قمة كوالالمبور أبرزت خضوع السياسة الباكستانية لهيمنة السعودية
كانت قمة كوالالمبور، في ماليزيا، بمثابة علامة على انقسام عميق في العالم الإسلامي. وسلطت القمة الضوء على القيود المفروضة على قدرة بعض الدول على التنقل بحرية بين التكتلات والتحالفات المختلفة.
وكما أظهرت تجربة الأسبوع الماضي، تعد باكستان أحد الدول التي تعاني من هذه القيود. وألغى رئيس وزراء باكستان "عمران خان"، حضوره المقرر في قمة كوالالمبور عقب زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية. ويُقال إن الرياض لم تكن راضية عن محاولة ماليزيا إنشاء منصة قد تتحدى منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية.
وأصبحت القمة مثيرة للجدل بعد رفض ماليزيا تقديم الدعوة بشكل رسمي إلى المملكة وحلفائها المقربين في منطقة الخليج. وبحسب ما ورد، كانت إيران وتركيا وقطر وباكستان المدعوين الرئيسيين لحضور القمة، التي ضمت أكثر من 400 عالم مسلم من جميع أنحاء العالم.
وقرر رئيس وزراء ماليزيا، بالتشاور مع الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، وخاصة باكستان وتركيا، عقد قمة لمناقشة القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي. ولم يقدم "خان" دعمه للمبادرة فحسب، بل أعلن أيضا أنه سيحضر الحدث. وبالنسبة لإسلام أباد، أتاحت قمة ماليزيا فرصة لمناقشة قضية "كشمير". ويعد الشعور السائد في دوائر صنع السياسة في باكستان هو أن منظمة التعاون الإسلامي لم تفعل شيئا تقريبا للضغط على الهند أو تقديم الدعم لباكستان على المستوى العالمي في هذا الصدد.
تحدي الهيمنة السعودية
ومع ذلك، بالنسبة للرياض، فإن فكرة أن تبني إيران وتركيا وماليزيا منصة بديلة لمنظمة التعاون الإسلامي تتحدى بشكل مباشر النفوذ السياسي والدبلوماسي للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي. ويعني نجاح مثل هذه المبادرة أنه في الأشهر والأعوام القادمة، قد يتم تهميش دور منظمة التعاون الإسلامي.
ويمكن القول إن حقيقة أن دول ماليزيا وتركيا وإيران وباكستان قررت عقد قمة لمناقشة قضايا إسلامية مثل الوضع في كشمير تعد انعكاسا لتسييس منظمة التعاون الإسلامي وارتباطها بالمصالح السعودية. وتنتقد الدول المشاركة في القمة تحركات الهند الأخيرة في جامو وكشمير. ومن ناحية أخرى، لم تقف السعودية أو حلفاؤها في منطقة الخليج مع باكستان أمام تنامي النفوذ الاقتصادي للهند. وفي حين أبدت الرياض تضامنها مع إسلام آباد، وعبرت عن قلقها إزاء الخطوات أحادية الجانب لنيودلهي في كشمير، فقد وصفت الإمارات هذه التطورات بأنها مسأئل داخلية تخص الهند.
وبرزت باكستان وتركيا وماليزيا وإيران كأصوات معارضة بوضوح لقرار الهند بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي يمنح الحكم الذاتي لجامو وكشمير. ومن المهم أن نلاحظ أن منظمة التعاون الإسلامي، التي تهيمن عليها السعودية ودول الخليج، قد تخلت عن قضية كشمير. وفي الواقع، بذلت الرياض جهودا لإدخال الهند في نطاق منظمة التعاون الإسلامي. وقد أدى ذلك إلى انقسام داخل الهيئة الإسلامية وأثر على رؤيتها لمعالجة قضايا العالم الإسلامي.
وعلى مدار العامين الماضيين، أدانت منظمة التعاون الإسلامي دور الحوثيين في السياسة اليمنية، وأعلنت أن الجماعة تشكل تهديدا للسلام والاستقرار الإقليميين. ويتعارض هذا بشكل مباشر مع تفضيلات السياسة الإيرانية فيما يتعلق بالحرب المستمرة في اليمن.
خطأ استراتيجي
ويمكن القول إن باكستان قد ارتكبت أحد الأخطاء الاستراتيجية بقرارها التراجع عن المشاركة في قمة كوالالمبور والخضوع بالكامل للضغوط السعودية. وقد تسبب غضب الرياض من المبادرة في دفع باكستان لإلغاء تمثيلها على المستوى الوزاري. ويظهر قرار باكستان أن الرياض لا تزال تحتفظ بنفوذ كبير على سياسة باكستان الخارجية.
وكانت تكلفة ذلك القرار باهظا بالنسبة لباكستان. فحقيقة تراجع باكستان عن الحدث تدل على أن سياستها الخارجية لا تزال عرضة للضغوط الخارجية. ويؤكد قرارها أيضا أن دولا مثل إيران وتركيا وماليزيا، التي انحازت إلى موقف باكستان تجاه كشمير، لا يمكنها أن تتوقع من إسلام أباد حماية مصالحها الخاصة بقوة. ويطرح هذا الموقف شكوكا أيضا حول قدرة باكستان المزعومة على الوساطة بين إيران والسعودية، حيث اتضح أن قدرة باكستان على إدارة شراكتها بين المعسكرين الإسلاميين الرئيسيين مقيدة بشدة.
ولا تؤكد القمة الجديدة الحديث الدائر حول الاختلافات المتزايدة في العالم الإسلامي فحسب، بل تقدم أيضا نظرة ثاقبة حول القيود المفروضة على السياسة الخارجية لباكستان. وبعد هذا الحدث، يحتاج صناع القرار في باكستان إلى الانخراط في تفكير جاد حول مستقبل البلاد.
المصدر | عمير جمال - ذا دبلومات