المغامسي يتجرّأ ويطلب من سُلطات بلاده “العفو” عن المساجين.. هل حمّل الشيخ السّلطات أسباب “البلاء والوباء” ومن “المُخطئين” الذين قصدهم وكيف تراجع؟..
السّلطات السعوديّة لا تشفع له اعتذاره وتُطيح به من “الإمامة” فما هي الرسائل التي أرادت توجيهها؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
لا تُبدِي السلطات السعوديّة فيما يبدو أيّ تسامحٍ مع أيّ انتقادات، أو مُطالبات، تدعوها إلى تغيير نمط سُلوكها الحالي المُتشدِّد، أو إبداء أيّ شفقة في ظِل الأوضاع الراهنة، وانتشار فيروس كورونا فيها، وحول العالم، هذا على الأقل ما بدا خلال تعاملها مع إمام وخطيب مسجد قباء الشيخ صالح المغامسي، والذي طالب سُلطات بلاده ببعض الخطوات، ضمن ما وصفها بأسباب رفع البلاء، وكشف الوباء.
وكتب الشيخ المغامسي، تغريدةً، بدت خارجةً قليلاً عن عادته في كيل المديح لسُلطات بلاده، وخُروجه بعددٍ من الفتاوى، كإجازة سماع الموسيقى، وضوابط الاحتفالات، تماشياً مع عصر الانفتاح والترفيه، وهنّأ الشيخ سُلطات بلاده في تغريدته على انعقاد قمّة مجموعة العشرين الافتراضيّة، وأرفقها بصيغةٍ شرعيّةٍ في سياق أسباب رفع البلاء وكشف الوباء، وحدّدها في ثلاثة أسبابٍ، الالتجاء إلى الله بالدعاء والاستغفار، الإحسان إلى الفقراء والمُنقطعين، وختمها بطلب “العفو” ما أمكن عن المُخطئين من المسجونين.
الشيخ المغامسي لم يُوضِّح بطبيعة الحال في تغريدته تلك من يقصد بالمُخطئين، وما إذا أراد استغلال محنة وباء كورونا لتذكير سُلطات بلاده بالعفو عن المسجونين، على الأقل زملائه في التيّار الصحوي الإسلامي، من العلماء، والمشائخ القابعين خلف القُضبان، وهو كأنّما يُحمّل سُلطات بلاده بشكلٍ أو بآخر كما وصفه البلاء، ووجد في العفو منفذاً “لرفعه” أي البلاء (كورونا) كما قال.
لم تمض ساعات على تغريدة الشيخ المغامسي، والتي لم يطلب فيها من قادة بلاده العفو عن المساجنين مُباشرةً، وإنما قدّمها في سياق السّرد الشّرعي، حتى حُذفت تغريدته التي تعد لافتةً في عهد الرؤية، واعتذر الرجل عن تغريدته، وأوضح في تغريدةٍ لاحقة، أنه لم يكن مُوفّقاً في التغريدة، وهو قصد بالمساجين الحق العام المُخالفات البسيطة، وكما تفعل قيادته كعادتها في رمضان، أمّا أصحاب المُخالفات الجسيمة فمردّه كما قال لما يُقرّره الشرع بحقّهم.
وحمّل المغامسي فهم تغريدته الخاطئ هذا، لأصحاب النوايا السيّئة التي حاولت استغلالها ضد وطنه كما قال، وأضاف: “لن يزيدكم خبثكم إلا خسارا”.
وفيما يبدو قد سبق السيف العذل، فالسلطات السعوديّة “عاقبت” الشيخ المغامسي على تغريدته “الجريئة” تلك، بالإعفاء من منصبه كإمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة، وجرى تعيين بديله سريعاً، وهو الإمام سليمان الرحيلي، وهو الآخر مُقرّب من السلطات.
وقد تكون السلطات السعوديّة، قد اتّخذت بحق الشيخ المغامسي عُقوبةً مُخفّفةً على تغريدته وطلبه العفو للمساجنين، فآخرين غيره كما يرصد مُعلّقون قد جرى الزّج بهم خلف القضبان، لتغريدات أقل جُرأةً، ولا تتعدّى خطوط النصح، وقد يبدو لافتاً ومُثيراً للاستغراب في آنٍ واحد، أن يضع المغامسي نفسه في مُواجهة مع سُلطات بلاده، ويضع نفسه موضع المُرشد لها بخصوص قرارات اتّخذتها، وزمن الاستماع والغُفران لرجال الدين في المملكة كما يقول الواقع قد ولّى.
وكان الشيخ المغامسي قبل أيّام من تغريدته التي أطاحت به من منصب الإمامة، قد بارك وأجاز قرار سلطات بلاده، هيئة كبار العلماء، تعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، في ظل قرارات احترازيّة قد اتّخذتها السعوديّة للحد من انتشار فيروس كورونا، وهو لعلّه ما يُؤكّد انزعاج سلطات بلاده، والإطاحة به من منصبه، ليس لحديثه عن كورونا، أو تدخّله بالإجراءات، بل تحديداً لطلبه العفو في ظل تلك “الجائحة” عن المساجين، وهو ما يُخالف تفسيرات أخرى جرى تقديمها تقول بعدم جواز الربط بين تغريدته وإعفائه.
وبإعفاء المغامسي من إمامة مسجد قباء، تُرسل السلطات السعوديّة رسالةً، يقرأ مفادها مراقبون، أن لا تغيير على سياساتها الحاليّة المُتشدّدة داخليّاً، وأنّ الأمر كلّه يعود للقيادة، وأنّ على الجميع من نخبويين، وعلماء، ومشائخ، الالتزام بالخُطوط العريضة المُحدّدة لإبداء الرأي، حتى في ظل فيروس كورونا، والعاقبة للمُخالفين والمغامسي مثالاً ستكون مُكلِفة.
وإلى جانب إعفاء المغامسي، وبالرغم من ترأس العربيّة السعوديّة قمّة مجموعة العشرين المعنيّة بمُكافحة فيروس كورونا، لم تُقدم المملكة بحسب مُنتقدين على وقفٍ مُؤقّتٍ لحرب اليمن في ظل مساعي العالم لمُكافحة الفيروس، وإرسال المُساعدات في الجانب الإنساني، كما واصلت المملكة انعزالها عن إيران، ولم تُقدِّم مُساعدات ووجّهت اتّهامات للأخيرة بتعمّد نشر الفيروس من خلال السعوديين العائدين إلى المملكة، بعدم ختم جوازاتهم، لكن في المُقابل يتحدّث الإعلام السعودي عن قيادة الملك سلمان للعالم في مُحاربة كورونا، فيما يقول مُنتقدون أنّ الإدارة اقتصرت على الجانب الإلكتروني في ترأس قمّة مجموعة العشرين، وإقرار تدابير محليّة ماليّة بقيمة 120 مليون ريال.