كيف دفع ترامب دول الخليج لتبني سياسة أكثر واقعية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2524
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 فرضت التوترات المتصاعدة في الخليج العربي ضغطا غير مسبوق على هيكل أمني إقليمي لم يتغير كثيرا منذ الثمانينيات، وتسببت في قيام شركاء الولايات المتحدة في دول الخليج بإعادة تقييم أركان علاقاتهم الدفاعية والأمنية بواشنطن.
وأدت تداعيات الهجمات على الأهداف البحرية ومنشآت الطاقة، عام 2019، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران مع بداية العام الجديد، إلى دفع الشركاء الخليجيين للتشكيك في قيمة الردع القائم على الضمانات الأمنية الأمريكية التي حصلوا عليها لأعوام.
وتبخر الإيمان الذاتي لولي عهد المملكة العربية السعودية وأبوظبي، الذي كان قد دفع السعوديين والإماراتيين إلى حرب كارثية لا يمكن الدفاع عنها في اليمن، والتي اقتربت من بداية عامها السادس، وظهر بدلا منها رغبة مفاجئة في الحوار ووقف التصعيد مع إيران.
ومن المفارقات أن النتيجة غير المتوقعة لفك الارتباط التدريجي لأمريكا بمنطقة الخليج قد تكون، على نحو مثير للسخرية، سببا في إحياء الدبلوماسية وإيجاد إحساس أكبر بالواقعية وضبط النفس في الشؤون الإقليمية لدى دول الخليج.
وبدأت شبكة الشراكات الأمنية والدفاعية التي تقودها الولايات المتحدة مع دول الخليج في العقد الذي بدأ بـ "مذهب كارتر"، ردا على الغزو السوفيتي لأفغانستان وليس الثورة الإسلامية في إيران، في يناير/كانون الثاني 1980، انتهاء بالغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990.
ومنذ حرب الخليج عام 1991، كان هناك شعور عام في عواصم الخليج بأن الولايات المتحدة ستكون الضامن الأمني ​​الإقليمي كملاذ أخير، أو ربما هي الملاذ الأول. وتم اختبار هذا الافتراض بشكل كبير خلال المراحل الأولى من الحصار المفروض على قطر في يونيو/حزيران 2017، عندما انتقد الرئيس "ترامب" قطر في البداية، وأشاد بالخطوة السعودية الإماراتية البحرينية المصرية.
وللمرة الأولى في فترة ما بعد عام 1991، لم تكن الولايات المتحدة هي التي تصرفت بسرعة لتفادي تهديد دولة خليجية، ولكن تركيا. وقد عزز هذا من قيمة تنويع العلاقات الأمنية والدفاعية، وعدم الاعتماد بشكل مفرط على أي علاقة من شأنها أن "تحيد عن مسارها".
وإلى جانب التسبب في حدوث صدمة في الدوحة، برزت فكرة لدى شركاء الولايات المتحدة الآخرين بأن رئيسا للولايات المتحدة قد ضحى بشريك مهم في الخليج عام 2017. وتضاعفت المخاوف بعد التخلي عن أكراد سوريا بعد مكالمة هاتفية بين "ترامب" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وكانت الطريقة المتعجرفة التي بدا من خلالها "ترامب" يرمي بالشراكة الأمريكية طويلة الأمد مع الأكراد، والطريقة التي قيل إنه عارض بها النصيحة السياسية والعسكرية في القيام بذلك، قد تركت انطباعا عميقا في عواصم الخليج.
وإذا تمكن "ترامب" فجأة من التخلي عن القوات التي يقودها الأكراد في سوريا، التي حاربت إلى جانب القوات الأمريكية في معاركها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فلم لا يفعل الشيء نفسه على نطاق أوسع مع دول الخليج، كما بدا لفترة قصيرة مع قطر عام 2017؟
وتزامن انسحاب الولايات المتحدة من شمال سوريا مع نمط من الحوادث في الخليج العربي وما حوله، والذي توج بهجمات بصواريخ وطائرات دون طيار على منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر/أيلول.
وتصاعد التوتر في المنطقة فورا تقريبا بعد بدء إدارة "ترامب" حملة "أقصى ضغط" ضد إيران، في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2019، مع فرض عقوبات جديدة على المسؤولين الإيرانيين، وفرض مزيد من القيود على صادرات النفط الإيراني، وتصنيف "الحرس الثوري"، بما في ذلك "فيلق القدس" بقيادة اللواء "قاسم سليماني"، منظمة إرهابية أجنبية.
وبدأت سلسلة من "الحوادث" متفاوتة الخطورة في غضون أسابيع عبر استهداف القطاع البحري وقطاع الطاقة المرتبطين بالسعودية والإمارات، وهما الشريكان الأمريكيان اللذان كانا الأكثر تشددا تجاه إيران، والأكثر ارتباطا بإدارة "ترامب" وجدول أعمالها بالنسبة للسياسة الإقليمية.
وشمل ذلك هجمات طالت 4 سفن تجارية قبالة ساحل ميناء الفجيرة الإماراتي، في 12 مايو/أيار، وهجوم بطائرة دون طيار على خط أنابيب سعودي في 13 مايو/أيار، وهجمات أخرى على ناقلتين نفطيتين في خليج عُمان في 13 يونيو/حزيران، وإسقاط طائرة أمريكية دون طيار في 20 يونيو/حزيران، ورد أنها انتهكت المجال الجوي الإيراني بعد إقلاعها من قاعدة جوية أمريكية في أبوظبي.
والأكثر إثارة للجميع، والأكثر إثارة لشركاء أمريكا في الخليج، كانت الضربة الجوية دون طيار وصواريخ كروز على البنية التحتية النفطية السعودية في 14 سبتمبر/أيلول، والتي استهدفت منشأة "أرامكو" العملاقة لمعالجة النفط في "بقيق" وكذلك حقل "خريص" النفطي.
وتجاوزت طائرات دون طيار وصواريخ كروز تم إطلاقها من موقع مجهول، حتى الآن، أنظمة الدفاع الصاروخي السعودية، وعطلت، وإن كان بشكل مؤقت، 5.7 مليون برميل من إجمالي إنتاج المملكة، البالغ 9.8 مليون برميل في اليوم.
وأكد حجم الهجمات ونجاحها ضعف النظم الدفاعية التي يتم شراؤها بكلفة عالية من قبل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ضد التهديدات غير المتماثلة، وليس التقليدية.
وتحدث محلل أمني سعودي إلى "رويترز" عن شعور بالصدمة في المملكة، قائلا: "إن الهجوم يشبه 11 سبتمبر/أيلول بالنسبة للمملكة، إنه تغيير في اللعبة. أين أنظمة الدفاع الجوي والأسلحة الأمريكية التي أنفقنا عليها مليارات الدولارات لحماية المملكة ومنشآتها النفطية؟ إذا فعلوا هجومهم بمثل هذه الدقة، فيمكنهم أيضا ضرب محطات تحلية المياه والمزيد من الأهداف".
وربما كان الأمر الأكثر إثارة للصدمة لدى قادة السعودية والإمارات، ما عجل بالحاجة إلى إعادة تقييم تصورات التهديد والقدرات الدفاعية، هو رد فعل إدارة "ترامب" على نمط الهجمات بين شهري مايو/أيار وسبتمبر/أيلول.
وكان عدم وجود استجابة أمريكية واضحة للهجمات على الشحن أو الهجوم على عصب الاقتصاد السعودي أكثر وضوحا عند مقارنته برد فعل "ترامب" على إسقاط إيران طائرة أمريكية دون طيار في يونيو/حزيران 2019، عندما شنت الولايات المتحدة هجوما إلكترونيا على قدرات الحرب الإلكترونية الإيرانية، أو بعد مقتل مقاول أمريكي واقتحام مجمع السفارة الأمريكية في العراق في ديسمبر/كانون الأول، عندما أمر "ترامب" بهجوم بطائرات دون طيار أودى بحياة "سليماني" في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وسواء كان الأمر متعمدا من البيت الأبيض أم لا، فإن الدرس الذي تلقاه الشركاء الخليجيون هو أن إدارة "ترامب" لن تعمل على الدفاع عنهم إلا إذا كانت المصالح الأمريكية مهددة بشكل مباشر.
وتسبب إدراك المسؤولين في الرياض وأبوظبي، بأنهم كانوا وحدهم أكثر مما اعتقدوا، موجة من التواصل مع إيران، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء، حتى قبل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران ودخول المنطقة على شفا الحرب.
وسافر وفد من الإمارات إلى إيران في يوليو/تموز 2019 لمناقشة ملفات خفر السواحل وما يتصل بها من قضايا الأمن البحري، بعد فترة وجيزة من إعلان الإمارات عن الحد من قواتها في اليمن أيضا. وفي الأسابيع التي تلت الهجمات على السعودية في سبتمبر/أيلول، اتخذت القيادة السعودية مقاربات منفصلة مع نظيراتها في باكستان والعراق في محاولة لفتح قنوات خلفية للحوار مع إيران لتهدئة التوتر.
ومنذ مقتل "سليماني"، تكثفت الدبلوماسية في الخليج مع وزيري الخارجية القطري والعماني، وكذلك أمير قطر، وكلهم ​​يسافرون إلى إيران، مع رسائل من الزعماء في كل عواصم الخليج، بما في ذلك الرياض وأبوظبي، تعرب عن أهمية تخفيف حدة التوتر، وهو أمر بعيد كل البعد عما غلب على تعليقات كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين في عامي 2017 و2018، التي كانت تستهدف إيران مباشرة.
وكان لمظاهر التهديد الإيراني والقلق بشأن الرد الأمريكي تأثير على الزعماء الإقليميين، خاصة وأنهم يستعدون لمعرض دبي العالمي "إكسبو 2020" و"قمة مجموعة العشرين" في المملكة العربية السعودية.
ولا تتماشى هذه "الدبلوماسية المحمومة" مع رغبة إدارة "ترامب" في زيادة الضغط على إيران، لكنها تقدم على الأقل أملا في أن تستند الترتيبات الأمنية الإقليمية إلى توقعات أكثر واقعية في المستقبل حول ميزان القوى مما كانت عليه في الماضي القريب.

المصدر | كريستيان أولريخسن/ريسبونسبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد