المعلن والمخفي في قمة السعودية
رأي القدس
يثير موقع مدينة الظهران التكهّنات حول اختياره مكانا لانعقاد القمة العربية التاسعة والعشرين.
يذهب الخاطر، بداية، إلى قرب المدينة من إيران، التي أصبح صراع المملكة العربية السعودية معها أحد محدّدات السياسة الكبرى في العالم العربي، وهو أمر كان هاجساً رئيسياً في الاجتماع، فقد ذكرت إيران بالاسم في البيان الختامي ضمن الفقرات الثامنة والتاسعة والتاسعة عشرة والرابعة والعشرين، كما أنها ذكرت بشكل غير مباشر في فقرات أخرى عن اليمن وسوريا والبحرين.
أعطت القمة اهتماما للقضية الفلسطينية فأكدت على «الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة دولة فلسطين»، وعلى «بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، كما أعلن عاهل السعودية تخصيص 200 مليون دولار لدعم برنامج الأوقاف الإسلامية في القدس ووكالة الإغاثة «أونروا».
لكن القمة، إضافة إلى تجاهل جرائم إسرائيل الأخيرة وقيام قناصيها بقتل 35 متظاهرا مدنيا فلسطينيا وإصابة الآلاف بجراح، فقد بدت إدارتها السعودية على تناقض مع مواقفها السياسية الأخيرة، وخصوصا مواقف ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان الذي اختطّ منذ استلامه المنصب مساراً حادا للتقارب مع إسرائيل كانت ذروته تصريحه أن من حق الإسرائيليين العيش «في أرض أسلافهم»، وهو ما اعتبره الإسرائيليون تصريح «بلفور» جديداً وتنازلا لم يقدم عليه زعيم عربي من قبل.
تعتبر الدول العربية، والسعودية على رأسها، الجامعة العربية اجتماعاً للخطب، والوعود التي لا يلزمها أحد بتطبيقها، ولذلك فهي تتشدّق بالدفاع عن فلسطين، ولكن ما أن ينفضّ السامر حتى تعود إلى ممارسة سياساتها الحقيقية التي تتناقض مع مصالح إخوانها وأشقائها، وخصوصاً الفلسطينيين الذين تشبه علاقتهم بالجامعة العربية سهما يرتفع مع كل اجتماع خطابة وصراخا وبلاغة مجانية ضد إسرائيل وجرائمها، لكنه ينكسر في الحقيقة استقواء على الفلسطينيين وتقربا من الدولة العبرية وتراجعا منهجيا عن المقدسات والمبادئ.
تجاهلت القمة أيضاً قضية سياسية وإنسانية كبيرة تتمثّل في حصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، وكان الأولى بمن يترأس اجتماع قمة عربية أن يبادر إلى فك الحصار عن أقرب البلدان العربية عليه، ويزيل القيود الجائرة التي فرضها، وأن «يراعي الجيرة وصلة الرحم».
كان مثيراً للسخرية، في هذا السياق، أن تستضيف السعودية قمة للدول العربية في الوقت الذي تقفل فيه حدودها البرية والبحرية والجوية أمام الوفد القطري المشارك الذي اضطر للقدوم عبر الأردن، وكذلك أن تعيد، مع دول الحصار، تكرار شروطها التعجيزية لفك الحصار قبيل عقد القمة، كما لو أن المشاركة في الاجتماع هو عقد إذعان واستسلام وليس للتنسيق بين دول متساوية في الوزن والمكانة والكرامة.
القمة بهذا المعنى، كانت تناقضا فاضحا بين أهدافها المعلنة (ومنها مثلا حماية «أمتنا من الأخطار المحدقة بها»)، وبين حقيقة ما تقوم به المملكة وحلفاؤها وهو ما يجعلهم، عملياً، أحد هذه الأخطار المحدقة، وسببا كبيرا لعدم الأمن والاستقرار و«المستقبل المشرق الواعد الذي يحمل الأمل والرخاء للأجيال القادمة»، (على حد قول البيان الختامي).
إحدى الإشارات المثيرة في هذه القمة، أن طائرات القادة العرب المشاركين هبطت في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية والتي بناها المهندس الأمريكي مينورو ياماساكي مصمم مبنى التجارة العالمية في نيويورك والذي تعرّض لهجوم عام 2001 قاده 15 سعوديا وإماراتيان ومصري ولبناني وأدّى عمليّا إلى اجتياح أفغانستان والعراق وصولاً إلى أغلب الكوارث التي شهدتها المنطقة لاحقا.
هذا التفصيل البسيط، قد يؤشر، بشكل غير مباشر، إلى حال تخاذل بعض الدول العربية أمام الأمريكيين والإسرائيليين، والاستقواء على شعوبهم وجيرانهم.