«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: التحولات الدائمة في العلاقات السعودية الأمريكية
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
قال رجل الدولة البريطاني «إرنست بيفن» ذات مرة أن مملكة السماء وقودها الخير، لكن ممالك الأرض وقودها النفط. وربما كان هذا هو الشعار الذي قاد السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، ثم السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. لكن خلال الأسبوعين القادمين، بينما يتجول ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة، ويلتقي بالرئيس والمسؤولين الحكوميين الآخرين وقادة الأعمال، فإن الرسالة ستكون مختلفة بكل تأكيد. فالنفط لم يفقد أهميته التي لا غنى عنها، لكن نفط السعودية فقد أهميته بشكل كبير.
ثورة النفط
ازداد الاهتمام بوجود النفط في الشرق الأوسط مع تحول الثورة الصناعية من الفحم إلى النفط. وعندما انهزمت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، انتهز البريطانيون والفرنسيون والروس الفرصة لإعادة تشكيل الهيكل السياسي للمنطقة المحيطة بمناطق النفط. وقد تم رسم الحدود قسرا على أساس النفط، دون النظر إلى الدول نفسها. وكانت المناطق التي يوجد فيها النفط في كثير من الأحيان هي المناطق التي يصعب رسم حدودها. وتم العثور على بعض من حقول النفط الأكثر قيمة على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية. وقد صاغ البريطانيون دولة يحكمها آل سعود للحفاظ على السلام في شبه الجزيرة، حتى يمكن استخراج النفط بسلام. وكانت السياسة الأمريكية في المنطقة مستمدة في النهاية من السياسة البريطانية حيث سعى البريطانيون لتأمين إنتاج النفط، وكذلك فعل الأمريكيون. ولذلك، حافظ كل منهما على علاقات وثيقة مع منتجي النفط، ومع السعوديين على وجه الخصوص.
ولم تتردد المملكة العربية السعودية في استخدام سلاح إمداداتها النفطية. وفي عام 1973، بعد بدء حرب بين (إسرائيل) والدول العربية المجاورة، فرض السعوديون حظرا نفطيا يستهدف داعمي (إسرائيل)، بمن فيها الولايات المتحدة وحلفائها. وكانت النتيجة هي اضطراب اقتصادي هائل في جميع أنحاء العالم الصناعي. وكان السعوديون والعرب الآخرون يسيطرون على ما يكفي من نفط العالم، لدرجة أنهم لا يستطيعون السيطرة على السعر فحسب، بل كانوا أيضا قادرين على السيطرة على إيقاع الحياة في العالم الصناعي. ويبقى النقاش قائما حول ما إذا كان الحصار بهدف تخفيف الضغط عن إخوانهم الفلسطينيين، أو كان مجرد رغبة في زيادة أسعار النفط (أو كليهما)، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن السعوديين سيطروا على الحياة الاقتصادية في معظم أنحاء العالم في ذلك الوقت.
وقد تعلمت واشنطن الدرس. وقد أصبحت سياسة الولايات المتحدة تعتمد على الحفاظ على علاقات جيدة مع السعوديين وحمايتهم من التهديدات السياسية والعسكرية. ولقد تم اختبار التزام الأميركيين في هذا الأمر عام 1990، عندما غزا «صدام حسين» الكويت، وهي منتج آخر مهم للنفط. ومن موقع العراق الجديد، تمكنت من تهديد حقول النفط الحيوية في شرق السعودية. وعند هذه النقطة، كان السوفييت أقل تهديدا مما كانوا عليه، لكن السياسة الأمريكية كانت لا تزال تشكلها الحرب الباردة. وكان العراق يميل بشكل أكبر إلى السوفييت، وكان الكابوس الأمريكي يتمثل في فكرة استيلاء السوفييت على حقول النفط السعودية، حيث سيكونون بذلك قد وضعوا أيديهم في حلق الولايات المتحدة وهيكل تحالفها. وحشدت الولايات المتحدة قوة عسكرية هائلة في السعودية، أولا لحماية حقول النفط السعودية، ثم لطرد «صدام» من الكويت. وقد شارك نحو نصف مليون جندي أمريكي في هذه المهمة.
تراجع الأهمية
ويبقى التزام الولايات المتحدة تجاه السعوديين قائما، لكن معنى الالتزام تغير لسببين. أولا، تغيرت الخريطة الجيوسياسية للنفط العالمي. وقد أدت مجموعة من الأحداث، لا سيما زيادة إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، واستخدام الغاز الطبيعي بدلا من النفط بشكل عام، إلى تقليل أهمية النفط السعودي. ولا تزال الإمدادات السعودية مهمة للغاية للعالم، لكن السعوديين لا يستطيعون أن يفرضوا حظرا نفطيا اليوم، ولم يعودوا يسيطرون على سعر النفط.
وثانيا، كانت الولايات المتحدة في عام 1990 القوة العظمى الوحيدة، معد قوة عسكرية واسعة. وقد تغلبت هذه القوة وحلفاؤها تماما على العراقيين، وكان أعظم نجاح عسكري أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. لكن هذه القوة الهائلة كانت تختبئ في داخلها عيوبا خطيرة. وقد استغرق الأمر 6 أشهر لبناء قوة قادرة على استعادة الكويت. وخلال ذلك الوقت، كان صدام قد تحمس ليأخذ حقول النفط السعودية. وعلاوة على ذلك، كان «تدنيس» أرض المملكة العربية السعودية بأقدام جنود القوات الأمريكية أحد الدوافع وراء ظهور تنظيم «القاعدة». ولا تزال العيوب والنتائج المترتبة على الحرب قائمة حتى اليوم.
واليوم، لا تزال الولايات المتحدة غير قادرة على الانتصار السلمي. وتقاتل القوات الأمريكية في العالم الإسلامي منذ عام 2001، مع نتيجة غير مرضية على الدوام، وقد استنزفت الحروب قوة الجيش في جيل مستمر من الحروب.
وما يعنيه هذا هو أنه - لأسباب متعددة - قد تقلص الأساس السياسي للدفاع عن المملكة. ولم يعد الجمهور الأمريكي متحمسا لاحتمال اندلاع حرب أخرى. وعسكريا، تبقى المشكلة نفسها، في الوقت الذي يتهيأ فيه مسرح الصراع لقوة عدوانية جديدة، وهي إيران في هذه الحالة. وبدلا من الدفاع عن حقول النفط، قد تضطر الولايات المتحدة في الحرب القادمة للقتال لأجل استعادتها. وهناك وجود كبير للقوات الأمريكية في أجزاء من المملكة، ومهما كان حسن نية الولايات المتحدة، فقد يؤدي هذا إلى عواقب غير سارة في العالم الإسلامي. ولم يعد النفط السعودي يسيطر على السوق العالمية. وحتى لو تمكنت إيران من الاستيلاء على نفط السعودية، رغم الشك في قوة إيران العسكرية، فلن يكون هناك سبب آخر وراء الاستيلاء على النفط الآن سوى بيعه. وبقدر ما يشعر الأمريكيون والمستهلكون الآخرون بالقلق، فإن النفط سوف يستمر في التدفق، سواء كانت السيطرة للسعودية أو إيران.
واقع اللحظة
بالطبع لا تريد الولايات المتحدة لإيران أن تسيطر على نفط جزيرة العرب، وسوف تعمل في حدود وسائلها ومصالحها لمنعها. لكن الولايات المتحدة تدرك أن الفوائد العائدة عليها من إنفاق مواردها في صراع كهذا ليست كما كانت عليه في عام 1990.
ولا يزال وقود ممالك الأرض هو النفط (على الرغم من وجود طاقة الرياح)، ولكن العالم لا يفتقر إلى النفط في الوقت الحالي. وقد فرضت بريطانيا سلطتها للسيطرة على نفط الشرق الأوسط، ثم ورثت الولايات المتحدة تلك القوة، والآن أصبحت هذه السلطة متوازنة. ولم تعد القاعدة الصناعية العالمية تعتمد على حقول النفط العربية ببساطة الآن.
وفي هذا السياق، يلتقي الأميركيون والسعوديون، فهم لا يزالون أصدقاء، مهما كان معنى ذلك في سياق السياسة العالمية. ولا يزال ينبغي عليهم الحديث حول أعدائهم المشتركين. لكن بالنسبة للأميركيين، فإن الالتزام تجاه السعوديين يتشكل من واقع هذه اللحظة، وليس من واقع لم يعد قائما. وبالطبع يظل احتواء إيران أمر مهم، لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل ذلك بمفردها. ومن مصلحة القوى السنية، مثل تركيا، مواجهة أمور مثل إيران من خلال الحصول على دعم إلى حد ما من الولايات المتحدة. ولكن أيا كان البيان الختامي للاجتماع، فإن هذا ليس عام 1990.
المصدر | جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز