باريس- (أ ف ب)- الأناضول: يلزم الغربيون نوعا من الحذر في تعليقاتهم على قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي بالنظر إلى أن الرياض شريك على كافة الصعد الاستراتيجية والعسكرية والتجارية، وسلطاتها لا تتوانى عن اصدار رد الفعل.
وقالت كامي لون الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية تعليقا على التصريحات الحكومية الغربية اثر اختفاء الصحافي السعودي، “حتى الآن شهدنا ردود فعل خجولة”.
ولم يظهر جمال خاشقجي المنتقد للنظام السعودي والمتعاون مع صحيفة واشنطن بوست منذ دخوله في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر القنصلية السعودية في اسطنبول.
ولخص دونالد ترامب الأمر بقوله الخميس ان السعوديين “ينفقون 110 مليارات دولار في المعدات العسكرية وأشياء تحدث فرص عمل (…) في هذا البلد. أنا لا أحب فكرة انهاء استثمار 110 مليارات دولار في الولايات المتحدة”.
وبالنسبة الى فرنسا الاستثمارات أقل لكن الاشكالية هي ذاتها وتلخص في أن السعودية هي ثاني زبون لصناعة السلاح الفرنسية في الفترة بين 2008 و2017 مع 11,1 مليار يورو.
كما ان المملكة لاعب من العيار الثقيل جدا في سوق النفط. وتتولى ايضا دورا دينيا رئيسيا في العالم الاسلامي. وهي نقطة ارتكاز عسكري من الدرجة الاولى بالنسبة للغربيين ولاعب أساسي في كامل الشرق الأوسط حتى القرن الافريقي.
– صعوبة التكهن برد فعل ولي العهد
ترى مضاوي الرشيد الاستاذة السعودية في كلية الاقتصاد بلندن انه “من وجهة نظر تجارية واقتصادية وعسكرية وأمنية، ليس لدى معظم الحكومات الغربية الاستعداد لاعادة النظر في علاقاتها مع المملكة السعودية، لكن يمكن أن تكون هناك بعض الضغوط في الكواليس على محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي الذي كان قام بحملة لنيل اعجاب الغرب.
لكن على المستوى العلني يبقى الأمر باهتا وخصوصا أن محمد بن سلمان يمكن أن يرد بعنف كما خبرت ذلك كندا التي تشهد أزمة دبلوماسية عميقة مع المملكة بعد انتقادها اعتقال ناشطين حقوقيين في السعودية.
واكدت الباحثة لون ان “محمد بن سلمان كانت له أحيانا ردود فعل قوية وغير متوقعة”.
في المقابل تبدو وسائل الضغط محدودة على السلطات السعودية خصوصا بالنسبة للأوروبيين. “واذا مارس ترامب ضغوطا سيكون لذلك اثر أهم بكثير” بالنظر الى الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة لدى السعودية التي يقوم وجودها من الأصل، على تحالف متين مع واشنطن.
وأضافت لون لكن “سيكون من الصعب على الأوروبيين عدم رد الفعل متى توفر دليل رسمي” على تورط سعودي في اختفاء خاشقجي، مع احتمال التعرض لانتقام محمد بن سلمان.
من جانبها اعتبرت سارة بولينغر المقيمة في عمان أنه مهما يكن من أمر فان قضية خاشقجي “ستضع المملكة السعودية في موقف حرج. فهي تحاول الظهور باعتبارها تتجه للتحديث والانفتاح على الغرب”.
-“خط أحمر”
مكنت شهرة خاشقجي الأخير من العمل في صحيفة واشنطن بوست، وتدفع ملابسات اختفائه الرأي العام الغربي للتعبير، الأمر الذي يثير بلبلة، بحيث طلب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي بتحقيق أميركي، في وقت يأخذ مستثمرون على غرار ريتشارد برانسون مسافة من الرياض.
وتقول مضاوي الرشيد “ان رد فعل المجتمع المدني كان أقوى بعد أكثر من عام من الدعاية (…) لاظهار القيادي السعودي باعتباره مصلحا كبيرا وصاحب رؤية مستقبلية”.
اما رد فعل الحكومات الغربية فميزته انه حصل رغم انه معتدل، بحسب باسكال مينوري صاحب كتاب “مملكة الاسفلت : شباب سعودي ثائر”.
وراى “انه رد فعل وهذا يصنع الفرق مع الصمت الدولي التام عن القمع الدامي” في المملكة السعودية مضيفا أنه “تم توقيف سلسلة من الناشطين ولم نسمع شيئا عندما وضع هؤلاء الناس في السجن”.
وتابع “الغربيون بصدد توجيه رسالة ذات معنى واضح ودقيق الى (أفراد الأسرة المالكة) آل سعود (يمكنكم فعل ما يحلو لكم داخل بلدكم والتسبب بكارثة انسانية في اليمن، والخط الأحمر الوحيد هو المساس بصحافي يعمل لواشنطن بوست) أحد أعمدة صناعة الاعلام الأميركي”.
ومن جانب آخر، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الجمعة، إن بلاده لديها “بواعث قلق خطيرة” حول مصير خاشقجي.
وأضاف ترودو في تصريحات صحفية أوردتها قناة “سي تي في نيوز” المحلية، إن بلاده ستنتظر حتى استجلاء الأمور قبل أن تدلي بمزيد من التعليقات بهذا الشأن.
واختفت آثار الصحفي السعودي بتاريخ 2 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري عقب دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول لإجراء معاملة رسمية تتعلق بزواجه.
وقالت خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، في تصريح للصحفيين، إنها رافقته حتى مبنى القنصلية بإسطنبول، وأن الأخير دخل المبنى ولم يخرج منه.
فيما نفى المسؤولون السعوديون ذلك، وقالوا إن الرجل زار القنصلية، لكنه غادر بعد ذلك.
ولاحقًا، كشفت مصادر أمنية تركية، أن 15 مواطنًا سعوديًا وصلوا مطار إسطنبول على متن طائرتين خاصتين، ثم توجهوا إلى قنصلية بلادهم أثناء تواجد خاشقجي فيها، قبل عودتهم إلى الدول التي جاؤوا منها، في غضون ساعات.
وفي سياق متصل، أشار “ترودو”، إلى أن كندا انخرطت مع السعودية، بجهد دبلوماسي كبير حول حقوق الإنسان لسنوات عديدة، بما في ذلك في محادثات خاصة، الربيع الماضي، مع الملك سلمان بن عبد العزيز”.
وتابع: “كنا نشيطين للغاية بشكل معلن وغير معلن على مدى سنوات عديدة فيما يتعلق بإبراز اهتمامنا بحقوق الإنسان في السعودية، وسنظل واضحين وأقوياء في التحدث عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم”.
وكانت أزمة دبلوماسية نشبت بين السعودية وكندا في أغسطس/ آب الماضي، عقب دعوة وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، الرياض، إلى الإفراج عن “نشطاء مجتمع مدني” تم توقيفهم في المملكة.
وأعلنت المملكة حينذاك تجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا، و”احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى”.