واشنطن بوست: طريق خاشقجي الطويل إلى أبواب القنصلية السعودية
تواصل صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تسليط الضوء على قضية الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" المختفي منذ دخوله سفارة بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وفي مقال نشرته الصحيفة
وتحت عنوان "طريق جمال خاشقي الطويل إلى أبواب القنصلية السعودية"، قال الكاتب الأمريكي "ديفيد إغناتيوس" في مقال نشرته الصحيفة إن هذا الطريق بدأ في الثمانينيات في أفغانستان.
وأضاف أن "خاشقجي" في هذا الوقت كان صحفيا شابا متحمسا، يدعم الدولة السعودية، لكن لا يمكنه مقاومة توجيه النقد للعائلة المالكة عندما يعتقد أنها أخطأت.
ولفت إلى أن طريق "خاشقجي" أخذه إلى منطقة خطرة، حيث كان صديقا لـ"أسامة بن لادن" في شبابه، وكان من يرعاه في منتصف حياته المهنية، هو الأمير "تركي الفيصل"، رئيس المخابرات السعودية السابق.
وتابع أن "خاشقجي" سافر في بعض الأحيان إلى قطر خلال العقد الماضي، عندما تنامي الخلاف بين الرياض والدوحة، موضحا أن كتابات "خاشقجي" العامة ورسائله الخاصة تظهر أنه كان دائما وطنيا سعوديا خالصا.
وأضاف الكاتب الأمريكي أن المحادثات مع بعض أصدقاء "خاشقجي المقربين"، الذي نشروا الرسائل التي تشاركوها معه على مر السنيين، تكشف عن رجل أصبحت الصحافة هي همه الأعظم، وهو ما عبر عنه بلا خوف بغض النظر عن التكلفة الشخصية.
وأوضح أن "خاشقجي" تساءل في كثير من الأحيان على امتداد رحلته إذا ما كان ينبغي عليه التراجع، والهدوء، وتقليل المخاطر لكنه استمر في المجاهرة بآرائه، مع علمه بخطورة ذلك.
وأشار إلى أن قول الحقيقة تسبب في إبعاده من وظائف تحريرية بارزة، وأعيد إليها ثم استبعد أيضا، وفى وقت اختفائه، أصبحت الصحافة العربية قضية بدا أنه مستعد للموت من أجلها.
وذكر الكاتب أن صورة للشاب "خاشقجي"، جاءت من "بارنيت روبن" زميل بارز في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك، وأحد كبار خبراء الولايات المتحدة في أفغانستان.
وقال الكاتب أن "روبن" و"خاشقجي" التقيا في عام 1989 في القنصلية الأمريكية في جدة، عندما كان "روبن" في جولة لإلقاء محاضرات، وشارك "خاشقجي"، الذي كان يبلغ من العمر 31 عاما بنشر سلسلة من جزأين عن رحلاته مع المجاهدين العرب في أفغانستان.
وأظهرت إحدى الصور "خاشقجي"، ذلك المراسل الملتحي الطويل الذي يقف بين المقاتلين العرب، وهو يحمل في يده منصة لإطلاق مقذوفات صاروخية.
وأضاف الكاتب أن "خاشقجي" لم يكن باستطاعة السفر مع المجاهدين بهذه الطريقة دون دعم ضمني من المخابرات السعودية، التي كانت تقوم بعملية تنسيق المساعدات للمقاتلين كجزء من تعاونها مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
لكن "روبن" يتذكر أنه خلال المحادثة وجه "خاشقجي" انتقادات للأمير "سلمان"، الذي كان آنذاك حاكم الرياض، ورئيس اللجنة السعودية لدعم المجاهدين الأفغان من أجل التمويل الذي كان يفتقر للحكمة إلى الجماعات السلفية المتطرفة التي كانت تقوض الحرب، حسبما نقل الكاتب.
ويتذكر "روبن" قائلا "كان جمال نموذجيا" لقد التقينا للتو للمرة الأولى وبدا يشتكي إلى شخص غريب تقريبا (يقصد روبن) عن الأخطاء التي ترتكب من قبل العائلة المالكة، مشيرا إلى أن شخصا أخر حذر كان سيبقي فهمه مغلقا، لكن "خاشقجي" لم يكن هذا الشخص.
وتابع الكاتب أن هناك تشابها قاتلا لمحادثة عام 1989 مع "روبن": "فسلمان الآن ملكا وابنه محمد وليا للعهد، وتقول الاستخبارات للواشنطن بوست هذا الأسبوع أن ولي العهد محمد بن سلمان أو (MBS) كما هو معروف في الغرب تآمر لاستدراج واحتجاز خاشقجي، ويقول الأتراك إن خاشقجي تم قتله داخل السفارة السعودية بوسطة فرقة اغتيالات سعودية بأوامر من ولي العهد السعودي".
وأشار الكاتب إلى أن اهتمامات "خاشقجي" الفكرية تشكلت في أوائل العشرينات من عمره عندما درس في الولايات المتحدة الأمريكية وكان أيضا عضوا متحمسا في جماعة "الإخوان المسلمون".
ووفقا لـ"لورانس رايت " الصحفي في صحيفة "نيويوركر" الذي التقي "خاشقجي" قبل 15 عامت في السعودية فقد انضم "بن لادن" لـ"الإخوان" في أواخر السبعينيات، وهو نفس وقت انضمام "خاشقجي".
وتابع رايت أن الاثنين تشاركا الحماسة بحرب أفغانستان، أولا ضد الاتحاد السوفيتي، ثم فيما بعد من أجل السلطة في كابول، وكان "خاشقجي" يغطي الحرب كصحفي ولكنه كان متعاطفا مع القضية بشكل واضح.
وذكر الكاتب أنه بحلول منتصف التسعينيات، يقول أصدقاء "خاشقجي" أنه أصبح حذرا من تطرف "بن لادن" والجهاديين الأخريين، وكان يتجه إلى ان الديمقراطية والحرية باعتبار أنهما أفضل أمل للعرب في تطهير الفساد وسوء الحكم الذي يحتقره.
وأردف الكاتب أنه كانت هناك مواجهة مهمة بين "خاشقجي" و"بن لادن"، خلال مقابلة أجريت عام 1995 في السودان، ويروي "رايت" كيف تفاخر "بن لادن" حول الكيفية التي سيقود بها حربه ضد الولايات المتحدة الأمريكية من شبه الجزيرة العربية.
وفى المقابل وفقا لـ"رايت" ضغط "خاشقجي" على "بن لادن" لكي ينبذ العنف داخل السعودية: قائلا" "أسامة هذا أمر خطير للغاية وكأنك تعلن الحرب، سوف تعطي الحق للأمريكان في استهدافك".
وخلص "خاشقجي" في التسعينيات، إلى أن الحرب الاهلية في أفغانستان كانت كارثة أيضا، كما يتذكر "روبن" محادثة معه في منتصف التسعينيات في نيويورك، وكان الثلج يتساقط ، وكان "روبن" يرتدي قبعة أفغانية كتلك التي يرتديها المجاهدون، وانتقده "خاشقجي" قائلا: "لم نكن نرتدي هذه القبعة.. نحن نسميها القبعة التي دمرت أفغانستان".