السعودية مهمة للمصالح الأمريكية.. لكن بن سلمان ليس كذلك
ما حدث قد حدث"، هذا هو ملخص ما قاله الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن مقتل الكاتب الصحفي بـ"واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، في آخر محاولاته لغسل يد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" من الجريمة.
وتتناقض تصريحات الرئيس المشككة في تورط الأمير، مع ما توصلت إليه وكالة الاستخبارات المركزية من أن "بن سلمان" قد أمر بالقتل، كما أنها تتعارض مع دعاوى "ترامب" حول حماية المصالح الأمريكية.
ويقوم بيان الرئيس الأمريكي المكون من 635 كلمة على حجة أن المزيد من الضغط على "بن سلمان" سيضر بالاقتصاد الأمريكي، لأن الأمير سوف يلغي العقود مع مصنعي الأسلحة الأمريكيين ويلجأ إلى الموردين في روسيا والصين. ومن ناحية أخرى، يزعم "ترامب" أن النتيجة الأخرى ستكون ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، ويجادل بأن حماية الأمير من اللوم ضرورية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما احتواء إيران.
لكن لا شيء من هذا صحيح. بل في الواقع، الأمر عكس ذلك تماما.
حجج "ترامب" الهاوية
وحتى لو وضعنا جانبا للحظة واحدة الرابط المباشر بين الدفاع عن قيم أمريكا وتعزيز مصالحها، ليس هناك شك في أن "بن سلمان" قد تسبب في ضرر كبير لتلك المصالح. وقد أدت سياساته الخارجية المتهورة إلى نشوب حرب في اليمن وحصار قطر، وكلاهما قوض محاولات بناء إجماع عربي ضد إيران، وفي الواقع، وسعت هذه التصرفات بشكل كبير من نفوذ الجمهورية الإسلامية. وفتح الصراع في اليمن مساحة أكبر أمام تنظيم "القاعدة" والجماعات المتطرفة الأخرى للعمل.
وبالمثل، تنهار الحجة الاقتصادية لدعم الرئيس للأمير المتهور. فناهيك عن أن أقوى دولة في العالم لا ينبغي لها أن تخشى من الابتزاز من قبل أي شخص، فإن "بن سلمان" ليس في وضع يسمح له بتنفيذ التهديدات التي يتخيلها "ترامب"، ومن المعروف أن عائلته، آل سعود بأكملها، تعتمد في بقائها على الجيش الأمريكي والدعم الدبلوماسي من الولايات المتحدة.
ولنضع جانبا مبالغة "ترامب" في تقدير قيمة العقود الدفاعية السعودية، والوظائف الأمريكية التي ستخلقها، فالأرقام الحقيقية أقل بكثير. ويتطلب الأمر درجة عالية من السذاجة لتخيل أن الأمير يمكنه ببساطة إلغاء الصفقات مع واشنطن مهما كان حجمها حيث تم بناء البنية التحتية العسكرية السعودية، والأجهزة والبرمجيات والتدريب في المملكة، بشكل شبه كامل على الأنظمة الأمريكية والأوروبية. ويتطلب استبدالها إصلاحات تكلف مئات المليارات من الدولارات، وتستغرق أعواما عديدة.
وحتى لو تمكن "بن سلمان" من تحمل ذلك، فإنه سيترك جيشه بتقنية أدنى، وأكثر عرضة للخطر مما هو عليه اليوم. وقد يحتاج أيضا إلى التخلي عن الدعم العسكري الأمريكي، وهو أمر مهم للدفاع عن السعودية.
أما بالنسبة للسلاح النفطي السعودي، فإن أي جهد لاستخدامه ضد الولايات المتحدة سيكون ذا أبعاد هائلة ولن يضر ذلك فقط بالمصالح الاقتصادية طويلة الأجل للمملكة، بل سيقوض أيضا الهدف السعودي لاحتواء إيران. وإذا خفض "بن سلمان" إنتاج النفط، فسوف ينمو الضغط على إدارة "ترامب" لتخفيف العقوبات على الصادرات الإيرانية.
الإصلاح الوهمي
وفي حين يعتمد "ترامب" في دفاعه عن "بن سلمان" على السياسة الاقتصادية والخارجية، يجادل آخرون في الإدارة بأن الأمير هو أمل المملكة الوحيد للإصلاح الاجتماعي والتحديث. وهذا التقليل من آل سعود، بافتراض أنهم غير قادرين على إنتاج زعيم آخر قادر على الحكم، هو أيضا مثل حجج "ترامب" الواهية.
وتعتمد أوراق اعتماد الأمير كمصلح اجتماعي في المقام الأول على قراره السماح للنساء السعوديات بالقيادة وإنهاء الحظر على دور السينما. لكن هذه المؤهلات قد تشوهت بسبب اعتقاله للناشطين السياسيين، بما في ذلك العديد من النساء اللائي عملن منذ فترة طويلة من أجل الحق في القيادة.
وإذا لم يكن قتل "خاشقجي" كافيا لتشويه صورة "بن سلمان" كإصلاحي، فإن آخر تقرير من منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" يجب أن يتم الوقوف عنده. وخلصت المنظمتان إلى أن العديد من الناشطين، الذين تم احتجازهم بدون تهمة منذ أشهر، تعرضوا للتعذيب. وقد تعرضت بعض النساء للجلد والصعق بالكهرباء والتحرش الجنسي، وهذه ليست تصرفات أمير متحضر.
نعم، قد يكون "ترامب" محقا في أن التحالف الأمريكي مع المملكة العربية السعودية مهم للغاية بالنسبة للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية الأمريكية، لكن ليس من الضروري أن يكون ذلك عبر "بن سلمان". فلقد ألحق ولي العهد الأذى بالبلدين، وليس له أي حق في الحصول على الحماية من قبل "ترامب".
المصدر | بوبي غوش - بلومبرغ