“إنّ المُلوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها”: تلميحات “وحي الخاطِر” لوزير الخارجيّة العراقي تدفع الوزير السعودي القطان لاعتباره تطاولاً على المملكة..
مُشادّةٌ كلاميّةٌ تجمع الوزيرين في أروقة الجامعة العربيّة.. “بطحة” حرب اليمن التي باتت تُثير حساسيّة المسؤولين السعوديين المُفرِطة: الجعفري ليس أوّلهم
عمان ـ “رأي اليوم” ـ خالد الجيوسي:
في أثناء انعقاد دورة الـ 150 للجامعة العربيّة وخلال اجتماعها في القاهرة مساء أمس الثلاثاء، تبدو الأجواء اعتياديّةً، والكلمات على مُستوى الوزراء العرب أو مُمثلي بلادهم تأتي تِباعاً، إلى أن أُعطِي الدور لكلمة العراق التي ألقاها وزير الخارجيّة العراقي إبراهيم الجعفري، الذي بدأ الحديث عن الحرب في اليمن، حيث دعا إلى إيجاد حل سياسي في اليمن يفضي إلى إنهاء الحرب الدامية منذ أكثر من 3 سنوات.
واستشهد الجعفري بموقف تاريخي عن اليمن وحضارته، قائلاً: “اليمن تدفع ثمن الصراع، ونحن مع الحوار، مع حقن الدماء، نحن مع إشراقة اليمن التي منذ زمن قديم تقدم لنا نموذج الحكم العادل.. امرأةٌ (من اليمن، الملكة بلقيس) صعقت الجو اليمني، وتتحدث بلغة حكيمة حينما أبدى الآخرون قوتهم وعضلاتهم، وقالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد فانظري ماذا تأمرين، لكنها قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها.. تكلمتْ بعقل وبتوازن.”
كلمة الجعفري لم تمر مرور الكرام، بل أثارت انتباه الوزير السعودي أحمد القطان، والذي رد بدوره: ملوك المملكة العربية السعودية، فأنا أعتقد وأجزم بأن ما قاموا به منذ أن أسَّسها أبو تركي (الملك عبد العزيز آل سعود) -إذا كنتم تعرفونه- حتى يومنا هذا، يشيد الجميع بما قام به والأبناء البررة من بعده تجاه العالم العربي والإسلامي”.
وأضاف: “نحن لم نسعَ إلى هذه الحرب (في اليمن)، لكن سعت إليها إيران وشيعة إيران ومن يقف وراء إيران ومليشيات إيران مثل الحوثيين، الذين تُوجِّه لهم كل أنواع الدعم والأسلحة، لضرب المملكة العربية السعودية”، بحسب وصفه، موضحاً أنّ الحرب في اليمن لم تسع لها بلاده، وإنما فرضتها إيران، وحليفها الحوثي الذي تدعمه بكل أنواع الأسلحة.
الجعفري لم يلتزم الصمت، وعاد لاحقاً ليرد على القطان بدوره، فاستغرب الحساسيّة المُفرطة وتأويل الكلام، وأكّد أنه لم يقصد مدحاً، ولا ذمّاً، وأنه استخدم الآية لمجرد الاستشهاد، وأنه تحدّث من وحي الخاطر، وعاتب الجعفري القطان غاضباً بالقول أنه لا تعوزه الشجاعة حين أقصد أقول بمِلء فمي ما أقصده، وطالب الجعفري الوزير السعودي بعدم إملاء مقاصده الذهنيّة على كلامه، كما دعاه إلى الكلام بوجوده، لا عند خروجه، وما كان ينبغي مُناقشة هذا يُضيف الجعفري في غيابي، أي عندما خرج الأخير من الجلسة، وأضاف الجعفري: “إنه استشهد بالمقطع الأول بكلمة (ملك)، ويبدو أن هذه الكلمة تثير الكثير من الحساسية، وأنا لا أقصد بها أحداً لا من قريب ولا من بعيد، لا مدحاً ولا ذماً”.
كما كشف الجعفري أنه كان في الحج قبل أيام وكنتُ في ضيافة الملك سلمان بن عبد العزيز، فما كان لك أن تُعلق عني أو يُناقَش كلامي وأنا خارج القاعة، فأنا لا تنقصني الشجاعة لأقول ما أقصد”، وهو الكشف الذي فتح باب التساؤلات عن طبيعة العلاقة الجيّدة التي تجمعه مع القيادة السعودية من عدمها، والتأويلات التي ذهبت باتجاه تعمُّد توتير السعوديّة للعلاقات بين الجانبين على خلفيّة أحداث البصرة التي قد تَجِد الأخيرة فيها ضالّتها، بالرغم من حفاوة الاستقبال الذي حَظِي به الجعفري شخصيّاً، وكوزير خارجيّة العراق، وجُلوسِه بمجلس الملك والعشاء.
وتأتي المُلاسنة بين الوزيرين السعودي، والعراقي، في الوقت الذي تستعر فيه الخِلافات بين البلدين على خلفيّة مظاهرات مُحافظة البصرة العراقيّة، وتعمل وسائل إعلام سعوديّة على التحريض ضد الحكومة العراقيّة، وإشعال فتيل الفتنة الطائفيّة، وتحويلها من مَطلبيّة إلى سياسيّة تحت عناوين أعرض تشمل أغراض العداء السعودي الإيراني، في الوقت الذي تحاول فيه حكومة العراق احتواء المطالب الشعبيّة، بينما يرتفع سقف المُطالبات إلى حد استقالتها، وكشف فسادها، ويعد رئيس حكومتها المؤقت حيدر العبادي بعدم مُغادَرة المُحافظة حتى التأكد من تنفيذ كامل المشاريع الخدميّة.
ويبدو أنّ المسؤولين في العهد الحالي السعودي، يُفْرِطون الحساسيّة تُجاه أي تلميحٍ يطال مليكهم الملك سلمان بن عبدالعزيز، فحادثة الجعفري ليست الأولى وكانت أغنية “أجراس العودة” التي انتقدت صفقة القرن للفنان التونسي لطفي بشناق، والجدل الذي أتبعته أغنيته الوطنيّة حول تعمّد التلميح لذكر الملك، ودور بلاده في إتمام الصفقة المشبوهة مع الإدارة الأمريكيّة، حيث نفى الفنان هذا، وجاء في كلماتها فسليمان العصر الحالي، وهو ما فهم أنه تلميح للمليك السعودي، لكن بوشناق أوضح بأنه يقصد فيها صاحب الدولة العظمى في زمانه، وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
النَّقدُ العلنيّ المقصود وغير المقصود لحرب اليمن، لم يأتِ فقط على لسان البوتقة الخارجيّة للعربيّة السعوديّة كما جرى مع الجعفري، بل جاء على لسان الأمير أحمد بن عبدالعزيز أيضاً، والذي كان قد حمّل المسؤوليّة للملك وولي عهده حين أجاب على سؤال متظاهر يستفسر عمّن يتحمّل مسؤوليتها وفي حضرة مجموعة من المُتظاهرين الغاضبين أمام مدخل منزله في لندن، وطالبهم بعدم الهتاف لإسقاط عائلته، فهم لا ناقة لهم فيها ولا بعير، وتمنّى أن تنتهي، وهو التصريح الذي عاد عنه، ووصفه بغير الدقيق، وبثّته نقلاً عنه وكالة الأنباء السعوديّة “واس”.
وفيما “يتحسَّس” المسؤولون السعوديون لهذه الدرجة من حرب اليمن، وتحميل قيادتهم مسؤوليتها الدمويّة ضمن التلميح المُباح، وغير المُباح، يتساءل مراقبون عن الغاية من استمرار الحرب على اليمن، والاستمرار في قتل ما تبقّى من الشعب اليمني على يد طائرات التحالف بقيادة السعوديّة، وهي الحرب التي لن يحسمها التحالف فيما يبدو، فأما آن الأوان للبحث عن آفاق الحل السياسي، والتفاوض مع الحوثيين، على الأقل تجنُّباً للمثل القائل: “اللي على راسه بطحة، بحسس عليها”، يتساءل مراقبون.