“نادي الملكيّات العربية” يتفسّخ.. والأزمة المغربية السعودية تؤكّد المؤكّد: حلم الملك عبد الله بن عبد العزيز بإيجاد كيانٍ موحّد يحمي المَلَكيّات العربية انتهى..
مجلس التعاون يفقد “إغراءه” والخليج يبدأ من الكويت بالنسبة لعمّان.. وهل تتحمّل دول النادي مع القاهرة كيان وارسو؟ وهل انتهت مرحلة “التسول”؟
برلين – “رأي اليوم” – فرح مرقه:
يتفكك “نادي الملكيات” في العالم العربي بصورة قاسية، تزامناً مع مدٍّ وجزرٍ في موجات حراكاتٍ تحاكي ما عُرف بـ “الربيع العربي”. النادي المذكور -والذي وحّد عبره الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز قبل نحو تسعة أعوام المواقف بين الدول ذات الأنظمة الملكية والأميرية في مواجهة احتمالات الحراكات الشعبية ضدها- تزايدت الاختلافات بين دوله، ليتحول من أداة تجميع بين دول الخليج ككل ومعها الأردن والمغرب، إلى علاقات ثنائية جامدة وباردة في معظم الأحوال.
آخر الملكيات المنسلخة عن النادي، بدت المغربية التي لولا التصعيد الدبلوماسي الأخير لما كانت تمثّل استثناءً، فالمتتبع للتفاصيل يدرك أن العلاقات جامدة بين معظم الدول الخليجية بالإضافة للأردن والمغرب من جهة، وبين المملكة العربية السعودية من جهة أخرى باعتبارها صاحبة المبادرة أصلاً، إلا أن الرباط قد تختلف عنهم جميعاً بحكم الجغرافيا، إذ لا تزال الجغرافيا ذاتها تقيّد ملكيّة كالأردن، فتستخدمها عمان كمسبب لمواقفها الأقل حدّة في التعامل مع السياقات الخليجية خلال السنتين الأخيرتين.
فالنادي الذي كان القصد منه حماية دول مجلس التعاون الخليجي، وإغراء عمان والرباط بمزايا المجلس والحديث أحياناً عن ضمّهما إليه (أي مجلس التعاون)، يبدو اليوم “غير مغرٍ” لجمع دول مجلس التعاون أصلاً، بل وتحوّل من مركز إغراءٍ وجذب، إلى كيان يعتبره المراقبون “منتهي الصلاحية” بعد أزمة قطر وفتور العلاقات مع عُمان وتباين رؤى مع الكويت، وأحياناً حتى بين السعودية والإمارات.
بهذه الصورّة، يشدد المراقبون للأنظمة الملكية، على أن عصر الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان فارقاً في مجالات الاستثمار بالوحدة العربية، وطريقة هذا الاستثمار.
المغرب.. ونعمة الجغرافيا..
اختار المغرب التعامل بصورة قاسية مع ما كان يعتبره غروراً، ثم بات إساءةً للعلاقات معه، فبدأ حربه دبلوماسية باستدعاء سفيره في الرياض ولاحقاً هناك أنباء عن استدعاء سفير أبو ظبي، ثم بدأ لاحقاً برسائل إعلامية قاسية وغير مألوفة- وفق خبراء مغاربة- في قضية الصحافي الراحل جمال خاشقجي كنوعٍ من رد الاعتبار بعد التقرير الشهير لقناة العربية حول الصحراء الغربية، والتي يعرف المراقبون للحساسيات الدولية، معناها بالنسبة للرباط.
الجغرافيا في هذه الأزمة تخدم العاصمة المغربية، كما يخدمها ما اعتبره المراقبون في الشأن الدولي “خطةً بديلةً ذكية” سبقت فيها العاصمة المغربية كل العواصم التي ترغب في فرط ما تبقى من عِقد النادي الملكي. في هذا السياق، يتحدث الخبراء عن استثمار المغرب جهوداً كبيرة خلال العامين الأخيرين في اكتساب حريته في الحركة من خلال تكريس عمقه الإفريقي من جهة، وعمقه الأوروبي من جهة أخرى. فالرباط استعادت ومنذ عام 2017 موقعها الهام في الاتحاد الافريقي، كما حازت قبل ذلك على اتفاقات وامتيازات ممتدة ومتجددة حتى اليوم من الاتحاد الأوروبي، بحكم جغرافيتها من جهة، واستغلالها ذعر الاتحاد من الهجرة من جهة ثانية.
بهذه الصورة، أعدت الرباط جيداً لمرحلة تستطيع فيها الاستغناء عن العلاقات مع السعودية تحديداً وأبو ظبي ثانياً، إذا ما اقتضت ذلك ضرورات أي مرحلة، ومتابعون جيدون للشؤون المغربية يؤكدون ان العلاقات بين الرباط والرياض شهدت تراجعاً أصلاً بعد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز عرش السعودية، وبصورة أكثر تحديداً مع استلام الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد.
في هذه الحالة، خرج المغرب من النادي ولفترة يُعتقد أنها لن تكون قصيرة، خصوصاً وهو لا يكتفي بالرد على التصعيد بالتصعيد إعلامياً وسياسياً، بل ويوحي بأنه انضم لحلف قطر والتي سبقت أيضاً بالخروج من النادي بكل الأحوال، عبر اقصائها منه.
ماذا بقي لتحالف الملكيات؟..
الأزمة المغربية- السعودية التي لا تخلو من توتر مع أبو ظبي، لم تكن عملياً أولى هذه إشارات التفكك، فالعلاقات الملكية والأميرية جامدة بمعظمها، وخصوصاً مع “الشقيقة الكبرى”، بدءاً من الازمة مع قطر والجمود بين عُمان وبقية أعضاء المجلس والتوترات السعودية الكويتية وليس انتهاءً بالعلاقات السعودية الأردنية. بهذه الصورة، يؤكد مراقبون صعوبة إعادة إحياء “النادي” الشهير، والذي استمد قوته أول العقد الحالي كردّة فعل على الربيع العربي.
أزمة المغرب مع المعسكر السعودي اليوم وتجلياتها تؤكد أن الأمر يزيد على إشكالية بسيطة بين البلدين، وأن عمق الشرخ مع المغرب كبير، الأمر الذي وإن بقي في إطار أضيق، إلا أنه حمل أبعاداً قاسية مع عمان، حيث أنهى ملك الأردن خدمات “المبعوث الخاص” للملك سلمان والذي كان يمثّله الدكتور باسم عوض الله، كما يؤكد مطلعون سياسيون أن عمان ذات المشاركة الجامدة في التحالف العربي في اليمن، استبدلت ذلك برغبة شديدة بدور الأرض المحايدة التي تحتضن الحوارات اليمنية خلال جولتي مفاوضات بين حكومة عبد ربه منصور هادي وجماعة أنصار الله الحوثية.
في جانب الأردن، فالبحث عن أقوى حليفة له في النادي المذكور دوماً يقود للكويت، ثم قطر وعُمان قبل الوصول لثلاثي الإمارات والبحرين والسعودية. هذا التصنيف، أجمعت لـ “رأي اليوم” عليه أكثر من 5 شخصيات أردنية تمسك زمام مراكز القرار اليوم.
بكل الأحوال، ليس نادي الملكيات وحده ما بات يُعتبر “فكرة بائدة” اليوم، يقول مراقبون، فالكثير من الاتحادات والنوادي والتحالفات تتفكك بصمت بانتظار حالة صارخةٍ كالعلاقات المغربية السعودية، لتعلن وفاتها. في الأثناء تنتظر شعوب ذات الملكيّات (التي تتبعهم اليوم القاهرة وإن بنظام رئاسي يُعتقد أنه سيتحوّل لصوَريّ) مخرجات كيان جديد تريد له إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ان يتشكّل في العاصمة البولندية وارسو متحالفٌ مع إسرائيل.
مسؤول اردني كبير لخص خريطة نادي الملكيات العربية بالقول ان الأساس الذي بني عليه وهو “التسول” قد “تضعضع” في السنوات الأخيرة، لان الملكيات الفقيرة ماليا غنية ثقافيا وحضاريا، وبدأت مرحلة الاعتماد على الذات.