العلاقات العراقية السعودية.. تاريخٌ من المد والجزر

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1672
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

نظير الكندوري
 لم تكن العلاقات السعودية العراقية بأفضل حالاتها منذ عقود طويلة، ففي بداية حكم البعث للعراق كانت أدبيات حزب البعث تنظر للمملكة السعودية وباقي الدول الخليجية كدول "الرجعية العربية"، ولم تتغير تلك النظرة إلا مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي كانت السبب في تقارب خليجي سعودي مع العراق، لكن هذا التقارب انقلب إلى تباعد بعد احتلال الكويت، وبدأت القيادة العراقية تنظر للسعودية ودول الخليج عامة، كجزء من دول العدوان الثلاثيني على العراق.
لم تتغير النظرة كثيرًا بعد سقوط النظام واستبداله بنظام جديد، صُنع على عين الاحتلال الأمريكي عام 2003، فالقيادة العراقية الجديدة لم تأت على الهوى السعودي، بل ولا حتى على الهوى الأمريكي الذي اضطر للتعامل مع قيادة عراقية جديدة، إيرانية الهوى والتوجه، فبدأ النظام العراقي الجديد ينظر إلى السعودية وباقي دول الخليج كدول طائفية تريد إرجاع العراق إلى قبضة السنَّة، وهي وجهة نظر إيرانية بحتة تبنتها القيادة العراقية الجديدة تجاه الدول العربية والخليجية.
بالمقابل لم تكن تنظر السعودية ومن ورائها باقي دول الخليج العربي للعراق، بأفضل من النظرة العراقية، فلطالما كانت تنظر الدول العربية ذات الأنظمة الملكية للعراق كأحد الدول ذات النظام الجمهوري الذي تسيطر عليه نخبة عسكرية تَكِنُّ في داخلها نوايا الشر لأنظمتها الملكية، فهي تنظر له بعين الحذر والتوجس، والرؤية الأمنية الإستراتيجية لتلك الدول تُحتم عليها العمل على إبقاء العراق وباقي الدول العربية الجمهورية، في حالة اضطراب وصراع داخلي يجعلها تعزِف عن التخطيط الذي من شأنه تهديد الأمن القومي للسعودية وباقي الدول الخليجية كما يظنون.
لكن هذه النظرة تغيرت للعراق في الفترة الأخيرة، لإحساس المملكة بأنها قد ارتكبت خطأ كبيرًا حينما تخلت عن العراق وجعلته فريسة سهلة للنظام الإيراني، ذلك لأنه تبين لهم أن النظام الإيراني أشد وأكثر خطورة على أنظمتها من الأنظمة الجمهورية العربية، لأن نظام إيران يستند على قاعدة طائفية تهدد وحدة الشعوب العربية ومن الصعب التعامل معها بشكل سهل.
استغلت المملكة السعودية الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به إيران جراء العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى العزلة الدولية لها، للدخول إلى العراق
فكان قرار المملكة بالتقارب مع العراق من بوابة الرابط القومي العروبي والمصلحة الاقتصادية، حتى لو اضطرت لأجل ذلك، التعامل مع قيادة عراقية في غالبيتها من المكون الشيعي ذي الولاء الإيراني، طمعًا في سحبهم من الحضن الإيراني الذي يكاد يستحوذ على كل شيء في العراق، وعوتهم للحضن العربي.
ولأجل ذلك، استغلت المملكة السعودية الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به إيران جراء العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى العزلة الدولية لها، للدخول إلى العراق الذي يعاني هو الآخر من صعوبات اقتصادية وأمنية تجعله لا يجد شيئًا عند إيران، على عكس السعودية التي وعدت القيادة العراقية بانفتاح اقتصادي كبير، وتقديم العراق لدول المحيط العربي ودول العالم بعد العزلة التي رافقت النظام السياسي العراقي منذ الاحتلال ولحد الآن.
فكانت زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للرياض مؤخرًا، ملفتة للانتباه، ليس فقط للحفاوة التي استقبل بها، إنما لعدد الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين التي بلغت 13 اتفاقية اقتصادية مهمة، والهبة المالية التي منحتها السعودية للعراق البالغة مليار دولار، بالإضافة إلى قرارات أخرى تندرج في إطار المجاملة لعبد المهدي بزيادة عدد الحجيج العراقيين لما يقارب الـ50 ألف حاج سنويًا.
تعود رغبة عبد المهدي في الانعتاق من إيران ولو جزئيًا، ليس بسبب وجود خصومة سياسية بينه وبين النظام الإيراني، إنما بسبب أن إيران ترزح حاليًّا للعقوبات الأمريكية غير المسبوقة
من جانبه يرى عبد المهدي في السعودية، متنفسًا اقتصاديًا جديدًا يستطيع من خلاله إيجاد حلول لمشاكل اقتصادية عصية، ونفس الوقت التخلص من الحالة التي تُكبل بها إيران بلاده، وجعلت من العراق أسيرًا للمنتجات الإيرانية قليلة الجودة طيلة الـ16 سنة السابقة، كان العراق فيها يستورد من إيران بسبب سياسات الحكومات السابقة ذات الولاء السياسي والعقائدي لنظامي الولي الفقيه.
وتعود رغبة عبد المهدي في الانعتاق من إيران ولو جزئيًا، ليس بسبب وجود خصومة سياسية بينه وبين النظام الإيراني، إنما بسبب أن إيران ترزح حاليًّا تحت العقوبات الأمريكية غير المسبوقة، مما جعل إيران تضغط وبقوة لجعل العراق مصدر طهران الكبير للعملة الصعبة، ومتنفسها للخلاص من ورطتها الاقتصادي، حتى إذا اقتضى الأمر المغامرة بمستقبل النظام السياسي العراقي نفسه، كون التعامل مع إيران حاليًّا، سيجعله بمواجهة الإدارة الأمريكية.
هل تنجح المملكة في مساعيها؟ وهل ينجح عبد المهدي بالاستفادة من عروض المملكة؟
التوجه السعودي الجديد بالانفتاح على العراق، ربما لن يكون سهلًا في ظروفها الحاليّة، لأنها هي الأخرى تعاني من وضع اقتصادي متأزم يحول دون انفتاح اقتصادي كبير على العراق، ورغم أن الاقتصاد السعودي لا يمكن مقارنته بالاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الانهيار، لكن الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن وسياستها بشراء المواقف الدولية نتيجة الأخطاء الكارثية التي ورط بها المملكة ولي العهد محمد بن سلمان، ومغامراته الاقتصادية التي يتبناها، ناهيك عن حادثة خاشقجي التي جعلت السياسية السعودية تتراجع كثيرًا عما كانت في السابق، كلها عوامل تجعل المملكة تجد صعوبة في إغراء القيادة العراقية بشكل يجعلها تتخلى عن نظام إيران استنادًا للمصلحة الاقتصادية.
كما ومن جانب آخر، تبرز صعوبات أخرى كبيرة في إنشاء استثمارات سعودية في العراق، في ظل سيطرة مليشيات مدعومة إيرانيًا، خاصة أن معظم العروض الاستثمارية التي جلبها عبد المهدي للجانب السعودي، مركزة بمناطق الجنوب حيث السيطرة المطلقة للمليشيات هناك، كل هذه الأمور ربما تجعل المملكة، أكثر حذرًا في الانفتاح الاقتصادي الذي تريده منها القيادة العراقية.
أحد أبرز الملاحظات على أن عبد المهدي لا يستطيع الانفكاك عن السيطرة الإيرانية، أن وفده الكبير إلى الرياض كان في جله من المكونات السياسية الشيعية والمليشياوية، ولم يصطحب معه شخصية واحدة سنيَّة بارزة
وراهنت المملكة في فترة سابقة، على رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وحاولت تقريبه منها، لكن جهودها ذهبت هباءً حينما نجحت إيران في إزاحته عن طريقه لولاية ثانية، وها هي الآن تراهن على عادل عبد المهدي الذي يقود حكومة ناقصة وضعيفة ومن غير المرجح استمراره بالسلطة للفترة القادمة.
بالمقابل فإن عادل عبد المهدي ربما لن يكون طريقه سهلًا في الانفتاح على السعودية وباقي الدول العربية، فهو لحد الآن، فشل في إكمال كابينته الوزارية، كما أن أبرز الكتل السياسية المسؤولة عن وصوله لمنصب رئاسة الوزراء، تهدد بعدم تمرير أي اتفاقية يعقدها مع السعودية أو الأردن، هذا ما صرح به أحد قياديي تحالف "البناء" بقيادة هادي العامري، وهناك مباحثات تدور خلف الكواليس بين كتل سياسية شيعية مهمة، لتشكيل تحالف أغلبية داخل البرلمان هدفه إقالة عبد المهدي من رئاسة الوزراء، بحجة فشله في إكمال وزارته، وفشله في وضع حد للنزاع السياسي بين الكتل المشكلة لوزارته، بل إن هذه المباحثات، لم تعد مجرد همس غير مسموع، إنما ارتفعت نبرتها لتصل إلى الإعلام.
وأحد أبرز الملاحظات على أن عبد المهدي لا يستطيع الانفكاك عن السيطرة الإيرانية، أن وفده الكبير إلى الرياض كان في جله من المكونات السياسية الشيعية والمليشياوية، ولم يصطحب معه شخصية واحدة سنيَّة بارزة، حتى ولو على سبيل المجاملة للسعودية.
هل ينجح عبد المهدي بالوقوف بمنطقة الوسط بين إيران والسعودية؟
يحاول عبد المهدي من خلال زياراته إلى طهران ثم الرياض، وعقد الاتفاقيات الكبيرة مع البلدين، إيجاد منطقة وسط بين البلدين يستطيع الوقوف بها، ليحمي نفسه وبلاده من الصراع المستحكم بينهما، لكن نرى أن هذه مهمة صعبة، ومسألة انحيازه لأحد الطرفين أمر لا مفر منه، تفرضه الظروف الإقليمية الحاليّة، وحسب تصريح أحد المسؤولين العراقيين في هذا الشأن، فإن إيران حذرت عبد المهدي بشكل غير مباشر، من توقيع اتفاق ربط كهربائي مع ‏السعودية، لأنه سيهدد عقود تجهيز الطاقة الموقعة مع طهران، فكيف الحال بباقي العقود؟‏
وبما أننا نعرف أن من الصعب أن يقف عبد المهدي ضد شركائه السياسيين المواليين لإيران، أو لنقل، ليست لديه الرغبة في الوقوف ضد التوجهات الإيرانية، فإن وقوفه على الحياد بين البلدين ربما يجعله عرضة للضربات السياسية التي ستؤدي لا محالة إلى سقوطه وخسارته منصبه.