«ذي أتلانتيك»: القومية المظلمة في السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2185
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير زياد محمد - الخليج الجديد
  في معظم أنحاء العالم العربي كانت الخيانة هي أول اتهام يتم اللجوء إليه واستمر هذا لبعض الوقت، فخلال ذروة القومية العربية في الخمسينات والستينات، كان المسؤولون الحكوميون في مصر أو سوريا يصفون المعارضين على أنهم «خونة».
هذا المصطلح لا يزال يستخدم حتى يومنا هذا، ولكن مع تصاعد الحماسة الإسلامية في الثمانينات والتسعينات، وعندما أرست السعودية النغمة الدينية في معظم أنحاء المنطقة، حيث برزت تهمة الكفر أو الردة، والتي تم استخدامها ضد أي شخص ضل طريقه عن الأعراف الدينية وضد العلمانيين أو المثقفين أو النقاد السياسيين.
والآن، بينما يحاول ولي عهد المملكة الأمير «محمد بن سلمان» الحدّ من دور الدين في بلاده، يبدو أن المملكة العربية السعودية مستعدة لإعادة تهمة الخيانة.

تغذية القومية المظلمة
قبل أسبوعين، احتجزت السلطات السعودية ما لا يقل عن 11 ناشطا بارزا، منهم 7 نساء رائدات، يناضلن منذ عقود من أجل حق النساء في قيادة السيارات.
وجاءت الاعتقالات قبل أسابيع فقط من 24 يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي ستقوم فيه السعودية برفع حظر القيادة، ومنذ ذلك الحين، أفرجت السلطات عن 4 من النساء المعتقلات الأكبر سنا، لكنها لم تقل شيئاً عن أولئك اللائي يزلن رهن الاحتجاز.
وتركز الكثير من تحليلات حملة القمع - خصوصًا في واشنطن - على ثلاث حجج رئيسية: أنها كشفت أن إصلاحات ولي العهد التي يتم الترويج لها كثيرا ليست أكثر من مجرد خدعة، وأنها كانت مدفوعة بخوفه من أن النساء سيدّعين بفضلهن في إنهاء الحظر ما يمهد الطريق للناشطين أكثر في نظام ملكيّ مُطلق تُمنح فيه الحقوق منحا، ولا يتم النضال من أجلها؛ وأنها معنيّة بتهدئة رجال الدين المتحفظين الغاضبين من توسيع الحريات الاجتماعية.
وهناك بعض من الحقيقة في وجهات النظر الثلاثة، وعلى كل حال، فإن «محمد بن سلمان» لم يعد بالتغييرات السياسية، وإنما فقط الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، خدم الاعتقالات مصلحة مختلفة لـ«محمد بن سلمان»، إذ يبدو أنه عازم على غرس إحساس جديد بالهدف في شعبه: الالتحام الوطني الذي لم تعد تحركه أيديولوجية دينية بل قومية.
وقد ساعدت الحرب التي تقودها السعودية في اليمن والمواجهة الدبلوماسية مع قطر على تغذية هذا الكبرياء الوطني المتضخم، حيث تزدهر هذه القومية عندما يكون هناك عدو خارجي، حقيقي أو مُتصوَّر.

من الوصم الديني للوطني
ولكن مع مرور أيام على تلك الاعتقالات، انحسرت ردود الفعل الغاضبة في بقية العالم بعض الشيء، وتحولت العناوين الرئيسية بالفعل إلى خطوات المملكة نحو التغيير الاجتماعي، وظهرت الأميرة «هيفاء» - ابنة الملك الراحل «عبدالله» - وهي تزين غلاف عدد مجلة فوغ العربية لهذا الشهر، بحجاب غير محكم، تجلس خلف مقود سيارة حمراء مكشوفة.
وقبل نهاية حظر القيادة، أصدرت السعودية أيضا قانونا رائدا يجرّم التحرش الجنسي، ومن المؤكد أن ذلك يعني مزيدا من التغطية الصحفية البراقة.
لدى «محمد بن سلمان» قليل من الخوف من الغرب، فإدارة «ترامب» غير مهتمة إلى حد كبير بحقوق الإنسان، حتى الأوروبيين من غير المرجح أن يقوموا بتصعيد الاحتجاجات، وهم مشغولون للغاية في تقييم تداعيات خروج «ترامب» من الصفقة النووية وفرض عقوبات إضافية على طهران، ولا شك أن الدول الأوروبية - خاصة فرنسا وبريطانيا - ستتطلع إلى السعودية للحصول على فرص أعمال جديدة.
بعد فترة وجيزة من الاعتقالات، قام موقع إخباري تابع للحكومة بنشر تغريدة صورة ملصق بعنوان «لا مجال للخونة بيننا»، متبوعًا بتفسير من سطر واحد: «لقد تآمر المعتقلون مع كيانات أجنبية لتقويض عقيدة السعودية والدين وإثارة المعارضة العامة»، وتم ختم وجوه المعتقلين بكلمة «خائن» باللون الأحمر.
قامت العديد من الصحف بنشر هذه الاتهامات ونشرت رسومات مماثلة، ولكنها لم تقدم أي تفاصيل أو أدلة، وكانت هذه محاكمة بواسطة وسائل الإعلام.
كان من النادر قبلاً أن يتم الوصم بكلمة «خائن» في السعودية، وهي بلد كانت معتادة أكثر على الحكم على الأشخاص من المعايير الدينية وليس الوطنية.
وفي داخل المملكة وخارجها، يتكهن السعوديون بأن حملة التشهير قد حصلت على الضوء الأخضر من الحكومة، وهي إشارة مشؤومة للمحتجزين، فقد أصبح ولاؤهم للبلاد الآن موضع تساؤل، وكلمة «الخائن» هي وصمة عار يصعب التخلص منها.
في الوقت نفسه، لم يحصل السعوديون الأثرياء الذي تم احتجازهم في فندق ريتز كارلتون بالرياض العام الماضي، ولا رجال الدين الذين تم القبض عليهم خلال الفترة نفسها، على هذه الوصمة.
ويبقى الشيء اللافت للانتباه هو الوسم الذي تم استخدامه على «تويتر» في الساعات التي تلت نشر أخبار الاعتقالات، والذي تم الترويج له من قبل مئات إن لم يكن الآلاف من المستخدمين في السعودية، وهي دولة بها أكثر من 5 ملايين مستخدم نشط على «تويتر» وهو وسم «عملاء السفارات».
وبدت هذه العبارة شبيهة بجملة استخدمها «حزب الله» لوصم الشيعة العلمانيين عادة، الذين لا يتفقون مع سياسته ونظرته للعالم، حيث وصفهم بـ«شيعة السفارات»، لتشويه سمعتهم أو فرض عقوبات عليهم.
والمعنى الضمني لهذا الشعار هو أن هؤلاء الشيعة يتآمرون مع الغربيين ويقوضون المقاومة ضد الإمبريالية، إنه تطور غريب أن يتبنّى السعوديون - عن علم أو عن طريق الصدفة - لقبا مفضلا لدى حليف إيران في لبنان.

اتهامات غير صحيحة
حتى الآن، لم يقدم المسؤولون السعوديون سوى تفاصيل قليلة عن القضية المرفوعة ضد من اعتقلوا، عدا القول إن عملهم تجاوز حقوق المرأة، وأنهم نقلوا معلومات سرية إلى كيانات أجنبية.
وقد قال دبلوماسيون غربيون إنه «في البداية بدا أن الاتهامات موجهة إلى اتصال النساء المزعوم بالسفارات الغربية، لكن يبدو أن السلطات الآن في طريقها إلى تغيير المسار لمحاولة إظهار صلة بإيران أو قطر».
في السعودية، وصف مؤيدو إصلاحات ولي العهد العلنيّون الاعتقالات بأنها خطأ، وفي تغريدة له، دعا «محمد اليحيى»، وهو محلل سعودي يعرف كيف يفكر المسؤولون السعوديون، إلى نشر الأدلة ضد الناشطين للعلن، قائلاً: «لم يُعرف هؤلاء الأفراد بأي شيء سوى نشاطهم الاجتماعي لسنوات»، وأضاف أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة في السعودية سوف تكون ملوثة بشكل واضح ليس في غياب الشفافية الاقتصادية فحسب، بل أيضا الوضوح القانوني.
ومهما كان الدليل وأيا كان العدو المزعوم، يبدو أن الاعتقالات خدمت هدف «محمد بن سلمان».
لقد صمت النقاد والناشطون، وحشدت الجماهير الوطنية، لكن من الأفضل أن تذكر المملكة أن وصم الأعداء بالكفر أو الخيانة لم يسهم أبداً كثيراً في بناء مستقبل مستقر في المنطقة.

المصدر | كيم غطاس - ذي أتلانتيك