هل تَعثُّر “الحَزم” في اليَمن ودُخول الحَرب عامَها الرَّابِع أبرز أسباب التّغييرات المُفاجِئة في قِمّة الجيش السعودي؟
وما هي الدُّروس التي اسْتَخلصها الأمير بن سلمان من هذهِ الحَرب؟ وهل أصْبَحت الكفاءة تتقدّم على الانْتِماء للأُسرة الحاكِمة؟
ذَكر مَصدرٌ غربيٌّ زارَ المملكة العربيّة السعوديّة في الأشهر القَليلة الماضية، والْتقى الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعودي، في جَلسةٍ خاصّة تحصّلت “رأي اليوم” على بَعض تفاصيلِها، أن الأمير بن سلمان كانَ في قِمّة الغَضب من أداءِ القوّات المُسلّحة السعوديّة في حَرب اليَمن، لدرجةِ أنّه قال “أن من أهم إنجازات هذه الحَرب أنّها كشفت لنا أنه لا يُوجد لدينا جيش يَرتقي إلى مُستوى طُموحات المملكة وخُططها المُستقبليّة في التحوّل إلى قوّةٍ عَسكريّةٍ إقليميّةٍ عُظمى تُواجِه التحدّيات الخَطيرة التي تُواجهها”.
التغييرات التي أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في قِمّة هَرم القوّات المُسلّحة السعوديّة فجر اليَوْمْ الثلاثاء، وأطاحت برئيس هيئة الأركان، وقِيادتيّ القوّات المُسلّحة الجويّة والبريّة، تُؤكِّد أن ما ذَكره المَصدر الغربي، مِثلما تَعكِس رغبةً سعوديّةً عُليا في إعادة هيكليّة الجيش، بِشكلٍ جذريّ من القمّة إلى القاع، بحيث تشمل عمليّة التَّحديث ليس إنفاق عشرات المِليارات من الدُّولارات على الأسلحةِ الحديثة، من طائِراتٍ ودبّابات، وإنّما العامِل البَشريّ أيضًا.
لم يَصدُر أيُّ توضيحٍ رسميّ لعمليّة التّغيير الشامِلة هذه التي طالت قِيادات المُؤسّسة العسكريّة السعوديّة، ولكن تزامنها مع إكمال الحَرب في اليمن عامَها الثالث، ودُخولها الرَّابع، دون تَحقيق مُعظَم أهدافها، يُؤكِّد علاقَتها الوَثيقة بهذهِ الحَرب وبعض إخفاقاتها، خاصّةً أن القِيادة السعوديّة على قناعةٍ راسِخة بأنّها تَخوض حربًا بالإنابة ضِد إيران في مُعظم جَبهاتِها مع حركة “أنصار الله” الحوثيّة.
مُلوك المملكة لم يُعيروا الكثير من الاهتمام لتقوية الجيش السعودي، الذي ظَلّ لسَنوات يُعتَبر الأضعف بين نُظرائِه في الدُّول الإقليميّة الكُبرى، خاصَّة في مَرحلتيّ الستينات والسبعينات من القَرن الماضي، حيث اجْتاحت الانقلابات العسكريّة المِنطقة، وقاوَم هؤلاء مُعظم المُحاولات لتَحديث الجيش خوفًا من انتقال هذه الظَّاهِرة إلى المملكة.
قبل 15 عامًا تقريبًا، دق الأمير بندر بن سلطان الجَرس عندما كان سفيرًا لبِلاده في واشنطن، حيث انْتقد أثناء اجتماعِ له مع عددٍ من رجال الأعمال السعوديين كان يزور العاصِمة الأميركيّة، وجَرى تسريب بعض ما وَرد فيه إلى أحد الصُّحف اللندنيّة، انتقد وضعيّة الجيش السعودي، وطَريقة إدارة والده الأمير المَرحوم سلطان بن عبد العزيز له، الذي كان وزيرًا للدِّفاع في حينِها، وأكّد أنّه بحاجةٍ إلى إعادة هَيكلة وتَحديث شامِلة، على أساس تقديم الكفاءة على الاعتبارات الأُخرى.
كان لافِتًا أن المراسيم التي أصْدرها العاهل السعودي وتضمّنت هذهِ التغييرات في قِمّة قيادة الجيش، جاءت بِناءً على طَلبٍ من وزير الدفاع، أي نَجله الأمير محمد بن سلمان، الرَّجل الذي أطلق “عاصفة الحزم” في اليَمن لـ”حَربٍ وقائيّة” حسب تَعبيره، بعد أسابيع مَعدودة من تولّيه الوزارة الأهم في الدَّولة، وكان في حينِها وليًّا لوليّ العَهد.
كان لافِتًا في هذهِ المَراسيم، عزل رئيس هيئة الأركان الفريق الأوّل الركن عبد الرحمن بن صالح بن عبد الله البنيان، وتعيين نائبه الفريق الركن فياض بن حامد بن رقاد الرويلي بعد ترقيته، وكذلك إنهاء خَدمات قائد قوّات الدِّفاع الجوي، الفريق ركن محمد بن عوض بن منصور بن سحيم، وقائِد القوّات البريّة الفريق ركن الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود رغم أن الأخير عُيّن في هذا المَنصب قبل عام تقريبًا، ممّا يعني أن الثلاثة يتحمّلون مَسؤوليّة الإخفاقات في مَيادين الحَرب في اليَمن، وجرى تقديمهم ككبش فِداء”.
إعفاء أمير من الجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز من مَنصِبه بهذهِ الطّريقة، وتَعيين بديل من خارِج الأُسرة الحاكِمة، يُوحي بنَقلةٍ جديدة في كَيفيّة إدارة شُؤون المُؤسّسة العَسكريّة تتّسِم بالجُرآة والجِدّية، حسب رأي العارِفين ببواطِن الأُمور في الشأن السُّعودي الرَّسمي.
الأمير محمد بن سلمان الذي يَستعِد للقِيام بجَولةٍ خارجيّةٍ تَشمل بريطانيا كأحد أبرز محطّاتها، يُريد أن يُحكِم قبضته الحديديّة على المُؤسّسة العَسكريّة، من خِلال وضع رِجاله في مواقِع القِيادة، تمامًا مِثلما فعل في المُؤسّسة الأمنيّة، والحَرس الوطني، الجيش المُوازي.
السُّؤال الذي يَطرح نفسه بقُوّة هو عمّا إذا كانت هذه التّغييرات سَتُحدِث تحوّلاً في مَيادين القِتال في اليمن، وخاصَّة على جَبهة الحُدود السعوديّة اليمنيّة المُلتَهبة، التي تُفيد تقارير قادِمة مِنها أن الجماعات المُسلّحة الحوثيّة حقّقت تقدّمًا مَلموسًا فيها رغم ضَعف قُدراتِها التسليحيّة؟ وهل سَتُخفّف من حِدّة الانتقادات الدوليّة لحَجم الخسائِر البشريّة والماديّة، من جرّاء القَصف الجويّ والحِصار الخانِق وما تُسبّبه من مُعاناةٍ وفَقر وجُوع لأكثر من 23 مِليون يمني؟
من الصَّعب الإجابة عن هذهِ الاسئلة، خاصّةً أنّه لم يَمُر إلا يوم واحد عليها، أي التّغييرات، ولكن ما نَحن واثِقون منه في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” أن الحَل العَسكري الذي جرى تَجربته لمُدّة ثلاث سنوات، من الصَّعب أن يَحسِم الحَرب ويُخرِج المملكة من مَأزقِها، وإن كان تَحسين أداء القوّات السعوديّة المُفتَرض، قد يُشكِّل ورقة ضَغط للوصول إلى الحَل السياسي عبر المُفاوضات، ولعلّ تزامن هذه التّغييرات مع تَعيين بريطاني كمَبعوثٍ دوليٍّ جديد خَلفًا للسيد إسماعيل ولي الشيخ يَشي بالكَثير في هذا الإطار.
سنَنتظر التطوّرات على الأرض قبل إصدار أيِّ أحكام، ومن المُؤكّد أنّه سَتكون لنا عَودة إلى هذا المَلف في الأسابيع المُقبِلة.
“رأي اليوم”