حين استثنى السفير غوبرين “عمّان” وفضّل بن سلمان والسيسي: هوّة العلاقات تتسع مع ثلاثي مصر والسعودية واسرائيل
قبيل نقل السفارة للقدس وسرّ همسة الـ “مايكَين” الأمريكيين الأكثر تشدداً في الأذن الأردنية.. التحركات الاسرائيلية تحت المجهر ورغبة مرجعية في الاستمرار بـ “السكون”..
برلين- “رأي اليوم” – فرح مرقه:
يستخف مسؤولون حكوميون أردنيون بتصريحات السفير الاسرائيلي في القاهرة دافيد غوبرين، الذي تحدث فقط عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان باعتبارهما “شركاء اسرائيل”، دون أن يأتي على ذكر عمان رغم انها ومنذ اتفاقية وادي عربة ( أكتوبر 1994) باتت “شريكة” وتدفع ثمن هذه الشراكة شعبياً وخارجياً.
الأردن اليوم، قد يكون في أبعد مراحل رغبته عن تصريحات حول شراكته مع الاسرائيليين، خصوصاً مع اقتراب موعد افتتاح السفارة الامريكية في القدس والذي بدأ يخلق شد أعصاب اصلا في الشارع الاردني والدولة بآن معاً، إلا ان تصريحات السفير خلال احتفال سفارته في فندق ريتز كارلتون في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية، قد لا تُؤخذ فقط في سياق “التباهي والمفاخرة” بالشراكة مع السعودية ومصر واهمال الاردن، ولكن في سياق أخطر، حيث استبعاد الاردن (وبالتالي مصالحه) من التفكير الاسرائيلي في وقت يُشعل فيه الاسرائيليون الجبهة الجنوبية في سوريا من جهة، ويستعدون لاحتفالات نقل السفارة الامريكية الى القدس من جهة ثانية، وفي الحالتين فالمصالح الاردنية في عين العاصفة.
تصريحات السفير، أصرّت مصادر رسمية على كونها لا تدرك المشهد، فعمان، وبرغبة مرجعية، ترى نفسها كلاعب إقليمي بحكم الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ، ولكنها “مختارةٌ للسكون” في هذا الوقت كأفضل حلٍّ لوجودها بعمق الأزمات التي يساهم فيها الاسرائيليون والامريكيون بصورة أساسية، والتي تتصاعد اليوم تبعاتها واحتماليات تحولها من مناوشات ومعارك واعتداءات فردية لتأزيم في المشهد الكلّي في المنطقة.
العلاقات الاردنية الاسرائيلية ليست في أفضل اوضاعها- وهذا يمكن سحبه على المصريين والسعوديين طبعاً-، ولكن معلومات “رأي اليوم” تؤكد ان التنسيق مثلا على الجبهة الشمالية يتم وبصورة دقيقة مع عمان- على الاقل بالوضع الميداني-. الديناميات مختلفة والتفاصيل، حيث الاردن ينسق وروسيا وواشنطن والعشائر السورية والجيش السوري، وحتى الاسرائيليين، إلا أنه يبدو غير معني بتصدّر المشهدين السياسي والعسكري بأي حال طالما الجميع يحترم امنه وقواعده.
بالعودة خصوصاً لاسرائيل، عمان تراقب بدقة التصرفات الاسرائيلية وبعينين مختلفتين: الاولى على الشمال وما يمكن ان يحصل من تطورات بملف الهجمات الاسرائيلية- الايرانية. وعين عمان الثانية متركّزة على القدس، حيث “خط أحمر عريض” بالنسبة للاردن، وترى الدولة بشكل واضح ان الخطوة الامريكية “غير بناءة وتضرب عمق عملية السلام”، وتزيد ان كل الاحتجاجات الفلسطينية ضد اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده للقدس واعلانه “القدس عاصمة لاسرائيل”، مبررة ومتوقعة ومُدان اي نوع من العنف بالتعامل معها، ومن هنا يمكن قراءة انفتاح الدولة ايضاً على المزيد من الاحتجاجات في الشارع الاردني نحو نقل السفارة ومن مختلف الاطياف، حتى اللحظة على الأقل.
القدس أصلا تحمل مكانة اضافية في الوجدان الاردني، فمقدساتها تحت الوصاية الهاشمية الأردنية، والشارع يكنّ لها الكثير من المشاعر بسبب التاريخ المشترك مع المدينة، كما أنها واحدة من الاركان الواضحة والداعمة للنظام الهاشمي الحاكم في الاردن.
في المقابل، راقب العالم “فتوراً” في التعامل الأردني مع ملف القدس بعد اسابيع على القرار الامريكي. مصدر مغرق بالاطلاع، لا يرى ملف القدس فاتراً في الأردن، ورغم ان عمان بدت فعلاً اكثر راحة بالتعامل بالملف- برأيه-، إلا ان السر خلف الشعور بفتور التعامل الاردني مع القضية ليس “فقد الحماس” ولا حتى تبدّل الموقف، بل تصريحان متطابقان سمعتهما الدولة الاردنية من لسان الـ “مايكَين” في الادارة الامريكية: مستشار الرئيس الامريكي “مايك بنس” ولاحقاً وزير الخارجية الجديد ورئيس الاستخبارات الامريكية السابق “مايك بومبيو” سمحا بفسحة أمل رغم سوء القرار.
الجملة الامريكية ومن الادارة المتشددة تقول “ترامب لم يعلن حدود القدس ولا تحدث عن السيادة عليها وهذان يقررهما الفلسطينيون مع الاسرائيليين”. جملة من هذا الوزن، وان بدت جذّابة واقل تشدداً وتصلّباً من موقف الرئيس ترامب، الا انها بطبيعة الحال ورغم رأي الدولة، هي جملٌ من النوع “اللعوب” حيث لا تنعكس الا كمزيد من فرض الوقائع على الارض، حيث القيادة الفلسطينية “غير الموثوقة” في الكواليس والشارع المنفصل عن الرئيس القديم المستحدث محمود عباس، مقابل الدولة الاسرائيلية التي تمضي في مشروعها وتحظى بالدعم الامريكي وبصورة غير قابلة للجدل او التسويف، وفق مراقبين للمشهد.
رغم ذلك، تستطيع عمان ان تقنع نفسها بتصريحات اثنين من اشرس صقور الادارة الامريكية في الوقت الحالي، وهذا ما قد لا يندرج ضمن “ابر التخدير” قدرما هو تعامل مع الواقع والامكانات، فالخيارات العملية في يد الاردن تبدو شحيحة جدا لوقف اي اجراءات من وزن الاجراء الامريكي، خصوصا وعمان اليوم ترصد جيدا “انقطاعاً تامّاً” للمساعدات الدولية الدورية عنها الا من الامريكيين من جهة، وترصد ايضاً الشراكة النامية فعلاً بين الاسرائيليين والجوار التي تجعل اي رهان على جهد عربي موحّد وزخم يبدو رهاناً على “فرس خاسر”.