إيران تُشعِل فتيل حرب شرسة بين الرئيس ترامب وأجهزة مُخابراتِه..
جينا هاسبل رئيسة “سي آي إيه” تُعيد قضيّة اغتِيال خاشقجي إلى الواجهة باتّهامها الأمير بن سلمان بالمسؤوليّة مُجدَّدًا.. لماذا تتوحّد هذه الأجهزة ضِد رئيسها الأمريكيّ الآن؟ ومِن الفائز في النهاية؟ فتّش عن كوشنر
إذا كان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب يُشكّك في صُدقيّة تقارير ومواقف أجهزة الاستِخبارات الأمريكيّة، ويتّهمها بالسّذاجة ويقترح على قادَتها العودة إلى مقاعد الدراسة، فإنّ هذا يعني أنّه في ذروة الارتِباك والاضطّراب النفسيّ، ولم يَعُد لديه أيّ أصدقاء داخِل إدارته، باستِثناء جون بولتون، مُستشاره لشُؤون الأمن القوميّ، وجاريد كوشنر، صهره وزوج ابنته.
هذا الهُجوم الشرس مِن قبل الرئيس ترامب على أجهزة استخباراته لأنّها أصدَرت تقريرًا ينسِف كُل مواقفه، وسِياساته حول عدّة قضايا رئيسيّة:
الأوّل: رفض هذه الأجهزة لإعلانِه عن هزيمة “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، وتقديرها بأنّها ما زالت تُشكّل خطرًا كبيرًا على أمن واستِقرار الولايات المتحدة وحُلفائها، لوجود آلاف المُقاتلين في صُفوفها، و12 فرعًا في عدّة مناطق استراتيجيّة في العالم.
ثانيًا: وصف جينا هاسبل، رئيسة وكالة الاستخبارات الأمريكيّة (سي آي إيه) عمليّة اغتِيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي بأنّها عمليّة مُدبّرة وأنّ الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعوديّ، يقِف خلفها، الأمر الذي يُعارضه الرئيس ترامب وصهره.
ثالثًا: تعتقد هذه الأجهزة أنّ الرئيس ترامب مُخطِئ في تقديراته بأنّه يستطيع إقناع رئيس كوريا الشماليّة كيم جونغ أون بالتَّخلِّي عن أسلحته النوويّة، وترى أنّه، أيّ الرئيس الكوريّ الشماليّ، يُخادِع ترامب ولن يتخلّى عن هذه الأسلحة.
رابعًا: تملُك هذه الأجهزة قناعةً راسخةً بأنّ ايران لا تزال مُلتزمةً بشُروط الاتّفاق النوويّ المُبرَم عام 2015، رغم انسِحاب واشنطن منه، وليس لديها النيّة لامتِلاك أسلحة نوويّة في الوقت الرّاهن.
خامسًا: تَجزِم بأنّ المُخابرات الروسيّة تدخّلت في انتخابات الرئاسة الأمريكيّة الأخيرة لصالِح الرئيس ترامب، وستتدخّل حتمًا في الانتِخابات المُقبِلة عام 2020 للتّحكُّم بنتائِجها.
لا نَعرِف إلى أي مدى سيتطوّر هذا الخِلاف بين الرئيس الأمريكيّ وأجهزة مُخابراته (17 جهازًا) التي تُشكّل الضِّلع الأقوى والأهَم في المؤسّسة الأمريكيّة الحاكمة، ولكنّ الأمر المُؤكّد أنّ خوض الرئيس ترامب لهذه المعركة ستنتهي حتمًا بهزيمته، وربّما خروجه مبكرًا وذليلًا مِن البيت الأبيض.
ما تخشاه هذه الأجهزة وقادتها في نظرنا هو استِخدام الرئيس ترامب ذريعة انتِهاك إيران للاتّفاق النوويّ لشن حرب ضدّها لهدف تغيير نظامها، وإيقاف حربه ضد الإرهاب، و”الدولة الإسلاميّة” خصّيصًا للتفرّغ لهذه الحرب، وهذا ما يُفسّر انسحابه المُفاجِئ من سورية وعلى عكس رغبة هذه الأجهزة وقادتها الذين يُعارضون تقييماته هذه وخطّة انسحابِه بالتّالي.
الرئيس ترامب يتخبّط، ويضرب يمينًا ويسارًا مِثل النمر الجريح، ويفتح جبهات جديدة (فنزويلا)، دون أن يحسِم الجبَهات القديمة التي مُنِي فيها بالفشل، مِثل أفغانستان والعِراق وسورية.
لا نُبالغ إذا قُلنا أنّ هذه الحرب المُستَعِرة آوارها بين الرئيس الأمريكيّ وأجهزة مُخابراته الأقوَى في العالم، تُشكّل نقطة البداية في عمليّة انهِيار أمريكا، وقُرب رحيل الرئيس ترامب، خاصَّةً أنّه يُواجه حربًا أُخرَى في الكونغرس، ومجلس النوّاب على وجه الخُصوص الذي يُسيطِر عليه الدّيمقراطيون.
ترامب باتَ أسيرًا للوبي الإسرائيليّ، الذي يتحكّم في قراراته، ويُوجّهه بـ”الريموت كونترول” من تل أبيب عبر صهره كوشنر، فشِعاره الذي طرحه في حملته الانتخابيّة “أمريكا أوّلًا” بات الآن “إسرائيل أوّلًا”، وكُل خُطواته التصعيديّة ضِد إيران وسورية والقضيّة الفِلسطينيّة تَصُب في هذه المُحصّلة.
موقف أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة المُناقِض لسِياسات ترامب، خاصَّةً تُجاه إيران، يجب أن تكون جرس إنذار لدول عربيّة، وخليجيّة تحديدًا، تضع كُل بيضها في سلّته.
مَن يحتاج إلى العودة إلى مقاعد الدراسة لتَعلُّم ألف باء السياسة ليس قادَة الأجهزة الأمنيّة والاستخباريّة، وإنّما الرئيس ترامب نفسه، ولكن ربّما لم يعُد لديه الوقت في البيت الأبيض للإقدامِ على هذه الخُطوة.
“رأي اليوم”