«الجنادرية» لا يحجب التجاذبات: سخط شعبي على «إصلاحات» ابن سلمان
على وقع التجاذبات المتزايدة بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية الجديدة الساعية إلى تقليص نفوذ الأولى، وفي ظل الجدل المتصاعد بشأن «الإصلاحات الاجتماعية» التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، افتُتحت، أمس، في السعودية، النسخة الـ32 لمهرجان الجنادرية السنوي، التي لم تخلُ من رسائل على المستويين الداخلي والخارجي. رسائل بعث بأبرزها استبقاء جناح لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» داخل المهرجان، والاستعانة بأعضائها الميدانيين وموظفيها الإداريين لتنظيمه.
وهو تقليد سنوي يتكرر في كل نسخة من «الجنادرية»، إلا أنه هذا العام يحمل دلالة إضافية بالنظر إلى الخطر الذي تستشعر الهيئة أنه بات يتهددها، ومحاولاتها تطويق دائرة نفوذها بعناصر حماية.
هذه المحاولات كان آخرها قبل أيام عندما استبقت الهيئة قراراً محتملاً بمنع إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة، بقولها، في بيان نُشر على حسابها في «تويتر»، إن «من أعظم أعمال الملك عبد العزيز عند تأسيس المملكة أن جعل رجالاً يأمرون الناس في الأسواق العامة بأداء الصلاة، وحثّ الناس على ذلك، وسار على ذلك أبناؤه البررة، وجرى عليه العمل إلى وقتنا هذا». ويأتي تحذير «الأمر بالمعروف» في ظل توقعات بأن يقدم ابن سلمان على قرارات «أكثر جرأة»، من شأنها توجيه ضربات إضافية إلى الهيئة، بعدما عمد إلى تحجيم صلاحياتها.
وجّهت إمارة الرياض
بمنع الاختلاط في المطاعم والمقاهي
«هواجس» لا تقتصر على المؤسسة الدينية، بل تمتد إلى إمارات المناطق والأوساط الشعبية التي يعسر عليها تقبل «إصلاحات» ابن سلمان؛ على اعتبار أن الأخيرة من شأنها تبديل هوية المجتمع السعودي. في هذا الإطار، يأتي توجيه أمانة منطقة الرياض جميع البلديات الواقعة ضمن اختصاصها بمنع الموسيقى والاختلاط والتدخين في المطاعم والمقاهي وداخل المجمعات التجارية، بناءً على توجيهات أمير المنطقة، و«تطبيق لائحة الغرامات والجزاءات بحق المخالفين».
وترافقت تلك التطورات مع تجدد الجدل في الأوساط الشعبية بشأن مقتضيات سياسة «الانفتاح» التي ينتهجها ابن سلمان. جدل تمظهرت آخر صوره أمس في بروز موجة استنكار لموضوع عن فوائد النبيذ نشرته صحيفة «إيلاف» السعودية الإلكترونية، بعد فترة من نشر صحيفة «عكاظ» موضوعاً عدّه سعوديون «ترويجاً للشذوذ الجنسي». وكان انتشار مقطع فيديو، قبل أيام، يظهر عريساً وعروساً حاسرة الرأس وهما يرقصان على كورنيش جدة، أثار انتقادات عارمة، اضطر بفعلها أمير مكة، خالد الفيصل، إلى توجيه محافظ جدة، مشعل بن ماجد، بـ«منع المخالفات المنافية للقيم الإسلامية، والمتعارضة مع العادات والتقاليد السعودية الأصيلة في الأماكن العامة». ويوم أمس، استدعى انتشار مقطع يظهر وصلات غنائية ورقصاً في حفل لـ«تكريم شهداء الواجب» في محافظة الطائف، سلسلة تغريدات ومداخلات استنكرت ما حدث، داعية إلى محاسبة المسؤولين عنه. والجدير ذكره، هنا، أن «هيئة الترفيه» اضطرت، غير مرة، إلى إلغاء فعاليات لها، تحت الضغط الشعبي، مثلما حصل لحفل المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب.
في خضم ذلك، تواصل السلطات مساعيها إلى إحداث التغيرات التي تقتضيها «رؤية» ابن سلمان، التي من بينها تهيئة الأجواء الملائمة لتدفق السياح الأجانب إلى المملكة. في هذا السبيل، كان افتتاح «مهرجان الملك عبد العزيز للإبل» قبل أيام، الذي حرصت المملكة على حضور العنصر الأجنبي فيه، بهدف إيصال رسالة مفادها أن «السعودية فتحت أبوابها للسياحة العالمية». لكن المدّ والجزر المتواصلين مع المؤسسة الدينية، والسخط الشعبي المتعاظم على إجراءات يعدها السعوديون منافية لتقاليدهم، يجعل مصير «إصلاحات» ابن سلمان على المحك، بل ويتهددها بمخاطر أكبر مما يتراءى لولي العهد.
(الأخبار)