إنسايد أرابيا: روسيا تهيمن على أوبك.. والسعودية لا تمانع
لم تعد منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" كما كانت عليه، وتفقد المنظمة قوتها ببطء لأن صانع الأسعار العالمي في مجال النفط لم يعد "أوبك"؛ بل صناعة النفط الصخري الأمريكي، التي أصبحت تنافسية بما يكفي لتعطيل هيمنة "أوبك" على أسواق النفط في العالم.
وتتوقف قدرة "أوبك" على ممارسة الهيمنة الآن على الشراكة مع دول جديدة للمساعدة في العمل كقوة موازنة، ليس فقط لإنتاج النفط الأمريكي، ولكن أيضا للخطاب العدائي المتزايد من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
ودعا "ترامب" مرارا وتكرارا المنظمة النفطية، المؤلفة من 14 عضوا، وزعيمها، المملكة العربية السعودية، إلى ضخ المزيد من النفط للحفاظ على أسعار أقل، وهي قضية يرى كثير من المراقبين أنها مهمة لإعادة انتخابه عام 2020.
وطالب "ترامب" السعودية بزيادة إنتاجها من النفط إذا أرادت الاستمرار في تلقي الدعم العسكري الأمريكي في صراعها للهيمنة الإقليمية مع إيران، ونتيجة لذلك، تسعى المملكة، التي تعاني من ضغوط سياسية أمريكية، إلى توسيع "أوبك"، حيث تعتقد أنها ستستمر في الحفاظ على تأثير المنظمة على أسعار النفط العالمية عبر جلب المزيد من الدول المنتجة للنفط إلى المؤسسة.
شراكة غير تقليدية
وتعد روسيا أحد شركاء "أوبك" المقربين الآن، حيث أثبتت موسكو مكانتها بين أكبر منتجي النفط في العالم منذ أكثر من 3 أعوام، وسبق أن حاول الجانبان (روسيا وأوبك) التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط في عام 2001، لكن روسيا فشلت في الوفاء في النهاية.
وبدلا من خفض إنتاج النفط، زادت إنتاجها، ويبدو أن خرق الثقة هذا كان من شأنه أن يوجه ضربة قاضية لأي تعاون في المستقبل، وقد أثبتت محاولات أخرى لاستئناف التعاون فشلها حتى وقت قريب، لكن روسيا و"أوبك" قاما الآن بإعادة ضبط علاقاتهما بالكامل.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في الرياض اتفاقا ينص على تعاون طويل الأمد داخل "أوبك بلس"، وهي مجموعة نفطية موسعة تضم دولا خارج "أوبك"، مثل كازاخستان وأذربيجان والبحرين وبروناي والمكسيك وجنوب السودان والسودان وماليزيا وعُمان، ويقال إن هذا التحالف الجديد يهدف إلى تعزيز "فهم أفضل لأساسيات سوق الطاقة وحوار دائم بين الدول المنتجة للنفط".
وتقوم "أوبك" وروسيا بخفض إنتاج النفط جنبا إلى جنب لرفع أسعار النفط العالمية منذ عام 2017، الأمر الذي أثار غضب الرئيس "ترامب"، وكان الدافع لإضفاء الطابع الرسمي على التحالف هو التشريع الأمريكي المناهض للمنظمات الاحتكارية، الذي يحمل عنوان "نوبك"، الذي تم إقراره في الكونجرس الأمريكي في أوائل فبراير/شباط من هذا العام، وكما يُظهر اسم القانون، فإنه يستهدف "أوبك" بشكل خاص.
ولم يخدم التحالف بين "أوبك" وروسيا المصالح النفطية للمملكة العربية السعودية وروسيا فقط، بل رفع العلاقات العامة بين البلدين إلى مستوى جديد.
ووقع الرئيس "بوتين" عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع "بن سلمان" خلال زيارته للرياض في شهر أكتوبر/تشرين الأول، ويعزز التعاون مع المملكة وأوبك قدرة روسيا على ممارسة الضغط على دول الشرق الأوسط لحماية مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المنطقة.
ويساعد بناء علاقات وثيقة مع السعودية الرئيس "بوتين" على إضافة بُعد جديد لنفوذه المتزايد في الشرق الأوسط، وهو نفوذ يظهر بالفعل بالفعل في سوريا ومصر وليبيا، ناهيك عن علاقات موسكو المتميزة مع كل من تركيا وإيران.
توترات كامنة
لكن شراكة روسيا مع "أوبك" ليست مضمونة، فهناك بعض الخلافات والتوترات الكامنة تحت السطح بين الطرفين. وقد يتقلص وضع روسيا في المنظمة إذا فشلت في الالتزام باتفاقيات خفض الإنتاج، أو إذا لم تتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن معايير أسعار النفط. ولا تعد هذه سيناريوهات مستبعدة.
ولأنها ليست عضوا رسميا في "أوبك"، وليس لديها خطط للانضمام إليها، وهو ما أوضحه الرئيس "بوتين" في مؤتمر صحفي في سانت بطرسبرغ في يونيو/حزيران، فلا يتعين على موسكو الالتزام بقواعد المنظمة. وفي حين تسعد روسيا بكونها جزءا من المجموعة التي تملي الأسعار العالمية للنفط، فإنها تنظر إلى "الكارتل" بشكل براغماتي.
وإذا شعر الرئيس "بوتين" أن الاقتصاد الروسي يضعف، فقد يقرر الاستفادة من تخفيضات الإنتاج في "أوبك" ويزيد إنتاج بلاده من النفط ليجني المزيد من النقد على حساب "أوبك"، وفي حين تدرك "أوبك" أن ذلك قد يحدث، فلا يبدو أنها منزعجة من هذا الاحتمال، على الأقل في ذلك التوقيت.
ولا يشعر بعض الروس، بما في ذلك شركة النفط الرئيسية "روسنفت"، بالقلق إزاء تحالف موسكو طويل الأمد مع "أوبك"، لكنهم يخشون أن يؤدي الاتفاق الموسع للحفاظ على أسعار النفط إلى تراجع جهود تنمية إمكانات النفط الروسي. وهم يعتقدون أن ذلك سيصب في مصلحة صناعة الصخر الزيتي الأمريكية، التي تتوسع باستمرار.
ولدى "أوبك" وروسيا خلافات حول حدود تسعير النفط. وتشعر روسيا بارتياح شديد لبلوغ أسعار النفط 45 دولارا للبرميل، وهو الرقم اللازم للحفاظ على ميزانية جيدة، حتى في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تم فرضها في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، حيث يعد اقتصادها أكثر تنوعا من اقتصاد السعودية وغيرها من بلدان أوبك التي تعتمد بشدة على النفط، وتحتاج إلى سعر أعلى من 80 دولارا للحفاظ على استقرار الاقتصاد.
ويبلغ سعر خام برنت الحالي 62.5 دولار للبرميل، ويثير عدم استعداد روسيا لمواصلة خفض الإنتاج بقوة أكبر ومنح مزيد من الدعم لارتفاع أسعار النفط بعض الاستياء بين أعضاء "أوبك"، وفي ظل الواقع الاقتصادي الحالي، يبدو أن التجمع النفطي يحتاج إلى وجود روسيا في جانب المنظمة، أكثر مما يحتاج إلى التزام موسكو الحرفي بزيادة أو خفض إنتاجها من النفط. فبعد كل شيء، تعد روسيا أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بعد السعودية والولايات المتحدة.
ومع ذلك، لا يعد نفوذ روسيا المتزايد في "أوبك" منذ عام 2017 أمرا هينا، ويبدو أن تسبب في كثير من الخلافات داخل المنظمة، وأثار نزاع على قرار السعودية بتأجيل اجتماع "أوبك"، الذي كان من المقرر عقده في يونيو/حزيران في فيينا بالنمسا، لاستيعاب الجدول المزدحم لوزير النفط الروسي "ألكسندر نوفاك"، شكاوى من العديد من الدول الأعضاء حول النفوذ الكبير لروسيا في "أوبك"، رغم أنها ليست عضوا في المنظمة.
وفي وقت لاحق، أعلن الرئيس "بوتين" تمديد تخفيضات إنتاج النفط في يوليو/تموز قبل أن يجتمع أعضاء "أوبك" للاتفاق على ذلك، ما زاد من الغضب.
لكن على الرغم من الاستياء من الدور الجديد لروسيا في "أوبك"، من غير المرجح أن يتوصل أعضاء المنظمة إلى اتفاق بشأن خفض الإنتاج دون مشاركة موسكو.
وكعضو مهيمن يقود المنظمة، تعتبر السعودية روسيا قوة سياسية مهمة تحتاجها لتعزيز مصالحها ومصالح "أوبك"، وقد يتبعها بقية الأعضاء في النهاية، كما فعلوا حتى الآن، وتصب هذه الدينامية في مصلحة موسكو التي أصبح نفوذها في "أوبك" حقيقة واقعة الآن.
المصدر | إنسايد أرابيا - ترجمة الخليج الجديد