"فايننشال تايمز": على "بن سلمان" التخلي عن رؤية 2030 فورا
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
يطرح تأجيل الاكتتاب العام الموعود لشركة "أرامكو" السعودية التساؤلات حول كيفية إدارة البلاد لأموالها وخططها للتنويع الاقتصادي.
وصُممت عملية البيع لـ5% من أسهم الشركة، بهدف جمع 100 مليار دولار لتوفير التمويل الأساسي لخطة التنويع الاقتصادي الهادفة إلى توليد الوظائف التي تمس الحاجة إليها من أجل فطام المملكة عن اعتمادها على النفط.
وتستند هذه الخطة إلى دراسة أنتجتها شركة الاستشارات الدولية، "ماكينزي"، وتم إطلاقها في عام 2014 تحت اسم رؤية 2030 من قبل ولي ولي العهد "محمد بن سلمان" في عام 2016 (أصبح وليا للعهد).
من حيث الاتجاه، كان التفكير صحيحا حيث تحتاج المملكة إلى التنويع وإيجاد مصادر جديدة للإيرادات، لكن المشكلة الحقيقية هي أنه لا توجد آلية لتحويل الرؤية الكبرى إلى واقع عملي، أو بشكل أكثر اختصارا، لا يوجد الآن مصدر للمال اللازم لتمويل هذا التحول.
ويحتاج السعوديون إلى سعر للنفط يبلغ نحو 70 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتهم، ولكن حتى هذا السعر لا يترك مجالا كبيرا للإنفاق الموسع، ويمكن ببساطة إسقاط بعض عناصر خطة رؤية 2030 مثل فكرة إنشاء مدينة جديدة في الصحراء بقيمة 500 مليار دولار، وهي فكرة خيالية تماما، كما أن فكرة تخصيص صندوق الاستثمار العام السعودي المال لشراء حصة في "تسلا"، لم يكن أمرا منطقيا لأي حد بخلاف "إيلون ماسك".
وسوف يكون من الأفضل بالنسبة للسعودية استخدام هذه الأموال لإنشاء مشروعات جديدة لمصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، التي يمكن أن تحل محل كميات هائلة من النفط المهدر في الاستخدام المحلي، حيث تستهلك المملكة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، كمية من النفط تعادل ما يتم استهلاكه في بريطانيا وألمانيا مجتمعتين والبالغ تعداد سكانها 147 مليون نسمة.
ويمكن أن يكون الاقتراض حلا لتوفير الأموال للسعودية، ويمكن أن بيع الأصول الاقتصادية الأقل حساسية موردا آخر؛ لكن من أجل توليد الموارد اللازمة للعناصر العملية للتنويع، فإن المملكة العربية السعودية لديها خيار واحد فقط، وهو محاولة دفع سعر النفط بالتزامن مع تقييد إنفاقها.
ولكن الحفاظ على هذه السياسة لن يكون سهلا، حيث إن سعر النفط الحالي مدعوم بسياسة "أوبك" في خفض الإنتاج ومشاكل التصدير في إيران وليبيا وفنزويلا. وحتى مع كل هذه العناصر، فإن سعر برميل النفط لا يزال أقل بمقدار 40 دولارا عما كان عليه قبل 4 سنوات؛ ومن الواضح أنه سيحتاج إلى تغير كبير في ميزان العرض والطلب لدفعه إلى مستوى أعلى من ذلك.
على كفة العرض، قد تحاول الولايات المتحدة دفع الصادرات الإيرانية إلى الصفر، كما قال مستشار الأمن القومي "جون بولتون" الأسبوع الماضي، لكن ذلك سيكون صعبا نظرا لعدم وجود دعم من أوروبا لفرض عقوبات جديدة، والرغبة في مواصلة التجارة مع إيران التي تظهرها الصين والهند والمستوردون الآسيويون الآخرون.
وعلى جانب الطلب، يعتمد استمرار النمو على الحل الناجح للمشاكل الاقتصادية في الصين ومآل نزاعها التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة.
ولضمان زيادة إيراداتها النفطية، ستحتاج المملكة العربية السعودية إلى خفض الصادرات بما يكفي لدفع الأسعار صعوداً وتغطية العائدات من الكميات المفقودة من صادراتها.
لكن هذه السياسة تبقى غير جذابة، خاصة وأن أي مكاسب يمكن أن تكتسح بسرعة إذا استمرت الزيادة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو إذا تمكنت فنزويلا من تحقيق الاستقرار في إنتاجها، وهو ما يعني أن خفض السعودية لإنتاجها ربما يأتي بنتائج عكسية.
ويمكن للبعض أن يتخيل أن المملكة العربية السعودية، باحتياطياتها الضخمة من النفط، هي واحدة من أكثر اقتصادات العالم تميزا؛ لكن الحقيقة مختلفة جدا. إننا نعيش في سوق يهيمن عليه المشترون بحكم وفرة إنتاج الطاقة، وأثبتت عملية التكيف في المملكة التي عاشت عصورا رغداء أنها صعبة للغاية، وبالنسبة إلى السعودية فإن هذا الألم مرشح للازدياد.
ومع إزاحة الطرح العام الأولى لـ"أرامكو"، يحتاج "بن سلمان" الآن إلي إسقاط رؤية 2030 الكبرى والتركيز بدلا من ذلك على الخطط العملية لإدارة اقتصاد البلاد من خلال التكيف السريع مع الواقع.
المصدر | فايننشال تايمز