أحفاد الحسين بن علي “مجتمعين” لأول مرة لدى السلطان العثماني
ملك الأردن يسجل سابقة في قمة اسطنبول ويصطحب “اخوته” لتأكيد ارتباط القدس بالعرش الهاشمي.. اسرائيل تمارس أولى اشارات وصاية كوشنير على تركيا.. ومقارنة لافتة بصورة بن سلمان وبن زايد والسيسي وبن عيسى..
برلين- “رأي اليوم” – فرح مرقه:
يحشد ملك الاردن اخوته الأربعة لأول مرة في وفد واحد خارج الأردن، ويطير بهم إلى قمة اسطنبول لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، في رسائل لا تبدأ فقط عند ربط شرعية العرش الهاشمي والأسرة المالكة بالقدس (محور المؤتمر)، كما لا تنتهي بمبايعة المرجعية الهاشمية لنظيرتها العثمانية ورأب صدع عمره أكثر من 100 عام.
عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني بن الحسين اختار أن يذهب بأرفع وفدٍ على الإطلاق للقمة العاجلة يرافقه إخوته: الشقيق فيصل، وغير الاشقاء علي وحمزة وهاشم في رسالة سياسية واضحة تقول ان “القدس هي قضية عرش” بالنسبة لعمان، إلى جانب قدسية القضية بالنسبة للاردنيين والتي تناولها الملك في خطابه.
الوفد بهذه الصورة، يعني بوضوح ان الاسرة الهاشمية والفرع الحاكم منها تحديدا اليوم تنظر للقدس كشرعية اساسية لها وليس فقط كمدينة تحت الوصاية الهاشمية، وهنا لا يمكن الفصل بين الوصاية والشرعية، حيث يدرك الهاشميون ان شرعيتهم الدينية التاريخية تتمثل اليوم بالوصاية على القدس، رغم اصولهم الحجازية (وهو الامر الذي يزيد حساسية الاسرة الحاكمة في السعودية، كون الهاشميين أحقّ بالوصاية على الحرمين المكي والمدني في السعودية باعتبارهم ال بيت الرسول). إدراك الملك لقضية الشرعية حصرا كان كفيلا لذهابه بتظاهرة هاشمية م و”كأسرة” إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعيم الدولة العثمانية، وصاحب الموقف الاقوى سياسيا ودبلوماسيا من نقل السفارة الامريكية الى القدس ومن الاحداث الدامية في غزة والتي راح ضحيتها اكثر من 60 غزّيّ.
أول اختبار للوصاية الاسرائيلية.. تركي!
ذهاب الأسرة الهاشمية للرئيس التركي وفي العاصمة الدينية للدولة التركية العثمانية “اسطنبول” يعني “رأب صدع” عمره 102 عاما، منذ ما عرف بالثورة العربية الكبرى (1916) التي اقامها جد الملك عبد الله “الشريف الحسين بن علي” ضد الدولة العثمانية انذاك وبإسنادٍ من الغرب. لذا فالعودة الهاشمية للعثمانيين يعني بأبسط تفسيراته ان قاسماً مشتركاً ضخماً هو من أعاد الطرفان: الاردني والتركي.
فتمثيل عمان الذي ظهر كأقوى تمثيل في القمة كلها، قوبل بحفاوة من الرئيس التركي الذي أجلس الملك عبد الله على يمينه منذ بداية القمة، كرسالة ترحيب قوية ودعم واسناد للوصاية الهاشمية، وعلى قاعدة القدس تحديداً، إذا لم تكن “حصرياً”.
الطرفان عملياً متضرران وضررهما “وصل العظم” في نقل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس، وأكثر من تصريح صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنير الذي منح الوصاية على القدس للاسرائيليين، والتي لم ينتبه كثيرون إلى ان تركيا كانت اول من اختبر تبعاتها مع تجاوز للوصاية الاردنية.
فطرد أنقرة للسفير الاسرائيلي لديها، رد عليه الاسرائيليون بطرد القنصل العام التركي من القدس الشرقية، والذي عمله اساسا في رعاية وحماية المقدسات ورعاية مصالح الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة ولا عمل له مع الاسرائيليين، وهذه بحد ذاتها رسالة ضخمة ضد الوصاية الهاشمية على مقدسات القدس، والوصاية الاممية كذلك، تقول “ها قد بدأنا التمتع بالوصاية الممنوحة امريكيا”.
بهذه الصورة تلتقي “المصالح” الهاشمية الاردنية مع العثمانية التركية، وتتسامى من الجانبين عن “ازمة تجارية” تطل برأسها وتكبر خلف الكواليس منذ آذار/ مارس الماضي تحت شعار “اتفاقية التجارة الحرة” التي سيبدأ العمل بتجميدها شهر ايلول المقبل.
أزمة تجارية.. تقفز عنها السياسة..
قبل يومين فقط من القمة كان الاتراك يتذمرون من كون عمان ترفض العودة عن قرار حكومتها تجميد اتفاقية التجارة الحرة، بينما حكومة عمان تؤكد لـ “رأي اليوم” انها حاولت جهدها وانخرطت بمحادثات مضنية الا ان الاتراك يرفضون الالتزام ببنود الاتفاقية وهنا يتحدثون عن “مساعدات فنية” كان يجب على انقرة تقديمها بالاضافة لانشائها منطقة حرة في المفرق شرقي العاصمة الاردنية.
الملف شائك، والرأي الاردني فيه عنيف ويرى ان تركيا تبدو غير ما تفعل بالنسبة لاتفاقية التجارة- على الاقل-، الا ان عمان لا تخفي حرصها على استئناف جاد للمحادثات قبل نفاذ القرار.
سياسيا، قد تقرأ عمان ايضا ان تركيا تبدو غير ما تفعل فالرئيس التركي لم يقطع علاقاته الاقتصادية باسرائيل، ولكن بالمقابل تدرك العاصمة الاردنية ان احدا لم يفعل لا مع اسرائيل ولا مع واشنطن التي افتعلت اصلا الازمة، من هنا قد يبدو الذهاب للقمة الاسلامية بقوة هو اقصى ما تستطيعه عمان، في ضوء معضلاتها المتمثلة بإيصال المساعدات والاهتمام بمصالح الاردنيين والفلسطينيين وموظفي الاوقاف، في فترة ترى فيها العاصمة الاردنية نفوذ “اليمين” يتصاعد في اسرائيل بالاضافة للولايات المتحدة.
إلى جانب ذلك، تدرك عمان انها اذا ما حاولت اتخاذ موقف قوي مع آخرين فإن ليس امامها اليوم الا ايران، بعدما تجاهل محور مصر- الامارات- السعودية- البحرين ليس فقط القمة وانما القضية برمتها، لا بل وسارع في تجاهل المصالح الفلسطينية والاردنية وهو يتسابق على التطبيع مع اسرائيل. ذهاب الاردن لتركيا يبقيها في الطريق الامن، وهنا رسالة ايضا قوية للدول المذكورة والتي لا تربطها بتركيا علاقات جيدة ويتصاعد توترها معها.
الملك واخوته في القمة يمثلون “بيعة” بين العرش الهاشمي واسطنبول اليوم، وهذا بحد ذاته قد ينقذ ايضا العلاقات “الحكومية” والتجارية البينية من الحرج، فهي خارج المشهد، وممثل الحكومة الوحيد كان وزير الخارجية ايمن الصفدي، ووجوده ضرورة اقتضتها القمة.
عودة للقمة.. والهاشميين الغاضبين..
بيعة عمان للرئيس التركي لم تخرج عن نطاق ملف القدس وغزة حتى اللحظة، والوفد الهاشمي الرفيع الذي لم يبايع أحداً بهذه الصورة من قبل، قد يتطور لاحقا، ومشهد الامراء الاربعة الى جانب الملك، أثار الكثير من ردود الفعل الاردنية، فالرسالة التي تلقفها مسؤولون اردنيون تقول ان الملك وبعد ان اصطحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قمة اسطنبول الماضية (لم يحضر هذه المرة)، قرر هذه المرة ان “يشدد أزره بإخوته”، وهنا يوحي للاردنيين ان العائلة الهاشمية تتصدى بصدورها لملف القدس، كما يمنحهم المزيد من الثقة بأنه “ليس وحيدا” في مواجهة القرارات الامريكية المتسارعة والممارسات الاسرائيلية.
الملك في كلمته في اسطنبول تشكل موقفه من نقطتين اساسيتين الى جانب ما توافقت على القمة، الاولى انه غيّر الجملة الاردنية الشهيرة “القدس أخت عمان” ليحولها لـ “توأم عمان” الامر الذي يوحي به الى انه يحمل عمان على كفه، والثانية المكملة المتممة، اصراره على ايجاد الية دولية تمنع اي تغيير في الوضع القائم في القدس وهويتها. ورغم ان الملك بدأ حديثه بتحية “الشهداء” الا انه تركيزه بمعظمه كان على القدس، في لفتة واضحة الى ان عمان ترى نفسها قد قدمت ما تستطيعه في ملف غزة (التي تعتبرها اصلا مشكلة مصرية) عبر المساعدات والمستشفى الميداني والتعزيزات الطبية.
اختيار الوفد وتفاصيل الكلمة، تزامنت وفي اليوم ذاته مع حضور “هاشمي” قوي في مفاصل أخرى، حيث المستشفى الميداني في غزة يتسع ويزداد نشاطه، ويتوزع اطباؤه كمساندين في المستشفيات الفلسطينية، إلى جانب الدور القوي الذي قام به المفوض العام لحقوق الانسان الامير زيد بن رعد في مجلس حقوق الانسان وانتزاعه قرارا امميا بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ما جرى في غزة. إلى جانب رعاية ولي العهد الاردني (ابن الملك) الامير الحسين بن عبد الله يرعى ندوة المجلس العلمي الهاشمي (الذي يعتبر لقاء لمرجعيات فقهية من مختلف انحاء العالم) في عمان تحت عنوان ” مكانة القدس في الإسلام” والذي أعاد التذكير بالفتوى القاضية برفع الحظر عن زيارة القدس للفلسطينيين اينما كانوا وللمسلمين.
بكل الاحوال، الامراء الاربعة وظهورهم متحدين ملتفين حول الملك يعطي رسالة للخارج والداخل، خصوصا وان الصورة لهم ما ان ظهرت حتى التقطها الاعلامي خليل النظامي مقارنا اياها بصورة تم تسريبها قبل ساعات لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ونظيره الاماراتي محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن عيسى، وهم على ما يبدو في مصيف.
المقارنة توحي ان ملك الاردن استغنى عن الرباعي المذكور وغيره باخوانه، وهم ماقد يكونوا الاكثر وفاءً لملف القدس والوصاية الهاشمية من غيرهم، والاهم انهم معه في اسطنبول لاعلان “شراكة” بين العرش واسطنبول اردوغان (او المرجعية العثمانية بهيئتها الدينية) على قاعدة القدس اليوم، وقد تتوسع لتشمل الكثير من الملفات الاخرى قريبا.