لماذا يتزايد هرب السعوديين والإماراتيين؟
يتصدر السعوديون مقدمي طلبات اللجوء لأوروبا بين الخليجيين بالتوازي مع صعود نجم بن سلمان وبرنامجه الإصلاحي.
ركّزت "البروباغاندا" السعودية في الغرب على سعي بن سلمان لتغييرات اجتماعية جذرية، كالسماح للنساء بقيادة السيارات!
تضاعفت طلبات هجرة السعوديين والإماراتيين ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2012 وقدّم 815 سعوديا طلبات لجوء في 2017 وحدها.
نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا لها حول تخلي آلاف العرب الخليجيين عن أوطانهم كشفت فيه عن زيادة كبيرة في طلبات اللجوء المقدمة من خليجيين لدول أوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية، بعضهم من النساء، وشهدت تصاعدا في السنوات الأخيرة مقارنة بالتي سبقتها، بما يشي أن الأمر يتحول إلى ظاهرة.
السعوديون، حسب التقرير، تصدروا قائمة مقدمي طلبات لجوء الخليجيين، وهو أمر يثير الجدل لأنه يتوازى مع صعود نجم محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة، ومع برنامجه الشهير "رؤية 2030"، الذي وعد بإنجازات تنموية واقتصادية كبيرة.
وذلك إضافة إلى الدعاية الهائلة التي رافقت الأمير الشاب حول أفق الحداثة الذي يرتئيه لمجتمعه، وتركيزه على دور الشباب، وقد ركّزت الدعايات وحملات "البروباغاندا" السعودية، وخصوصا في الغرب، على كون بن سلمان يسعى لتغييرات اجتماعية جذرية، كان منها السماح للنساء بقيادة السيارات!
كشف التقرير ان معدلات طلبات الهجرة من قبل السعوديين زادت بنسبة 318ً مقارنة بما كانت عليه في عام 2012، وقد قدّم 815 سعوديا بطلبات رسمية للهجرة لدول أوروبا وأمريكا خلال عام 2017 فقط، وهذا العدد مرشح للزيادة، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
المثير للتفكّر أيضا أن الإماراتيين كانوا الأقرب للسعوديين في هذا الاتجاه حيث زادت معدلات طلبات اللجوء من بلدهم بنسبة 300ً مقارنة بالعام 2012، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بالتشابهات التي صارت تجمع بين البلدين، واللذين تحوّلا إلى دولتين أمنيتين طاردتين لمواطنيهما.
كانت حالة الصحافي السعودي جمال خاشقجي واحدة من أبرز الحالات التي كشفت هذه الظاهرة، فخاشقجي اختار المنفى الطوعيّ وابتعد عن بلاده لأسباب تتعلّق بسلامته الشخصية، وإمكانية حفاظه على قدرته على الكتابة والتعبير.
ولكن الأمر التراجيدي أن هذا الابتعاد لم يؤد إلى حمايته في النهاية، وأن استخدامه لحقه في الكتابة والتعبير، كان سببا كافيا لمطاردة السلطات له وصولا إلى قتله بالطريقة الوحشية التي اكتشفها العالم.
ولعلّ المآلات الوخيمة لعملية الاغتيال كانت أحد أسباب نجاة رهف محمد، الفتاة السعودية التي قرّرت الهرب من عائلتها وبلادها أيضا، وكان وجودها في قلب الحدث الإعلامي العالمي مبعثا لامتناع تايلاند، كما كانت عادة بعض الدول المماثلة، من مقايضة الفتاة وإعادتها إلى الدولة الثرية صاحبة النفوذ.
كما كانت سببا لإعطاء كندا اللجوء لها والاحتفاء بقدومها، وكان مشهدا شديد الدلالة أن نرى السعودية (تحت راية ولي عهدها "محرر المرأة") تفشل في محاولتها القبض على مواطنتها (وهو أمر كان يمكن أن ينتهي بالسجن أو القتل)، فيما كندا، الدولة الغربية، ترسل وزيرة خارجيتها لاستقبالها في المطار!
من المثير للسخرية والوجع (في آن واحد) أن وزير الشؤون الإسلامية والإرشاد السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ، هاجم مؤخرا السوريين لأنهم استمعوا لدعاة الفتنة والشر، الذين "فرقوا بين القائد ومواطنيه"، فانتهى بأعداد كبيرة منهم لاجئين ومشردين وفقراء، وفي ذلك ما فيه من لؤم وقسوة وسوء تقدير وانتكاس عن الحقيقة.
فقد نسي آل الشيخ مواقف بلاده من القضية السورية، على مدى 7 سنوات، كانت فيها الرياض حليفة لأولئك "الذين بذروا الفتنة"، كما تجاهل أن ملايين اللاجئين والنازحين ما فعلوا غير النجاة بأرواحهم من نظام طاغية.
كان يهاجمهم بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والصواريخ ويقصفهم بالطائرات الحربية، فحمّلهم بذلك وزر دمائهم وهجرتهم الإجبارية، وصافحا عن المجرمين الذين تسببوا بمأساتهم.
تدفع هذه المواقف للخوف والتشاؤم والأسى على السعوديين والإماراتيين، فدعاتهم الدينيّون، يحرّضون بشكل مباشر أو غير مباشر، قادتهم على التوحّش ضد شعوبهم بدل حضّهم على العدالة والعقل ومراعاة مصالح الناس.
المصدر | القدس العربي