المنحة الخليجية للأردن: هشاشة يتبعها ابتزاز؟
ينبئ الطابع الفضفاض والهزيل الذي حملته المنحة الخليجية الجديدة للأردن بأن هذا الدعم الذي نتج من قمة مكة لن يؤدي إلى معالجة الأزمة الجوهرية في الاقتصاد الأردني والمتمثلة في «الانكماش». وبالنظر إلى ذلك، تبدو المنحة، بالنسبة إلى بعض المراقبين، وكأنها تركت الباب موارِباً أمام محاولات الابتزاز السياسي
عمّان | بعد سلسلة محادثات هاتفية بدأها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، واختتمها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ورافقتها زيارة لنائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي أنس الصالح إلى عمّان، عُقدت فجر أمس القمة الخليجية - الأردنية في مكة، على خلفية تصاعد الأزمة الاقتصادية في المملكة الهاشمية، وما سبّبه من احتجاجات انتهت إلى إقالة رئيس الوزراء هاني الملقي وتكليف بديل منه هو عمر الرزاز. قمة بدا لافتاً، لناحية مَن حضرها، تمثّل الجانب الإماراتي بحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم يرافقه وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان بدلاً من محمد بن زايد، وكذلك غياب أي تمثيل حكومي أردني، إذ اقتصر الوفد المرافق للملك عبد الله الثاني على ولي عهده حسين ومدير مكتبه ومستشاره الاقتصادي.
أسفرت القمة عن تعهّد خليجي بتقديم مساعدات للأردن بقيمة 2.5 مليار دولار. مساعدات تبدو بالنسبة إلى البعض أقرب إلى وسيلة ضغط سياسي منها إلى حلّ حقيقي للأزمة التي تمرّ بها عمّان. يستدلّ هؤلاء على ذلك ببنود التعهد الذي جاء تحت عناوين مقتضبة وغامضة تصدرتها وديعة في البنك المركزي الأردني، يرى متابعون أنه سيتم سدادها عند انتهاء مدتها أو عند الطلب، في ظل تلكؤ المعنيين الرسميين عن إيضاح ملامح الإجراءات التي ستُتّبع في شأنها. لكن المساعدات الخليجية الجديدة ستسهم، في الوقت نفسه، في تخفيف ضغوط صندوق النقد الدولي على عمّان، عن طريق تقديم ضمانات للبنك الدولي، سيتعين على الأردن الوفاء بها. كذلك، سيتمّ رفد موازنة الحكومة الأردنية بمساعدات مالية مباشرة سنوية لمدة خمس سنوات، كما وسيتم تمويل مشاريع إنمائية من صناديق التنمية كالتي جاءت بها المنحة السابقة. لكن يبقى التساؤل مطروحاً حول الوديعة، وما إذا كانت ستتحول إلى نصف مليار دولار سنوي غير مسترد، سيستفيد منه الأردن إما في سداد عجز الموازنة أو في أقساط قروضه والفوائد عليها أو في المشاريع المزمع القيام بها.
تتضمّن المنحة الخليجية وديعة في البنك المركزي الأردني
الخبير الاقتصادي، محمد البشير، يرى أن هذا الدعم الخليجي «ليس حلاً بعيد المدى للأزمة الاقتصادية، ولا يشكل حلاً مرحلياً لما تمر به المملكة؛ إذ إن الوديعة في البنك المركزي تمثل سيولة لدعم وضع الدينار الأردني مقابل العملات الأجنبية، وبذلك سترفع من احتياطي العملة الأجنبية في البلد، والذي يتم استخدامه لغايات الاستيراد (مع العلم أن هناك عجزاً كبيراً في الميزان التجاري)». ويستدرك البشير أن «لا مشكلة في احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية»، مضيفاً أن «مشكلتنا الحقيقية في انكماش الاقتصاد الذي لن تنعشه الوديعة، بل يحتاج إلى تخفيض ضريبة المبيعات، وإلى تنمية قطاعَي الصناعة والتجارة في شكل أساسي لزيادة إنتاجيتهما، وتوفير الوظائف، وبالتالي تقليل نسب البطالة والفقر المرتفعة». ويشير البشير إلى أن «الضمانات الخليجية للبنك الدولي ستحسّن فرصة الأردن للحصول على مزيد من القروض لسداد أقساط القروض الحالية أو لسداد فوائدها، أي أنها دوامة قروض جديدة من دون إيجاد إيراد حقيقي للسداد»، يعتقد رئيس جمعية المحاسبين القانونيين السابق أنه يجب أن يكون «من خلال فرض ضريبة على الأغنياء وفق قانون ضريبة دخل يشبه ما كان موجوداً قبل عام 1995، أي قبل العمل بقانون ضريبة المبيعات (التي تبلغ حالياً 16 في المئة عدا عن ضرائب خاصة وأخرى)».
والجدير ذكره أن هذه ليست المرة الأولى التي يسدي فيها الخليجيون دعماً للأردن؛ إذ سبق للمملكة الهاشمية أن حصلت منذ سنوات عدة على منحة خليجية مقدرة بـ5 مليارات دولار، إلا أنه لم يدخل منها إلى خزينة الدولة الأردنية ولو نزر يسير للمساهمة في سد عجز المديونية. انتهت المدة المفترضة لهذه المنحة العام الفائت، بعدما تمّ التعهّد بها خلال اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الـ32، من أجل إقامة مشاريع تنموية في الأردن من قبل السعودية والكويت والإمارات وقطر بواقع 1.25 مليار دولار من كل بلد. ووفقاً للتقارير الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فقد تم تحويل ما يقارب 2.3 مليار دولار من المنحة المذكورة حتى نهاية عام 2016، في ظلّ غياب ملحوظ لدولة قطر عن لائحة الجهات المانحة. إلا أن الدوحة حاولت، أخيراً، التقرب من عمان التي خفّضت التمثيل الدبلوماسي القطري لديها قبل عام على خلفية الأزمة الخليجية، ما دفع السعودية إلى اتخاذ إجراءات لقطع الطريق على قطر.
خلاف بين الأحزاب والنقابات
أكد «ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية» المعارض، أمس، تأجيل انعقاد «الملتقى الوطني» الذي كان مقرراً عقده اليوم الثلاثاء في إحدى قاعات مجمع النقابات المهنية، عازياً ذلك إلى «تعذّر توفير المكان لأسباب قاهرة خارجة عن إرادة الائتلاف». وكان «الائتلاف» طرح صيغة عمل تشاركية مع النقابات المهنية، في محاولة لإيجاد مرجعية وطنية تتابع حالة الزخم في الشارع الأردني، وتكون ممثلة لأوسع طيف من المحتجين. وترجمت الأحزاب القومية واليسارية ذلك برسالة خطية وأخرى شفهية إلى مجلس النقباء، إلا أنه لغاية اللحظة لم يصل رد على الموضوع بحسب الناطق الرسمي باسم «الائتلاف»، الأمين العام لـ«حزب البعث العربي الاشتراكي»، أكرم الحمصي، الذي أعلن أنه تفاجأ بقرار النقابات المهنية تأجيل «الملتقى الوطني» على رغم حصول «الائتلاف» على موافقة مسبقة لإقامة الفعالية، إلا أن رئيس مجلس النقباء يقول إن الموافقة مُنحت من دون الرجوع إليه. من ناحية أخرى، وصف الحمصي لقاء رئيس الوزراء المكلف، عمر الرزاز، مع ممثلي نحو 50 حزباً بـ«الإيجابي»، ولكن ذلك لا يبدو كافياً في ظل مطالبات بتغييرات حقيقية في النهج الاقتصادي.
(الأخبار)