهة مع الفيروس القاتل يتضمّن أشهرًا، لا أسابيع، واستبق العبد العالي التساؤلات حول الوضع في شهر رمضان، وأكّد أنّ الإجراءات ستبقى ساريةً في حال بقيت مخاطر الفيروس، وبدا أنّ صلاة التراويح سيطالها التعليق أيضاً شأنها شأن صلاة الجماعة في المساجد، فأداؤها (التراويح) من عدمه بحسب العبد العالي مُقترنٌ بالمخاطر الحاليّة التي ستبقى أشهرًا.
الناطق باسم الصحّة السعوديّة، قرع جرس الإنذار، حين حذّر صراحةً من انهيار النظام الصحّي في بلاده، وهو مشهد أثار الخوف لدى الشارع السعودي، حين حوّله محمد العبد العالي إلى سيناريو واقعي يُمكن أن يقع، وتحديداً قوله: “هذا ليس سيناريو خياليّاً”، وإن كان قد ربط وقوعه بعدم التزام الناس بالإجراءات الاحترازيّة خلال الأشهر القادمة، وبالتّالي تعرّض مئات الآلاف للإصابة، وهو سيناريو تزيد نسبة وقوعه، في مُقابل التزام 50 بالمئة من المواطنين التقيّد بالبقاء في المنازل وهي النسبة التي أشار إليها العبد العالي، وهو ما يُفسّر لجوء السلطات إلى الحظر الكامل، منعاً لتفشّي الوباء، وانهيار نظامها الصحّي.
تصريحات الصحّة السعوديّة تعد تحذيريّةً في المقام الأوّل، لكن فيها نسبة مُصارحة عالية، وشفافيّة غير مسبوقة، قد تشي وفق مراقبين نحو إعلان عدد أكبر من المُصابين، وارتفاعه، والكارثة لو وقعت وهي انهيار النظام الصحّي التي جاءت على لسان الناطق باسم الصحّة تقع هُنا على عاتق الفيروس أوّلاً الذي يعصف بأنظمة صحّة لدول عُظمى، وثانياً على عاتق عدم الالتزام الشعبي، والذي اقتصر على ما نسبته 50 بالمئة بحسب الناطق العبد العالي، ولكن ومع هذا ستبقى تساؤلات مطروحة، حول عدم قُدرة النظام الصحّي السعودي على المُواجهة، في ظِل القدرات الماليّة المهولة لحكومة المملكة، للاستثمار به وتدعيمه للصّمود في أزمات الوباء هذه، وأمام القدرات الماليّة التي يجري صرفها في حربٍ على اليمن، زاد التصعيد العسكري فيها للمُفارقة من التحالف السعودي خلال أزمة تفشّي الفيروس بحسب مُنتقدين.
وزير الصحّة السعودي توفيق الربيعة ذاته، وفي تزامنٍ مع تصريحات الناطق باسم وزارته العبد العالي، وفي كلمة له عرّج على مسألة الشفافيّة، “وإن كانت مُؤلمة”، حذّر من عدم اتباع التعليمات والإجراءات الاحترازيّة والتباعد الاجتماعي، وقد لا يكون عابراً تطرّقه أو مُشاركته السعوديين، ومن “مبدأ الشفافيّة” التي نحن بها مُلتزمون كما قال، نتائج أربع دراسات مختلفة قام بها خبراء سعوديّون ودوليّون، حيث توقّعت تلك الدراسات أن تتراوح عدد الإصابات خلال الأسابيع القليلة المُقبلة ما بين 10 آلاف حالة إصابة “في حدها الأدنى”، وصولاً إلى 200 ألف حالة في حدها الأعلى، داعياً الجميع الالتزام بالتعليمات والإجراءات لتقليل الأعداد، كما تحدّث الوزير عن اعتماد بلاده 15 مليار ريال، وذلك لرفع جاهزيّة القطاع الصحّي وتأمينه بالأدوية، وهي أرقام جرى تخصيصها خلال أزمة كورونا.
تطرّق الوزير الربيعة إلى تخصيص مبلغ 15 مليار ريال بحسب تفسيرات أوساط سعوديّة، يأتي للتّأكيد على تحمّل الحكومة السعوديّة مسؤولياتها في مُواجهة الفيروس، وعدم لومها لاحقاً بالتقصير في حال فشل نظامها الصحّي، وهو ما لخّصه الربيعة حين قال تحديداً “الدولة لم تُقصِّر إطلاقاً أعزها الله في تلبية جميع الميزانيّات المرفوعة لها من قبل وزارة الصحّة”، كما تجنَّب الانتقادات وبرغم تَوفُّر الإمكانات الضّخمة لتدعيم القطاع الصحّي ماديّاً طِوال السّنوات لا الأزمات كونها دولة نفطيّة مُقتدرة، ويجب لنظامها الصحّي أن يتفوّق على الدول العُظمى فآلاف الأطبّاء يجري استِقدامهم سنويّاً للمملكة، وباستِطاعتها جلب الخبرات.
أمّا المُصارحة “من باب الشفافيّة” بخصوص تقدير الإصابات بالفيروس، تقول التفسيرات فهي لتحضير المزاج الشعبي السعودي للأسوأ (200 ألف إصابة)، وعدم دخوله في ردّة فعل سلبيّة غير محسوبة، وذعر الفطرة الإنسانيّة بحيث يُهدّد الفزع منظومة الأمن والأمان، وسجّلت العديد من دول العالم مظاهر عنف دمويّة، خلال الصراع على تخزين الطعام، أو التكدّس على المُستشفيات بحثاً عن العلاج وأجهزة التنفس، للنجاة من الفيروس التاجي، وما يحدث في إيطاليا وإسبانيا، والولايات المتحدة الأمريكيّة، مثال واقعي وحي على تعريف معنى انهيار النظام الصحّي في البلاد، والذي باتت تخشاه السعوديّة بطبيعة الحال.