5 أسباب تدل على نشوب أزمة في العلاقات السعودية الإثيوبية
محمد مصطفى جامع
أثار التسريب الذي نشرته مجلة "Addis Standard" وصحيفة "Addis fortune" الإثيوبيتان الناطقتان باللغة الإنجليزية عن قيام وزارة الخارجية باستدعاء السفير الإثيوبي في العاصمة السعودية الرياض أمين عبد القادر والقنصل العام في جدة وبشت دميس، انتباه المراقبين والمتابعين للشأن الإفريقي.
ورغم أن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية مليس ألِم، صرّح لوكالة أنباء الأناضول التركية أن عودة سفير أديس أبابا وقنصلها لدى السعودية إلى البلاد ليست استدعاءً، وإنما في إطار تغييرات روتينية، فإن التبرير لم يكن مقنعًا لكثيرين ولأسباب عديدة سنتعرض إليها بالتفصيل في هذه المقالة.
فور انتخابه رئيسًا لوزراء إثيوبيا في 27 من مارس/آذار الماضي، انطلق آبي أحمد علي في جولاتٍ داخلية هدفت إلى استعادة السلم والوحدة بين مكونات الجمهورية الأكثر تأثيرًا ونفوذًا في القارة السمراء.
ولم تنتهِ تحركات رئيس الحكومة الشاب داخليًا فبعد أن اختتم زياراته الداخلية التي شملت معظم الأقاليم، انطلق إلى دول الجوار مبتدئًا من جيبوتي الجارة القريبة التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع إثيوبيا، إذ تعتمد الأخيرة بقدرٍ كبيرٍ على ميناء الأولى ويربط بينهما خط سكة حديد يبلغ طوله 700 كيلومتر مربع، ومن هناك زار السودان وكينيا وهما لا يقلان أهمية لإثيوبيا عن جيبوتي، لأن الخرطوم شريكة أساسية لأديس أبابا في سد النهضة العملاق كما يرتبط البلدان بعدة ملفات اقتصادية وإستراتيجية أخرى، وكذا الحال بالنسبة لكينيا.
السعودية والإمارات أولى وجهات آبي أحمد في الشرق الأوسط
كان لافتًا أن آبي أحمد اختار المملكة العربية السعودية لتكون وجهته الأولى في دول الخليج والشرق الأوسط، أتت الزيارة في وقتٍ تشهد فيه المنطقة استقطابًا حادًا على وقع الأزمة الخليجية المستمرة منذ عام بين قطر من جانب والسعودية والإمارات والبحرين من الجانب الآخر.
بالنسبة لجولة آبي أحمد الشرق أوسطية، من الواضح أن الجوانب الإنسانية غلبت عليها
ونُذكِّر بأن إثيوبيا ومعظم دول القارة الإفريقية اختارت ألا تنحاز إلى أي طرف من أطراف الأزمة، وحتى بعض دول القارة التي انحازت في بداية أزمة الخليج إلى الطرف المحاصر لقطر راجعت مواقفها لاحقًا مثل السنغال وتشاد فأعادت الأخيرتان تمثيلهما الدبلوماسي مع الدوحة.
وبالنسبة لإثيوبيا جاءت الأزمة الخليجية في وقتٍ بدأت فيه بزيادة علاقاتها مع قطر، فقد استقبلت أديس أبابا قبل شهرٍ ونصف من تفجر النزاع، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في زيارةٍ وقّع فيها الطرفان عددًا من اتفاقيات التعاون، لذلك اختارت إثيوبيا أن تقف في الوسط بين الطرفين لا سيما أنها ترتبط في الوقت نفسه بروابط اقتصادية واستثمارية متينة مع كل من الرياض وأبو ظبي.
وبالنسبة لجولة آبي أحمد الشرق أوسطية، من الواضح أن الجوانب الإنسانية غلبت عليها فقد كشف الرجل في لقاءٍ جماهيري بساحة "منيليام" في أديس أبابا عقب عودته أن مُضيِّفيه قالوا له اطلب ما شئت، فردّ عليهم لا نريد شيئًا غير إطلاق سراح أبنائنا من السجون وهو ما تم فعليًا، إذ أطلقت السعودية سراح آلاف السجناء الإثيوبيين، ووعدت بالإفراج عن رجل الأعمال محمد حسين العمودي المعتقل منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي ضمن حملة اعتقالات شنتها المملكة على رجال أعمال ومسؤولين بتهمة مكافحة الفساد.
أما زيارة آبي أحمد لأبو ظبي فلم تتضح لنا أجندتها بالضبط، لكنه حظي باهتمام وترحيب كبيرين، إذ تقدم مستقبليه في مطار البطين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، ومن المعروف أن الأخير يستقبل الرؤساء وكبار الشخصيات منذ العام 2014 عندما توارى أخاه رئيس الإمارات الشيخ خليفة عن الأنظار إثر وعكة صحية مفاجئة.
وقد حضرت وزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي ريم الهاشمي اللقاءات التي أجراها رئيس الحكومة الإثيوبية مع المسؤوليين الإماراتيين لجهة أنها مسؤولة عن ملف علاقات بلادها مع القارة السمراء.
مؤشرات تدل على توتر العلاقات الإثيوبية ـ السعودية
أكثر ما لفت الانتباه في زيارة آبي أحمد للمملكة هو التجاهل التام الذي تعاملت به وسائل الإعلام السعودية مع زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي وكأنها لم تتم من الأساس، فعندما تتبعنا الأخبار الواردة من السعودية ولقاء رئيس الحكومة الإثيوبية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم نجد أي وسيلة إعلام سعودية تحدثت عن الزيارة أو عن مستوى الاستقبال والتوديع، فالمصدر الوحيد كان وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية التي نقلت عنها وسائل الإعلام الأخرى نبأ الإفراج عن السجناء الإثيوبيين وقرب إطلاق سراح العمودي.
مصادر دبلوماسية خاصة هي التي سربت الأنباء للصحيفة والمجلة لأن الأخيريتين لن تغامرا بنشر خبرٍ في هذا التوقيت الحساس دون مصادر قوية ومطلعة
ومن المُحيِّر وسائل الإعلام السعودية التي لا تُفوِّت خبرًا عن لقاءات الملك وولي العهد لم تنشر أي مادة عن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ولقائه بمسؤولي المملكة وهو أمر غير معتاد بكل المقاييس.
ثانيًا، تأخر الإفراج عن رجل الأعمال العمودي، آبي أحمد صرح في اللقاء الشبابي قبل 5 أيام قائلاً:" ولي العهد وافق على إطلاق سراح العمودي، ومغادرته معي ولكن أخبرتُ في منتصف الليل أنه بسبب بعض الإجراءات سيؤخر إطلاق سراحه إلى أجل محدد".
ثالثًا، التسريبات التي نقلتها مجلة أديس ستاندرد وصحيفة أديس فورتشن بصيغة الخبر العاجل "Breaking News" عن استدعاء السفير والقنصل من السعودية، مؤكد أنها لم تحدث صدفة، ونرى أن مصادر دبلوماسية خاصة هي التي سربت تلك الأنباء للصحيفة والمجلة لأن الأخيريتين لن تغامرا بنشر خبرٍ في هذا التوقيت الحساس دون مصادر قوية ومطلعة.
رابعًا، التوضيحات التي بثّها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية مليس ألم لوكالة أنباء الأناضول التي أعلن عبرها أن عودة سفير أديس أبابا لدى السعودية إلى البلاد ليست استدعاء، وإنما في إطار تغييرات روتينية، لم يتحدث فيها الرجل عن متانة علاقات بلاده مع السعودية ولم يتطرق إلى زيارة رئيس الوزراء إلى المملكة ومخرجاتها، ما يشير إلى وجود توتر وإن لم يرد متحدث الخارجية أن يتناوله مباشرة لاعتباراتٍ سياسية ودبلوماسية.
آبي أحمد كان قد استبق جولته التي شملت كل من السعودية والإمارات برسالةٍ خطية إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نقلها له وزير الخارجية ورقينيه قيبيو الأسبوع الماضي
خامسًا، إذ سلَّمنا فعلًا أن سفير إثيوبيا لدى السعودية أمين عبد القادر نُقل إلى الجزائر وسفيرها لدى الكويت عبد العزيز أحمد سيحل محل عبد القادر في الرياض، فما الداعي لعودة القنصل الإثيوبي العام في جدة وبشت دميس للعمل في رئاسة وزارة الخارجية "أديس أبابا" بهذه الصورة المفاجئة ومن دون تحديد بديل له؟
فهل يا ترى حدثت اختلافات في وجهات النظر بشأن قضايا معينة مثل قضية الشيخ العمودي أو ملف الأزمة الخليجية؟ أو هل حرصت الرياض على عدم إثارة غضب القاهرة من خلال استقبالها لآبي أحمد كما قال أحد النشطاء الإثيوبيين؟ ربما يكون الاحتمال الثاني مستبعدًا لأن زيارة المسؤول الإثيوبي الرفيع كانت معلنة من جانب أديس أبابا ولكن لا يعلم بالتحديد لماذا تكتم عليها الإعلام السعودي رغم أنها تمت بدعوة مباشرة من الديوان الملكي كما ذكر بيان وزارة الخارجية الإثيوبية.
رئيس الوزراء استبق جولته الخليجية برسالة إلى أمير قطر
نشير إلى أن آبي أحمد كان قد استبق جولته التي شملت كل من السعودية والإمارات برسالةٍ خطية إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نقلها له وزير الخارجية ورقينيه قيبيو الأسبوع الماضي، ومن المؤكد أن الرسالة الإثيوبية تحمل في طياتها تطمينات إلى الدوحة مفادها أن الموقف الإثيوبي من الأزمة الخليجية لن يتأثر بزيارة رئيس الوزراء السعودية والإمارات.
يبقى إطلاق سراح رجل الأعمال السعودي ـ من أصول إثيوبية ـ محمد حسين العمودي الذي أعلن آبي أحمد أن ابن سلمان وعده بالإفراج عنه، فإذا أوفت المملكة بوعدها وأفرجت عن المليادير مؤكد أن الأزمة ستنتهي بأسرع ما يمكن ولن يكون لها أثر
فهذه الخطوة أعادت إلى أذهاننا الرسالة المؤثرة التي حملها قيبيو إلى الرئيس السوداني عمر البشير قبيل زيارة رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين إلى العاصمة المصرية القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي للدلالة على ثبات الموقف الإثيوبي والشراكة مع الخرطوم عندما قال: "نقف معًا في السراء والضراء لأننا شعب واحد".
وتلك الرسائل التطمينية تدل على ذكاء الدبلوماسية الإثيوبية ومقدرة الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الخارجية في الاحتفاظ بعلاقاتٍ متميزة مع دول المنطقة من دون تحيز أو فقدان طرف من الأطراف، وقد نجح الوزير الحاليّ قيبيو في إدارة ملف علاقات بلاده مع أطراف الأزمة الخليجية بكفاءة رغم الضغوط التي مُورست على أديس أبابا من طرف الرياض ـ أبو ظبي كما ذكرت بعض التسريبات.
السيناريوهات المحتملة للعلاقات الإثيوبية ـ السعودية
إلى الآن يمكن القول إن الكرة في ملعب الرياض التي أوفت بالجزء الأول من اتفاقها مع آبي أحمد بإطلاق سراح السجناء الإثيوبيين الذين عاد جزء كبير منهم بالفعل إلى أديس أبابا واستقبلهم مناديب وزارة الخارجية في مطار بولي الدولي.
إذا تلكأت السعودية ـ وهو احتمال وارد رغم الوعود ـ فإن إثيوبيا قد تضطر إلى اتخاذ خطوات أخرى مثل سحب السفير أو تقليص بعثاتها الدبلوماسية في المملكة
ويبقى إطلاق سراح رجل الأعمال السعودي ـ من أصول إثيوبية ـ محمد حسين العمودي الذي أعلن آبي أحمد أن ابن سلمان وعده بالإفراج عنه، فإذا أوفت المملكة بوعدها وأفرجت عن المليادير مؤكد أن الأزمة ستنتهي بأسرع ما يمكن ولن يكون لها أثر.
أما إذا تلكأت السعودية ـ وهو احتمال وارد رغم الوعود ـ فإن إثيوبيا قد تضطر إلى اتخاذ خطوات أخرى مثل سحب السفير أو تقليص بعثاتها الدبلوماسية في المملكة على الأقل كنوعٍ من الاحتجاج، وقد يتصاعد الأمر إلى إجراءات أخرى مثل استدعاء السفير السعودي وتبليغه استيائها من تأخر عودة العمودي وربما تصل الأزمة إلى أبعد من ذلك بإبلاغ السفير عبد الله بن فالح العرجاني أنه شخص غير مرغوب فيه رغم ضآلة هذا الاحتمال.
بكل تأكيد ستكون إثيوبيا حريصةً على بقاء علاقتها جيدة مع الرياض ولن تستعجل في اتخاذ خطوات تصعيدية بسهولة رغم أن رئيس الوزراء أعلن قرب إطلاق سراح العمودي في محفلٍ جماهيريِّ عام وهو ما يشكل تحديًا لمصداقيته أمام الشعب.
والمعادلة بشكل عام ليست سهلة لأن السعودية لديها استثمارات كبيرة في إثيوبيا قد تتأثر بتوتر العلاقات وكذلك لوجود جالية كبيرة من العمالة الإثيوبية في المملكة رغم عودة جزء كبير منهم فعليًا بسبب الإجراءات السعودية الأخيرة، فالعمالة الإثيوبية البسيطة تفضل العمل في دول الخليج أما الكفاءات وأصحاب الشهادات العليا فيحبذون أمريكا ودول أوروبا التي تضم جاليات إثيوبية كبيرة.
الأيام المقبلة والتطورات التي ستحدث كفيلة بتوضيح مستجدات العلاقة السعودية ـ الإثيوبية، ولكن شئنا أم أبينا، إثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس، فهي حاليًّا تتحكم بقدر كبير في مفاتح إفريقيا القارة الواعدة ومن يرد الولوج إلى القارة السمراء لا بد له من المرور عبر بوابتها أديس أبابا.