ما هِي “كَلِمَة السِّر” التي قالَها وزير خارِجيّة البحرين ويَراها “مَدخَلاً” لحَل الأزمةِ الخليجيّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2195
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 وهل تُمهِّد زِيارة الأمير تميم للكُويت غدًا الأجواء لإحياء جُهود الوِساطة مُجَدَّدًا؟ ولماذا نَعتقِد أنّ الصَّيف الخليجي سَيكون أكثر سُخونَةً من المُعتاد بسبب “العُقدة الإيرانيّة”؟
بعد ثمانِية أيّام، وبالتَّحديد في “الخامِس” من يونيو (حزيران) المُقبِل (يالها من صُدفةٍ تاريخيّة)، تُكمِل الأزمة الخليجيّة عامَها الأوّل، وتَدخُل عامها الثاني، دون أن تَلوح في الأُفُق أي مُؤشِّرات عن احتمالات حُلولٍ وَشيكةٍ، بل المَزيد من التَّصعيد من جانِب طَرفيها، فالوَساطة الكويتيّة التي نشطت في بداية الأزمة وصلت إلى طَريقٍ مسدود، أمّا نظيرتها الأمريكيّة التي أرادها الرئيس دونالد ترامب بدعوته لقادة خليجيين إلى واشنطن في الأشهر الماضية تمهيدًا لعَقد “قِمّة مُصالحة” في منتجع كامب ديفيد هذا الشهر أيّار (مايو)، تبخَّرت بدورها، وماتت، وتحلَّلت، بإقالة ريكس تيلرسون، وزير الخارجيّة الأمريكي أبرز مُهندِسيها، وعدم تجاوب دول المُقاطَعة الأربَع معها.
الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيٍة البحرين قال في حديثٍ لصحيفة “الشرق الأوسط” نشرته اليوم، أنّه لا يوجد حَل في الأُفق، ووضع إصبعه على العَصب الرئيسي عندما قال “كُنّا نَتوقَّع في بِداية الأزمة مع قطر أن يتوجَّه أميرها إلى السعوديّة ولكن هذا لم يَحدُث، ولم يتم التَّجاوب مع مَطالِب الدُّول الأربَع المُقاطِعة (بكسر الطاء) الـ 13 وأبرزها إغلاق قناة “الجزيرة”، وباقي الأذرُع الإعلاميّة القطريّة، وقَطع العلاقة مع حركة الأخوان المسلمين.
السُّلطات القطريّة تعمَّدت اتِّخاذ خطوة تصعيديّة يوم أمس، وربّما يأسًا من التوصُّل إلى حل، عندما حظرت جميع الوارِدات من الدُّوَل الأربَع (مِصر، السعوديٍة، الإمارات، البحرين)، وطلبت من أصحاب المحلات التجارية إزالة ما هو موجود لديها من مَنتوجاتٍ تَخُص هذه الدول فَورًا، وكأنّ لسان حالها يقول “لا نُريدكم ولا نُريد بضائِعكم فالبَديلان الإيراني والتُّركي هُما الأولى أساسًا”.
مجلس التعاون الخليجي الذي كان يُضرَب فيه المَثل كقُوَّةٍ إقليميّةٍ مُتماسِكَةٍ، انقسم إلى نِصفين بالتَّمام والكمال دون إعلانٍ رسميّ، المُعسكَر الأوّل يَضُم السعوديّة والإمارات والبحرين، والثاني سلطنة عُمان والكويت وقطر، وبات الشَّرخ يَتَّسِع شَهرًا بعد آخر بين المُعسكَرين والمُؤشِّرات عديدة، وعلى أكثر من صَعيدٍ ولا يتَّسِع المجال لذِكرها.
أخطر إرهاصات هذهِ الأزمة، هو تَرسُّخ ظاهِرة التعايش معها، خاصَّةً من قِبَل الدُّوَل الأربَع التي تَفرِض مُقاطَعة على دولة قطر، فمِن الواضِح أنّ هذه الدُّوَل وضعت استراتيجيّة طويلة الأمَد للتطبيع مع هذه الأزمة، لاعتقادها أنّ دولة قطر “المُحاصَرة” هي الأكثر تضرُّرًا ومُعاناة، حتى أنّ إعلامها الذي كان يَشُن هجماتٍ شَرِسة، ويُروِّج لتغيير النظام فيها، وإيجاد البدائِل، بات يتجاهلها، أي الأزمة، أو التطرُّق إلى قطر بالوَتيرةِ السَّابِقة.
حالة الهُدوء الحاليّة تبدو “مُصطَنعةً” في رأينا، وربٍما تكون الهُدوء الذي يَسبِق العاصِفة، لأن رياح سياسيٍة عاتِية تتجمَّع هذه الأيّام في أكثر من مكان، بِما يُنبِئ بصَيفٍ قادمٍ ربّما يكون أكثر سُخونَةً من المُعتاد.
الحُكومة القطريّة نجحت في كَسر الحِصار، أو مُعظَم جوانبه، من خِلال إيجاد بدائِل تجاريّة واقتصاديٍة في كُل من إيران وتركيا، وأقامت قاعِدةً عسكريّةً ضَخمةً للأخيرة قُرب قاعدة العيديد الأمريكيّة تَضُم أكثر من 30 ألف جندي بكامِل عتادهم، كخُطوة احتياطيّة دِفاعيّة في مُواجَهة أي غزو لتَغيير النظام في قطر على غِرار ما حدث عام 1996، ولكن الخَطر قد يأتي في المَرَّات المُقبِلة من أمريكا بشَكلٍ مُباشِرٍ أو غير مُباشِر.
نشرح أكثر ونقول أنّ الأسابيع المُقبِلة قد تشهد تَحَرُّكًا أمريكيًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، وربّما عَسكريًّا أيضًا ضِد إيران بعد إلغاء الاتفاق النووي معها، وتقديم 12 مَطلبًا للقِيادة الإيرانيّة (مُحاكاةً لمطالِب الدُّوَل الأربَع) يُعتَبر قُبولها كامِلةً شَرطًا لعَدم فرض عُقوباتٍ اقتصاديّة، وتنفيذ مُخطَّطات تغيير النِّظام في طِهران.
إيران أعلنت أنّها لن تقبل هذهِ الشُّروط التي أيّدتها الدُّوَل الخليجيّة الثَّلاث المُقاطِعة لدَولة قطر وتحمَّست لها، وهَدَّدت بالعَودة إلى تخصيب اليورانيوم، والسُّؤال الذي يًطرح نفسه على القِيادة القطريّة، وستَضطر إلى الاجابة عليه مُكرَهَةً، هو ما إذا كانت ستُسانِد الحِصار الأمريكي الوَشيك على إيران أم لا، ولا بُد أنّها تُدرِك جيِّدًا أنّ سِياسَة مَسك العصا من الوَسَط التي بَرعت فيها، ربّما تكون غير مُجدِية، ناهيك عن كَونِها غير مقبولة، من قِبَل إدارة أمريكيّة يمينيّة اكثر تَشدُّدًا من نَظيرتها أيّام الرئيس جورج بوش الابن، فتَأييد الحِصار يعني قَطع العلاقات التجاريّة، وعدم الاستعانة بالمَوانِئ والأجواء الإيرانيّة المَفتوحة، ورَفضِه، أي الحِصار الأمريكي لإيران، وعدم التعاون معه، يعني المُواجَهة مع أمريكا، وربّما مُواجهة خيار سَحب قاعدة العيديد ونقلها إلى الرياض أو أبو ظبي.
النُّقطة الأُخرى التي من المُتوقَّع أن يتم إثارتها في الفترة المُقبِلة هي مسألة تنظيم دولة قطر لنِهائيّات كأس العالم عام 2022، فإذا كانت هذه القضيّة غابت عن العَناوين في العالم الغربيّ هذهِ الأيّام، فذلك يعود إلى رغبة في الانتهاء من الدورة الحاليّة الإشكاليّة في موسكو، وإزاحَتها من الطريق، وبعد ذلك لكُل حادِثٍ حَديث.
الدُّول الأربَع المُعادِية لقطر تُدرِك هذهِ المسألة، ورَفضِها لأي حُلولٍ للأزمة الخليجيّة دون تلبية شُروطها يعود إلى وعيِها لأهميّة ورقة الضَّغط هذه، وكيف تُقام دورة رياضيّة على هذهِ الدرجة من الأهميّة في دولةٍ تُواجِه مُقاطَعةً في نِصف مُحيطِها الجُغرافيّ والدِّيموغرافيّ على الأقَل؟
كل الدلائل تُشير إلى أنّ دولة قطر لن تَرضَخ للضُّغوط، لأنّ الجَناح المُتشدِّد في أُسرَتها الحاكِمة يتمتَّع بحالةٍ من الكِبرياء تُعَمِّق حالة “العِناد” الحاليّة، ولكنّها في الوقت نفسه لا تُعارِض الحُلول التي لا تَكسِر كبريائها، وربّما هذا ما يُفسِّر الزِّيارة التي سيقوم بِها غدًا إلى الكويت الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، على رأس وفدٍ كبير يَضُم عددًا من أشقائِه وكِبار رجال الدولة، صحيح أنّ هذه الزِّيارة سنويّة تقليديّة لتهنئة الشيخ صباح الأحمد، عميد الأُسرةِ الخليجيّة وحكيمها، بمُناسبة حلول شهر رمضان المبارك، ولكن ربّما تأتي أيضًا في إطارِ مُحاولةٍ للبَحث عن مخارِج للأزمة، وكَسرًا للحِصار أيضًا، ومِثلما يقول المثل “حَجْ وبَيع مَسابِح”.
الشيخ خالد، وزير خارجيّة البحرين، وجّه رسالةً مُهِمّةً ومَقصودةً إلى قطر في حَديثه الذي أدلى به إلى صحيفة “الشرق الأوسط” تقول بأنّ الحل في ذِهاب الشيخ تميم إلى الرياض، فهل يَتجاوب أمير قطر مع هذهِ الرِّسالة؟
حتى هذه اللحظة من الصَّعب الجَزم بأنٍه سيتجاوب، وبَشَكلٍ إيجابيٍّ معها، أي الرِّسالة البحرينيٍة، فكل المُؤشِّرات تقول عكس ذلك، اللهم إلا إذا قَدَّم أمير الكويت حلاً وسطًا تقبل بِه جميع الأطراف، فالجُعبة الكويتيّة ليست خالِية تمامًا من المُبادَرات بالنَّظر إلى خِبرَة أميرها الدِّبلوماسيّة التي تَمتَد لأكثر من نِصف قَرن.
الاستعداد للقُبول بالحُلول الوَسَط للأزمات الصَّعبة يأتِي في حال تَعِبَت الأطراف المُتوَرِّطة فيها، ووصولها إلى درجة الإنهاك، وبَحثِها بالتَّالي عن مَخارِج، فهل وصلت أطراف الأزمة الخليجيّة إلى هذهِ النَّتيجة؟
نَترُك الإجابة للأيّام والأسابيع المُقبِلة، وإن كان لدينا الكَثير من الشُّكوك في هذا المِضمار.. فقد مرَّت مِياه كثيرة تحت جسر الخِلاف، ولَعِب الإعلام بشقَّيه التَّقليديّ والإلكترونيّ، دَورًا كبيرًا في تأجيج الخِلافات، واتِّساع الفَجوة بحيث باتت تَستَعصي على “التَّجسير”.. ولكن من الصَّعب إغلاق الأبواب في وَجه أي خِيار إيثارًا للسَّلامة.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”