قمة الرياض: سؤال المصالحة الخليجية أم التطبيع مع إسرائيل؟
المحاصِر هو الذي يعاني من مآزق متعاقبة والمحاصَر يواصل النجاحات.
من الجلي والمكشوف أن تطبيع بعض دول الحصار مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قائم على قدم وساق.
من يتصالح مع عدو الأمة التاريخي أولى به أن يتصالح مع الشقيق وأن يتراجع عن سياسات خاطئة تأكد فشلها.
* * *
شهدت العاصمة السعودية الرياض انعقاد القمة الأربعين لمجلس التعاون الخليجي بمشاركة وفود من دول الكويت وعمان والإمارات وقطر والبحرين والسعودية، الأعضاء في المجلس منذ تأسيسه في سنة 1981.
وقد سبق افتتاح القمة اجتماع لوزراء الخارجية تم خلاله بحث جدول الأعمال المعلن، والذي نصّ على أن القمة «ستعزز مسيرة التعاون، وتحقق تطلعات مواطني دول المجلس نحو مزيد من الترابط والتضامن والتكامل».
وقد سبقت تحضيرات القمة مؤشرات على إمكانية تحقيق بعض التقدم في جهود تنقية الأجواء الخليجية ومساعي رأب الصدع والخلافات التي نتجت عن قرار السعودية والإمارات والبحرين فرض حصار شامل على قطر، بريا وبحريا وجويا، في حزيران/ يونيو 2017، تحت طائلة شروط تعجيزية رفضتها الدوحة على الفور لأنها أولاً تمس سيادة الدولة، ولأنها كذلك لم تُفرض أصلاً ضمن أية إمكانية للتطبيق.
أول المؤشرات كانت موافقة الدول المحاصِرة على إرسال منتخباتها الوطنية لكرة القدم للمشاركة في مباريات كأس الخليج التي احتضنتها الدولة المحاصَرة، وذلك على نقيض قرار سابق اتخذته الدول الثلاث بمقاطعة الدورة السابقة التي كانت في عهدة قطر أيضاً ثم نُقلت إلى الكويت.
لكن نجاح الدوحة في تنظيم البطولة، وحسن استقبال الفرق الوطنية الممثلة للسعودية والإمارات والبحرين، بدليل فوز الفريق البحريني بالكأس وعدم وقوع أي إشكال بين اللاعبين الأشقاء، أعطى دفعة واحدة لجهود الكويت في محاولات التوسط وأثبت أن «الدبلوماسية الرياضية» يمكن أن تشحذ الدبلوماسية السياسية وترفدها.
المؤشرات الأخرى عكستها تصريحات وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن إجراء مفاوضات فعلية بين بلاده والسعودية تتصل بالأزمة، ثم مشاركة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي في اجتماعات وزراء خارجية مجلس التعاون التي تولت التحضير للقمة.
وما توصلوا إليه من توافق على اختيار مرشح الكويت نايف الحجرف لمنصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي مما سيساعد في تنشيط جهود الوساطة التي تبذلها دولة الكويت.
وأخيراً بلغت المؤشرات ذروتها مع توجيه العاهل السعودي الملك سلمان دعوة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد لحضور القمة، وموافقة الدوحة على أن يكون ممثلها في اجتماعات هذه الدورة الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
ويمثل حضور رئيس مجلس الوزراء القطري القمة أعلى مستوى من التمثيل القطري في القمة السنوية منذ 2017. ويأتي في أعقاب تكثيف الجهود لحل الخلاف.
واستمر اجتماع مغلق بين العاهل السعودي ورئيس الوزراء القطري أقل من 20 دقيقة قبل صدور بيان ختامي أكد على الحاجة إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني وتعهد إنشاء تكتل مالي ونقدي بحلول 2025.
وعقب قراءة البيان الختامي، أشاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بالدعوة إلى الوحدة. ويسعى أمير الكويت منذ فترة طويلة لإيجاد حل للخلاف مع قطر.
وقال مخاطبا الملك سلمان إنه يأمل أن «تكون الاجتماعات المقبلة خير من الاجتماعات السابقة».
وإذا كان من السابق لأوانه التكهن بمدى وسرعة التقدم على صعيد المصالحة الخليجية ـ الخليجية بعد القمة، فإن من الجلي والمكشوف أن تطبيع بعض دول الحصار مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قائم على قدم وساق.
وكانت آخر جولاته مسارعة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى إلى استقبال حاخام القدس المحتلة شلومو عمار، وزيارة مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية يوفال روتيم قبل أيام إلى دبي، وتوقيعه الأوراق الرسمية لمشاركة إسرائيل في معرض إكسبو دبي 2020 العالمي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام المقبل.
والإعلان عن بدء أعمال بناء الجناح الإسرائيلي الأسبوع المقبل. وليست بعيدة في الزمن تلك الواقعة النكراء التي شهدت عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في قلب أبو ظبي على مرأى ومسمع وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، التي نُظمت لها أيضاً جولة في مسجد الشيخ زايد.
ومن يتصالح مع عدو الأمة التاريخي أولى به أن يتصالح مع الشقيق وأن يتراجع عن سياسات بدأت خاطئة وتأكد فشلها شهراً بعد آخر، خاصة وأن المحاصِر هو الذي يعاني من مآزق متعاقبة، والمحاصَر يواصل النجاحات.
المصدر | القدس العربي