واشنطن بوست: السعودية ونتفليكس وأزمة الرقابة عند الأنظمة السلطوية
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
هذا الأسبوع، تعلقت أكبر دراما في "نتفليكس" بالشركة نفسها، وقد وجدت خدمة البث التليفزيوني والأفلام نفسها وسط ضجة كبيرة بعد أن ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن "نتفليكس" امتثلت لطلب من الحكومة السعودية وقانت بسحب حلقة من مسلسل "باتريوت أكت"، الذي يقدمه الممثل الكوميدي "حسن منهاج"، احتوت مشاهد ساخرة من ولي العهد "محمد بن سلمان". ولم يعد بالإمكان مشاهدة الحلقة على "نتفليكس" في المملكة العربية السعودية.
وفي تلك الحلقة، يتناول "منهاج"، وهو كوميدي أمريكي ساخر، بدء حرب النظام السعودي بالوكالة في اليمن، وقتل الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول، كما يظهر وجهة نظر قلقة بشأن تأثير السعودية على الإسلام.
وقال "منهاج" لجمهوره: "أكاد أجن أن الأمر تطلب مقتل صحفي في صحيفة واشنطن بوست ليعرف الناس أنه ليس مصلحا حقا".
وتعد الرقابة التي فرضتها السعودية على مسلسل "منهاج" أمرا مثيرا للاشمئزاز، لكن مثل هذه الجهود ليست مشكلة شركة واحدة فقط. بل هي تحد لأي شركة إعلامية ذات طموحات دولية.
والسؤال الأول الذي يبرز هنا هو: ماذا تريد الحكومات بالفعل من وسائل الإعلام؟
لكن الإجابات معقدة، وتكون مبهمة أحيانا، ويحظر مجلس الرقابة السينمائي في سنغافورة أي "عمل فني يحتوي تشجيعا على استخدام المخدرات غير المشروعة".
وفي نيوزيلندا، التي لديها قانون يحكم كيف تغطية وسائل الإعلام لمسائل الانتحار، فقد تم كشف النقاب عن تصنيف جديد يهدف إلى منع المشاهدين من مشاهدة مسلسل "13" على "نتفليكس"، "لأي شخص دون الثامنة عشر من العمر ما لم يكن بصحبة شخص بالغ"، حيث اشتكى منتقدو المسلسل من أنه قد يلهم المراهقين لتقليد الانتحار.
ولا تتسم الحكومات بالشفافية دائما بشأن نوع المحتوى الذي قد يؤدي إلى طلب الرقابة أو المنع.
وعندما يصل مثل هذا الطلب بالمنع أو وضع القيود، يبرز سؤال آخر حول الرد المتاح في ضوء نوع الحكومة التي تقدم الطلب.
وقد يكون الموقف مقبولا أمام حكومة ديمقراطية في نظام قضائي مستقل، حيث توجد بعض الفرص لجلسات استماع عادلة، ولكن الأمر يختلف أمام حكومة استبدادية مثل السعودية، تطالب بغلق "شبكة الجزيرة" بالكامل ببساطة.
وبالطبع، ربما تكون "نتفليكس" قد قللت من تأثير "باتريوت أكت"، وقد روج ولي العهد السعودي لنفسه في الأعوام الأخيرة كمهندس لجهود الإصلاح في المملكة، مستندا على عملية التحرير الثقافي.
وفي عام 2018، منحت وزارة الثقافة والإعلام في البلاد رخصة لسلسلة السينما "إيه إم سي" لفتح دور السينما في المملكة لأول مرة منذ 3 عقود ونصف، وقد بدأت بعرض فيلم "الفهد الأسود"، الذي أنتجته "مارفل"، فيما تم وصفه بأنه عهد جديد في المملكة.
وقد قام موسيقيون غربيون، من بينهم "دي جي ديفيد غيتا"، و"إنريكي إغليسياس"، و"بلاك أيد بيز"، بتقديم حفلات موسيقية في المملكة في ديسمبر/كانون الأول.
وربما شعرت "نتفليكس" أن السعودية كانت تهددهم بإيقاف تشغيل الشبكة إذا أبقوا على حلقة "باتريوت أكت"، لكن كان بإمكان عملاق البث التلفزيوني أن يراهن على عدم قدرة النظام السعودي على إيقاف "نتفليكس" وتدمير الدبلوماسية الثقافية التي يروح النظام لها.
وقد يكون سحب "نتفليكس" للحلقة خطوة خاطئة، ومع ذلك، يقودنا حظر الحلقة داخل الحدود السعودية إلى السؤال الأكبر الذي أثارته هذه القضية حول صمت أدوات القوة الناعمة الأمريكية، التي من المفترض أن تقدم رؤية لحياة جيدة ومجتمع نابض بالحياة، أمام التحديات التي تقف أمام تحقيق هذه الأمور.
وقد يكون استمرار البث في دول مثل المملكة العربية السعودية أمر جيد لخطط "نتفليكس"، ومن منظور سياسي، يعني ذلك أن الشركة يمكنها توفير قصص تقدم صورا أكثر تقدما حول قضايا حقوق الإنسان والمرأة إلى جمهور لا يستطيع الوصول إلى ذلك بطريقة أخرى.
لكن مصدر التغيير غالبا ما يهم بقدر التغيير نفسه، وخلال الصيف، تمتع "محمد بن سلمان" بموجة من الصحافة الإيجابية، عندما سمحت السعودية في النهاية للنساء بقيادة السيارات، حتى عندما كانت البلاد تسجن وتعتدي على ناشطات حقوق المرأة.
وإذا كان أحد المستبدين يعزز سلطته عبر منح لقمة من الحرية ليستخدم تلك السلطة في إساءة معاملة الأشخاص الذين سعوا إلى هذه الحرية، فكيف يمكن اعتبار ذلك تقدما حقيقيا؟
المصدر | واشنطن بوست