الإفراج عن أبْرزْ “حيتان” مُعتَقل “الريتز كارلتون” الفَخْم هل جاءَ نتيجة تسويات “ماليّة”؟
ومتى يَتحدّث النائب العام عن التّفاصيل؟ ولماذا تَحدّث الوليد بن طلال لـ”رويترز″ قبل الإفراج عنه بِيَومين؟ وهل انتقلَ إلى الإقامةِ الجَبريِّة؟ وما مَصير الإمبراطوريّات الإعلاميّة الخاصّة؟
أفرجت السُّلطات السعوديّة مساء الجمعة وصَباح السبت عن أبرز المُعتَقلين بِتُهم الفَساد الذي اعتَقلتهم في حَملةٍ شَنّتها قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، وشَغلتْ الرأي العام داخِل المملكة وخارِجها، وشَكَّلت صُداعًا لصانِع القرار السعوديّ لِما ألحَقته من ضَررٍ بسُمعة المملكة، وأنظمتها القضائيِّة بسبب الضجَّة الإعلاميّة التي رافَقتها.
كان الأمير الوليد بن طلال من أبرزْ الذين غادَروا مُعتقل فندق “الريتز كارلتون” الفَخم، إلى جانِب “وليد” آخر هو الوليد الإبراهيم، أحد أبرز مُلّاك إمبراطوريّة (MBC) الإعلاميّة، وكذلك الأمير تركي بن ناصر، وكان يَتولّى رِئاسة هيئة الأرصاد، والسيد خالد التويجري، رئيس ديوان الملك الرَّاحِل عبد الله بن عبد العزيز.
مَعلومات وتوضيحات قَليلة صَدرت عن السُّلطات السعوديّة، والنّائِب العام الشيخ مسعود المعجب، حول عمليّة الإفراج هذه، والظّروف التي أطاحت بِها، وما زالت هُناك العَديد من علامات الاستفهام حَول ما إذا كان هذا الإفراج نتيجة تَبرئَة هؤلاء من تُهَم الفساد ونَهب المال العام المُوجّهة إليهم، أو نتيجة التوصّل إلى “تَسوياتٍ ماليّة” دَفعها هؤلاء لخَزينة الدَّولة.
الوليد بن طلال الذي حَقّق انتِشارًا إعلاميًّا في الأسابيع الماضية لم يُحقّقه طِوال سَنوات عُمره التي تَزيد عن سِتّة عُقود، خَرج الرّابِح الأكبر من عَمليّتي الاحتجاز والإفراج مَعًا، لأنّه ارتبط في أذهان كثيرين داخِل المملكة وخارِجها، بأنّه الرَّجل الذي أصرَّ طِوال فَترة الاعتقال على بَراءَته، ورَفض التَّسليم باتهامات الفَساد، وأصرَّ على مُحاكمةٍ عادِلة، وعَزّز هذا المَوقِف المُقابلة التي أجراها حَصريًّا مع وكالة “رويترز″ الدوليَّة بمُوافقة السُّلطات، وحَرَصَ خِلالها على نَفي أي مُعاملةٍ سيّئة تَعرّض لها، وأكّد أن هُناك “سُوء فَهم” وأن قضيّته سَتطول لأنّه مُصمّم على تَبرِئة ساحته من كُل التُّهم المُوجّهة إليه.
الإفراج عنه بَعد يَومين من إجراء هذهِ المُقابلة يُوحِي بأنّها جاءَت في إطارِ “صَفقةٍ” مع السُّلطات، وبأنّ الإفراج عَنه تم دون تَسويةٍ ماليّةٍ، لأنّه من غَير المَعقول أن يكون قد جَرى التوصّل إلى تَسويةٍ في ظَرف 24 ساعة، وإذا كان الإفراج جاء نتيجة “تسويةٍ ما” ماليّة أو سياسيّة أو إعلاميّة، فإنّ الأيّام، وربّما الأسابيع المُقبلة، ستَكشف عَنها سواء من قِبل النائب العام الذي يَتعرّض لضُغوطٍ مُكثّفة من الرأي العام ونُخبته السياسيّة، أو من خِلال تسريبات للمُتّهمين المُفرج عنهم للإعلام الأجنبي.
كان واضِحًا، ومُنذ بداية حملة الاعتقالات هذه، أن الأمير محمد بن سلمان، رَجُل المملكة القويّ، وصاحِب القرار الأول والأخير فيها، يُريد السَّيطرة على الإعلام السعودي، وإنهاء ظاهِرة الإمبراطوريّة الإعلاميّة الخارِجة عن سُلطة الدَّولة، وتَعود مُلكيّتها إلى أُمراء ورِجال أعمال، ويُمكن استخدامها كأدوات ضَغط في ظِلْ وجود أجنحة مُتنافِسة داخِل الأُسرة الحاكِمة.
فلم يَكُن من قبيل الصُّدفة اعتقال الأمير الوليد بن طلال الذي يَملُك شركة “روتانا”، ومَنعه من إطلاق مَحطّة “العرب” التلفزيونيّة الفضائيّة من البحرين أو قطر قبلها، وكذلك اعتقال الوليد الإبراهيم المُتربّع على عَرش امبراطوريّة (MBC) العِملاقة المَحسوبة على جَناح “آل فهد” في الأُسرة الحاكِمة، وتَنطلق من دبي، بعد أن رفض “عُروض استحواذ” عديدة من قِبَل مُؤسّسات تابِعة للأمير بن سلمان، قبل تَولّيه وِلاية العهد، وأخيرًا اعتقال رَجُل الأعمال صالح كامل وابنه، صاحِب أوّل مؤسسة إعلاميّة خارِج المملكة (ART) التي سَيطرت حتى فترةٍ قَريبةٍ على بَثْ مُباريات كأس العالم، والمُباريات الكَرويّة العالميّة والإقليميّة الأُخرى إلى جانِب برامِج ترفيهيّة فنيّة مُتعدّدة.
من المُرجّح أن ما حَصل مع هذهِ الوَجبة “شِبه الأخيرة” من المُفرَج عنهم، وخاصّةً أقطاب الإعلام المَذكورة أسماؤهم آنفًا، هو تَسويات “إعلاميّة” أكثر مِنها “ماليّة”، وَضعتْ إمبراطوريّاتِهم في قَبضة الأمير محمد بن سلمان الحديديّة والدّائرة الضيّقة المُحيطة بِه، وإنهاء حالة الازدواجيّة في الخَريطة الإعلاميّة السعوديّة.
ربّما سيكون من الصّعب على الفُضوليين البَاحثين عن الحَقيقة، أو أي جُزء مِنها، في قَضيّة الاعتقالات هذه، الوصول إلى مُبتغاهم قَبل الحُصول على إجابةٍ قاطِعة حول حجم الحُريّات الشخصيّة المُتاحة لهَؤلاء المُفرَج عنهم الجمعة والسبت، وخاصّةً حُريّتي الحَركة والكلام بالتّالي عن ظُروف اعتقالِهم، بمَعنى آخر، هل سيَنتقلون من الإقامةِ الجبريّة في فندق “الريتز كارلتون” إلى الإقامة الجبريّة في قُصورِهم الفَخمة، أم سيتم السَّماح لهم بالسَّفر إلى الخارِج لأي سبب لمُتابعة أعمالهم التجاريّة والماليّة؟
قضيّة مُعتقَلي الفساد في “الريتز كارلتون” لن تَختفِ من رادار الاهتمام داخِل المملكة وخارِجها بسُهولة وسُرعة، ولكن الأمر المُؤكّد أن الإفراج عن المُعتَقلين الذين يَزيد عددهم عن 200 أمير ورجل أعمال ستُخفّف حتمًا من حِدّة الصُّداعين، السياسي والإعلامي النّاجمين عنها بالنّسبة إلى السُّلطات السعوديّة، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، على وَجه الخُصوص ولو إلى حين.
الفَساد سيَظلْ الآفة الأخطر التي تتغلغل في المملكة ومَفاصِلها، وكل الدُّول العربيّة الأُخرى، ولعلَّ أهم الدُّروس المُستخلَصة من قضيّة المُعتقلين في “الريتز كارلتون” أنّها سَلّطت الأضواء على هذهِ الآفة، وألزمتْ الدَّولة السعوديّة بضَرورة المُضِي قُدمًا في مُكافحتها واجتثاثِها من جُذورِها، لتَبرئة نَفسها، وإثبات مِصداقيّة نَواياها، ونَفي صِفة “الانتقائيّة” وتَسوية الحِسابات الشخصيّة في بَعض جوانِبها.
“رأي اليوم”