سي أن أن: سياسات بن سلمان القمعية تدفع بالسعوديين للهرب
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”: في تقرير لشبكة “سي أن أن” أعدته تامارا قبلاوي قالت فيه إن سياسات القمع التي مارسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أدت لزيادة عدد المهاجرين من السعوديين خاصة الفتيات.
وبدأت تقريرها بتلقي نورة وهي لاجئة سعودية في سيدني، استراليا حيث تلقت مكالمة من فتاة تطلب منها المساعدة وتقول إنها مهددة بالترحيل إلى السعودية العاصمة التايلاندية بانكوك، اسمها رهف القنون، وقالت إنها تحصنت في غرفة الفندق حتى تمنع ترحيلها.
ولا تعرف نورة رهف لكنها تعرف الوضع الذي تمر فيه فتاة سعودية خائفة من العودة إلى بلادها التي هربت منها.
وبدأت نورة سلسلة من المكالمات أدت في النهاية لاهتمام الإعلام الشهر الماضي بقصة الفتاة الباحثة عن لجوء في استراليا لتذهب بدلا من ذلك إلى كندا.
ونقلت “سي أن أن” عن نورة قولها “أخذت هاتقي واتصلت بالناس مخبرا إياهم عن رهف لأنني أعيش في بلد حر لن يسجنني بسبب ما أتحدث به على الهاتف”.
وأضافت: “القضية لم تكن عن رهف بل عن فتاة سعودية طلبت مساعدتي، لأنني كنت سأفعل نفس الأمر بنفس التصميم”. وقادت نورة مع سعوديتين أخريان حملة 72 ساعة للحديث عن حالة رهف وقانون الولاية على المرأة الذي يتحكم بحياة المرأة في السعودية ويجعلها عرضة لاضطهاد الرجل. وكانت نتيجة معركة رهف للهروب أنها جعلت اللجوء “فكرة شعبية في السعودية”.
وترافقت فكرة البحث عن مخرج من السعودية مع سياسات القمع التي قام بها محمد بن سلمان واعتقاله الناشطين والناشطات ورجال الدين وتعذيبه ناشطات داعيات لحقوق المرأة بحجة الإتصال بقوى أجنبية. وتنفي الحكومة السعودية المزاعم وتقول إنها لا “تدعم أو تروج لاستخدام التعذيب”.
ويتعرض ولي العهد لضغوط دولية شديدة بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي العام الماضي في سفارة بلاده، وهي الجريمة التي وصفتها السعودية بمحاولة فاشلة لإجبار الصحافي الناقد لولي العهد العودة إلى بلاده. ولكن جريمة القتل أكدت كما يقول الناشط السعودي يحيى العسيري أن المملكة وبعثاتها الخارجية باتت خطيرة على الناقدين.
وقال “من المستحيل أن أذهب أبدا إلى السفارة السعودية” في لندن حيث يعيش. وقال “لقد رفضت الذهاب وحالة خاشقجي جعلت الوضع أكثر وضوحا”.
وجاء العسيري في عام 2013 إلى لندن لدراسة حقوق الإنسان. وطلب الجندي السابق في سلاح الجو السعودي اللجوء السياسي حتى يمحو كل خطر تعرض له جمال خاشقجي عندما ذهب إلى قنصلية بلاده في اسطنبول يوم 2 تشرين الأول، 2018 للحصول على أوراق رسمية تسمح له بالزواج من فتاة تركية.
وجاء في تقرير الشبكة الأمريكية أن عدد طالبي اللجوء السياسي السعوديين زاد في السنوات الماضية. فأول حالة مسجلة لسعوديين طلبوا اللجوء كانت عام 1993 وبحسب المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة فقد لجأ سبعة سعوديين إلى اليونان والسويد والأردن.
وبحسب الأرقام الأخيرة للمفوضية فقد بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء إلى 2.392 في عام 2017 توزعوا على خمس دولة وهي الولايات المتحدة (1.143)، كندا (453)، استراليا (191)، بريطانيا (184) وألمانيا (147). وزاد العدد من عام 1993 وبلغت ذروته في عام 2006 وخفت في السنوات اللاحقة ليعود للزيادة بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011 بسبب الإضطرابات في المنطقة الشرقية من البلاد.
إلا ان الزيادة الحادة لللاجئين بدأت بعد عام 2015، اي صعود الملك سلمان للعرش وتسلم ابنه الأمير محمد مناصب مهمة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في “هيومان رايتس ووتش” أدم كوغل قوله “لقد رأيت أناسا يهربون بسبب القمع السياسي المرتبط بمحمد بن سلمان وما فعله وأعتقد أن العدد الذي ترينه هنا هو إشارة عن هذا”.
ويظل عدد السعوديين الهاربين من الوضع السياسي غير مهم مقارنة مع دولة مثل سوريا إلا أنه مثير للدهشة نظرا للمناخ السياسي الذي تعيشه المملكة في ظل محمد بن سلمان.
عدد السعوديين الهاربين من الوضع السياسي غير مهم مقارنة مع دولة مثل سوريا إلا أنه مثير للدهشة نظرا للمناخ السياسي الذي تعيشه المملكة في ظل محمد بن سلمان
واعترف أحد مؤيدي بن سلمان في الولايات المتحدة علي الشهابي بأنه “مساحة التحرك السياسي ومساحات الحرية اصبحت ضيقة وأضيق في السنوات الماضية بشكل يدفع المزيد للخروج”.
ولكنه قال إن الرقم الحالي “غير مهم”. وبرر تقييد الحريات في السعودية بمحاولات ولي العهد السيطرة على مجتمع منقسم من أجل إحداث تغييرات جذرية.
ويقصد بهذا إصلاحاته التي رفعت الحظر عن قيادة المرأة للسيارة والسماح بالسينما والحفلات الموسيقية ورؤيته 2030 حيث أصبح الحاكم الفعلي بعد تعيينه وليا للعهد في عام 2017 عندما تخلص من ابنه عمه الأمير محمد بن نايف.
ومدح أنصاره خطواته الجريئة خاصة الحد من سلطة رجال الدين وهو ما منحه دعما دوليا عززه بزيارة استمرت لإسبوعين إلى الولايات المتحدة. لكن المعلقين ألمحوا إلى جانب مظلم في الأمير “المصلح”.
وكشف عنه الصحافي جمال خاشقجي بمقالاته بصحيفة “واشنطن بوست” حيث كتب في أول مقالاته التي نشرت في إيلول (سبتمبر) 2017 “كل ما أرى هي موجات اعتقال” مشيرا لوعود الأمير بجعل البلاد حرة ومتسامحة. وقال “أخاف عندما أتحدث مع أصدقائي السعوديين في اسطنبول ولندن ممن قرروا المنفى الإختياري وهناك سبعة منا، فهل سنكون جوهر الدياسبورا السعودية”.
وزاد عدد طالبي اللجوء السياسي السعوديين في الفترة ما بين 2015- 2016 بنسبة 52% إلى 1.936. وهي نسبة كبيرة مقارنة مع 13% على مدى العقد الماضي. ووصل العدد في عام 2017 إلى 2.392.
وزاد عدد الباحثين عن لجوء بين السعوديين رغم مخاطر التنصت والمنع من السلطات السعودية. ففي الكويت سلمت السلطات حامل الجنسية القطري- السعودي نواف الرشيد بناء على طلب السعودية حيث كان في زيارة للكويت.
وأجبرت السلطات القطرية محمد العتيبي على النزول من الطائرة حيث كان متجها للنرويج التي منحته اللجوء وسلمته إلى السلطات السعودية التي وجهت له قائمة من الإتهامات منها “تقسيم الرأي العام” حسب منظمة العفو الدولية.
وقال كوغل “لا تحب السعودية منظر السكان الهاربين لأنها تشوه حملة العلاقات العامة التي تصور البلد بالحديث والمتطور”، محذرا من مخاطر تواجه طالبي اللجوء السياسي السعوديين.
وقال كوغل إنه يتلقى طلبات على قاعدة شهرية لدعم طلبات اللجوء السياسي، مشيرا أن الطلبات هذه كانت قليلة قبل عام 2016.
وتظل مهمة الهروب للمرأة معقدة خاصة أنها تحتاج لإذن من وليها ولهذا تستغل أحيانا العطلات في الخارج للهروب من بيت والدها، وحتى في هذه الحالات تواجه خطر الترحيل القسري مرة أخرى إلى المملكة. ففي عام 2017 حاولت الفتاة دينا علي السلوم الهرب من عائلتها وهي في إجازة بالكويت ولكن السلطات الفليبينية أوقفتها في مطار مانيلا في طريقها لأستراليا. ورحلتها السلطات رغم مناشداتها. وقالت السفارة السعودية هناك إن “المسألة عائلية”.
وهربت أماني الأحمد الباحثة في حقوق الإنسان في المرصد الأوروبي- الشرق أوسطي لحقوق الإنسان في رحلة متعبة ولكنها تستحق العناء، مشيرة إلى أنها أخذت نصيحة من السفارة الأمريكية نظرا لجنسيتها.
وهناك هرب للرجال أيضا مثل طه الحاج، المحامي الذي وصل إلى ألمانيا عام 2016 مع عشرات الألاف من اللاجئين السوريين. وهو يمثل الناشطين السعوديين في القطيف التي هرب منها بعدما طلبته الشرطة للمقابلة، ولكنه سافر إلى اسطنبول وبعدها إلى برلين حيث بدأ حياته كلاجيء سياسي.
ويقول إن عمليات الإعتقال زادت بعد مقتل الشيخ نمر النمر عام 2016 حيث تم استهداف الناشطين الشيعة في المنطقة الشرقية. ويقول إن التحول من محامي إلى لاجيء تغير جوهري، ولا يوجد ما يبرره لأن السعودية لا تعاني حربا وكل ما فعله هو المطالبة بالحقوق الأساسية. وعندما توفي والده لم يستطع المشاركة في جنازته، وحاولت السفارة السعودية في برلين الإتصال به ووعدته بعودة سالمة لكنه رفض.