مملكة القمع والاعتقالات.. السعودية تلحق الإمارات بخدعة "السعادة"
في خطوة جديدة نحو الانفتاح في مجال المرأة الذي يدعمه ولي العهد، محمد بن سلمان، فاجأت السعودية مواطنيها بتعيين الهنوف سليمان هليل، كأول امرأة تُدير "جودة السعادة" في منطقة حائل، شمالي المملكة.
وعُيّنت الهنوف مديرة وحدة جودة خدمة العميل في مركز السعادة التابع لأمانة منطقة حائل؛ كأول فتاة سعودية مختصة في رصد سعادة المواطنين وتحليل جودتها في أثناء تقديم الخدمات البلدية، بحسب ما ذكرت صحيفة "عكاظ" المحلية، الاثنين (29 يناير 2019).
الهنوف التي تعمل ضمن فريق مكوّن من 11 رجلاً، بقيادة أمير منطقة حائل، تُعتبر أول عنصر نسائي تتولّى منصباً لمركز السعادة، وفق الصحيفة ذاتها.
ومن المقرّر أن تعمل في تحليل جودة الخدمات المتاحة للمواطنين، خاصة في 10 خدمات رئيسية يندرج تحت كل منها 10 خدمات فرعية؛ وهي: النظافة، والطرق، والحدائق، والسيول والأمطار، والمرافق، والإصحاح البيئي، والإنارة، والمنظور البصري، والتجهيز، وصدى الخدمات.
وكان أمير منطقة حائل دشّن، الأحد (27 يناير)، مركز السعادة، وبذلك فإنه من خلال تولّي الهنوف منصباً يتعلّق بـ"السعادة" لمواطنيها فإن السعودية تلحق بالإمارات؛ التي استحدثت وزارة حملت الاسم ذاته.
وكانت الإمارات أعلنت، في فبراير 2016، استحداث وزارة جديدة من نوعها في العالم تختص بـ"السعادة"، وتعيين عهود بنت خلفان الرومي لتكون أول وزيرة دولة للسعادة.
"سعادة" وزنازين سرية!
إضافة إلى صرخات أطلقتها منظمات دولية حول سجون أقامتها الإمارات في اليمن، وزجّت فيها بمواطنين يمنيين، فإن السجون الموجودة داخل الإمارات افتُضحت بوجود عدد كبير من المضطهدين فيها، بحسب ما تؤكد تقارير دولية.
والعام الماضي، قدّم العديد من ضحايا التعذيب في السجون الإماراتية شكاوى إلى المحاكم الدولية، وأكّدوا من خلالها تعرّضهم لانتهاكات جسدية ومعنوية وتعذيب من قبل إدارة السجون، لكن السلطات الإماراتية لم تفسح المجال أمام اللجان الدولية للتحرّي حول مصداقية تلك الادّعاءات؛ دون تقديم أي توضيح.
وتنقل منظّمات حقوقية عن معتقلين في سجون "الوثبة" و"الرزين" و"الصدر" أن الكثير من النزلاء يتعرّضون للاختفاء القسري لأشهر، إضافة إلى استخدام العنف والتعذيب النفسي والبدني، وطالت بعضاً منهم أحكام جائرة نهائية صدرت عن قضاء أمن الدولة بالمحكمة الاتّحادية العليا، في محاكمة تفتقر لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة.
وحوَّلت الإجراءات التعسّفية بحق السجناء، طوال السنوات الماضية، الإمارات إلى "دولة قمعيّة وسيئة السمعة"، كما يصفها حقوقيون، دفعت البعض إلى تسمية سجن "الرزين" بـ"غوانتنامو الإمارات".
في حين كتب الكثير من المعتقلين الغربيين، لا سيما البريطانيين، عن تناقض الإمارات التي تدّعي أنها دولة السعادة والرفاهية والتنمية، لكنها تُخفي وراء أبراجها الشاهقة والفنادق الفارهة تاريخاً أسود من الظلم وغياب العدالة.
المستشار القانوني محمود رفعت، رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أكّد في لقاء على قناة "الجزيرة"، في يونيو 2017، أن النظام الإماراتي افتتح، منذ عام 2015، 55 منظمة دولية، منها "ما هو مجهول لا نعرف عنه أي شيء"؛ لبثّ تقارير مزيّفة تُظهر الإمارات على أنها نموذج للتنمية في الشرق الأوسط.
وأضاف أن هذه الخطوة جاءت بعد أن أُغلقت معظم المؤسسات الحقوقية، واعتُقل نشطاء وأعضاء منظّمات طالبوا بالتغيير والإصلاح السياسي عقب "الربيع العربي"، في حين تتهم منظمات حقوقية أبوظبي بممارسة "التعذيب الممنهج" و"الاعتقالات التعسّفية" بحق نشطاء وناشطات حقوقيين.
وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد تلقّت رسالة خطّية من المعتقلة السياسية مريم البلوشي، في 10 مايو 2018، أكّدت فيها تعرّضها لانتهاكات متعدّدة منذ اعتقالها، في 19 نوفمبر 2015، حتى الحكم عليها بالسجن 5 سنوات.
وفي ديسمبر الماضي، كشفت مصادر إماراتية لـ"الخليج أونلاين" النقاب عن وفاة أحد المعتقلين السياسيين الإماراتيين في أحد سجون أبوظبي، قبل عام من انتهاء الحكم الصادر بحقه منذ 7 سنوات، نتيجة تعرّضه للتعذيب خلال فترة اعتقاله المتواصلة منذ العام 2013.
السعادة" خدعة سعودية عن نسخة إماراتية!
منذ تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد، في يونيو 2017، شهدت السعودية حملة اعتقالات شملت أمراء ومسؤولين وأثرياء ونشطاء سياسيين وحقوقيين، إضافة إلى دعاة بارزين، وبُرّرت آنذاك بأنها "لحماية أمن المملكة، ووجود ارتباط للمعتقلين بجهات خارجية".
وتفيد معلومات مسرّبة، نقلتها منظمات حقوقية دولية، بتعرّض العديد من المعتقلين لانتهاكات خطيرة؛ تشمل التعذيب لحملهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، أو التخلّي عن مواقفهم المنتقِدة للسلطات.
وتتجاهل السعودية مطالبات منظمات حقوق الإنسان، ومن بينها الأمم المتحدة و"هيومن رايتس ووتش"، بإطلاق سراح المعتقلين والتوقف عن اعتقال الأشخاص على خلفية الرأي والمواقف السياسية.
وأكثر ما يُثير غضب المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية أن الاعتقالات تشمل نساء؛ لكونهن معارِضات لنظام الحكم في السعودية.
والأحد (27 يناير 2019)، دعت صحيفة "واشنطن بوست" إلى ضرورة أن يأخذ الكونغرس الأمريكي دوره في الدفاع عن السعوديات المعتقلات في السجون الحكومية.
وقالت: "إن واحدة من تلك السجينات هي هتون الفاسي، التي تُعدّ من أبرز علماء السعودية، وهي أستاذة في جامعة الملك سعود بالرياض منذ أكثر من ربع قرن، وألّفت كتابين حول تاريخ المرأة في السعودية، ولديها العديد من المقالات الصحفية، وحصلت على عدد من التكريمات الدولية".
وأضافت الصحيفة أن "الفاسي دافعت طوال أكثر من عقد بشكل سلمي عن إدخال تحسينات على حقوق المرأة السعودية، ومن ضمن ذلك حق التصويت في الانتخابات المحلية والحق في القيادة، ولذا تم سجنها، منذ يونيو الماضي".
الصحيفة أكّدت أن الأستاذة السعودية "واحدة من أكثر من 12 ناشطة أُلقي القبض عليهن في إطار حملة قمع لا معنى لها، أطلقها ولي العهد، محمد بن سلمان".
9 نساء على الأقل ما زلن في السجن، بحسب الصحيفة، حيث يُحتجزن بسجن انفراداي لفترات طويلة، وبعضهن تعرّضن للتعذيب بأساليب وحشية، فضلاً عن حملات التشهير التي شنّها الإعلام السعودي، علماً أنه لم تُدَنْ أي منهن بأي جريمة.
حساب "معتقلي الرأي" على "تويتر"، الذي يوثّق حالات الاعتقال والتعذيب التي يتعرّض لها سجناء الرأي في السعودية، أكد في وقت سابق أن الفاسي كانت واحدة من بين 3 سجينات نُقلن مؤخراً إلى زنزانات مشتركة في سجن "الشعر"، جنوبي الرياض، بعد احتجازهن فترات طويلة في الحبس الانفرادي، ولا يُعرف إلا القليل عن حالتها أو وضعها الجسدي.
وفي أواخر العام الماضي، أفادت عدة منظمات لحقوق الإنسان وتقارير إخبارية، ووسائل إعلام من بينها "واشنطن بوست"، بأن العديد من النساء الأخريات المحتجزات في حبس انفرادي قد تعرَّضن للتعذيب، وأيضاً للضرب والإيهام بالغرق والصدمات الكهربائية والاعتداء الجنسي.
هل تغطّي السعادة عورة السعودة؟
تأتي "السعادة" في وقت تمرّ فيه المملكة بأزمة اختلقتها "رؤية" أكّد مختصون ضعفها؛ حيث تحاول الحكومة -بتوجيهات من ولي العهد- "سَعْوَدة" الوظائف، وهي الخطوة التي تسبّبت بتدمير كبير لاقتصاد البلد؛ حيث أغلق العديد من المؤسسات الخاصة أبوابها بسبب الخسائر.
وكان فرض ضريبة القيمة المضافة، في يناير 2018، ضمن إطار مشروع "سَعْوَدة" الوظائف، تسبّب بحدوث فراغ كبير في الوظائف التي لا يمكن أن يشغلها مواطنون، حيث غادر البلاد أكثر من مليون عامل وموظف؛ نظراً لتدهور أحوالهم المعيشية بسبب تضارب قوانين العمل، وفرض الضرائب على المقيمين، وتوطين الوظائف.
وأثارت مغادرة هذا العدد الكبير من الأيدي العاملة الأجنبية قلق الشركات المحلية؛ لكونها ترى صعوبة في أن تستبدل بالوافدين مواطنين سعوديين، ضمن سياسة ولي العهد محمد بن سلمان، لتطوير اقتصاد البلاد والقضاء على البطالة، ودفع السعوديين للعمل في مختلف الوظائف، وتوفير فرص العمل لهم.
لكن هذه الخطوة دفعت إلى تسريع هجرة الكفاءات -التي تمثّل ثلث السكان في البلاد- بشكل جماعي؛ ما جعل الوظائف التي يشغلونها فارغة لعدم وجود كفاءات وتخصصات وأيادٍ عاملة مناسبة تديرها.