لماذا غابَت ثلاث دول خليجيّة عن التّحالف البَحري الأمريكي لحِماية مِياه الخليج الذي بَدأ مهامه رسميًّا؟
وهل تستطيع سِت دول فقط مُعظمها عُضويّتها “شكليّة” التصدّي لإيران وحِماية مضيق هرمز؟ وهل الابتزاز المالي هو الدّافع الحقيقي لكُل هذه المسرحيّة؟
الإعلان عن بِدء التّحالف العسكري البحري بقيادة الولايات الأمريكيّة المتحدة لمَهمته رَسميًّا، المُتمثّلة في حِماية المِلاحة في مِنطقة الخليج، وبمُشاركة سِت دول فقط، يُذكّرنا بالمَثل العربيُ المأثور الذي يقول “تمخّض الجبل فولد فأرًا”.
ضآلة عدد الدول المُشاركة في هذا الحِلف يعكِس بشكلٍ جليٍّ تراجُع النّفوذ الأمريكيّ ليس في المِنطقة الخليجيّة فحسب وإنّما في العالم بأسرِه، ويبدو أنّ الزّمن الذي كانت تُشكّل فيه الإدارات الأمريكيّة الحاليّة والسّابقة تحالُفات تضُم ثلاثين أو ستّين دولة مِثل تلك التي خاضَت الحُروب على العِراق أو في ليبيا وسورية وأفغانستان قد ولّت إلى غير رجعةٍ.
كان لافتًا تغيّب ثلاث دول خليجيّة رئيسيّة عن هذا الحِلف الجديد، وهي دولة الكويت وسلطنة عُمان وقطر، ليس لأنّها تتّخذ موقفًا شِبه حيادي في التّصعيد الأمريكيّ ضِد إيران، وإنُما أيضًا لأنها لا تثِق بالولايات المتحدة وإدارتها الحاليّة، لما تتّسم به من تهور في سياساتها، وهو التهوّر الذي قد يُؤدّي إلى حربٍ إقليميّة وربّما دوليّة، مُضافًا لذلك أنّ هذا الحِلف وتشكيله قد يكون عنصر “توتير” وليس ضمانًا للحِماية والاستقرار.
لا نعتقد أن هذه الدّول السّت، هي بريطانيا والسعوديّة والإمارات والبحرين وأستراليا وألبانيا إلى جانب الولايات المتحدة، قادرةٌ على حِماية المِلاحة البحريّة، لأنّ مُعظمها، باستثناء أمريكا وبريطانيا لا تملك قوّةً بحريّةً فاعلةً فأين هي أساطيل ألبانيا والبحرين والإمارات والسعوديّة على سبيل المثال، خاصّةً إذا علمنا أنّ وسائل الرّدع البحري الإيرانيّة على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة، وخاصّةً الصّواريخ والغوّاصات محليّة الصّنع، علاوةً على مِئات الزوارق البحريّة الصّغيرة والكبيرة القادرة على تدمير السّفن المُعادية دون أن ترصدها الرّادارات.
ثم لماذا لم تنضم دول لها مصلحة في هذه الحماية في الخليج مِثل فرنسا والمانيا وبلجيكا والصين والهند تستخدم سُفنها وناقلاتها مياه الخليج بكَثرةٍ، وكانت أو مُعظمها، شريكًا في كُل حُروب أمريكا في المِنطقة؟ الجواب ببساطة أنّ أمريكا هي التي تسبّبت بكُل هذا التوتّر وتهديد الأمن والاستقرار في المِنطقة والعالم بانسحابها من الاتّفاق النوويّ الإيراني.
بالاستناد إلى تجاربٍ سابقة، يُمكن القول إنّ الزوارق البحريّة الإيرانيّة نجحت في احتجاز سفينتين بريطانيتين كردٍّ على احتجاز ناقِلتها في جبل طارق، ومن وسط السّفن البحريّة الأمريكيّة التي لم تُحرّك ساكنًا، ولم تتدخّل لمنع هذا الاحتجاز، والأخطَر من ذلك أنّ الرئيس ترامب أعلن أنّه لن يقوم بحِماية هذه السّفن، وأنّ الحِماية تقتصر فقط على السّفن الأمريكيّة.
فإذا كانت حاملات الطّائرات، ومُعظم السّفن البحريّة الأمريكيّة هرَبت إلى بحر العرب، ورابَطت على بُعد 800 كم من مِياه الخليج حتى تكون خارج مرمى الصّواريخ الإيرانيّة، فكيف ستتمكّن هذه الحامِلات حماية ناقلات النّفط والسّفن التجاريّة في مِياه الخليج ومضيق هرمز؟
المسألة كلها لا تخرج عن إطار عمليّات الابتزاز الأمريكيّة لدول الخليج الثّلاث المُشاركة في هذا التّحالف، أيّ السعوديّة والإمارات والبحرين، لأنّ وجودها فيه هو بهدف التُمويل، وتغطية النّفقات سواءً بإمداد السُّفن بالوقود، أو بالدّفع نقدًا بشكلٍ مُباشرٍ، أو غير مُباشر، فالرئيس ترامب بات بارعًا، ويملك خبرةً طويلةً في هذا المجال، ولا يُمكن أن يُقدم على أيُ حماية دون أن يقبض الثّمن مُقدّمًا، وبأسعار عاليةٍ جِدًّا، وربّما فوقها “البَقشيش” أيضًا.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”