بـ«الأغلى».. شيزوفرينيا «بن سلمان» بين التقشف الحكومي ومكافحة الفساد
أحلام القاسمي
«الأغلى».. هو السبيل الذي اتخذه ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، لشراء ما يتمناه ويرغب فيه تلبية لاحتياجاته الشخصية، ضاربا بعرض الحائط احتياجات شعبه الذي أقر عليهم مؤخرا ضرائب ورسوم لمواجهة الأزمة المالية التي تواجه بلاده جراء انخفاض أسعار النفط.
«جنون العظمة»، كان وصف صحيفة «الغارديان» البريطانية لـ«بن سلمان»، في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو وصف يطلق على الشخص عندما يبالغ بوصف نفسه بما يخالف الواقع، وهي إحدى الحالات المرضية.
خلال أشهر معدودة نجح في الحصول على لقب مالك أغلى الأشياء في العالم، عقب شراء أغلى يخت وأغلى لوحه وأخيرا أغلى بيت.
1.3 مليار دولار، هي قيمة ما دفعه «بن سلمان» في الأغلى، ولا يزال أمامه متسعا لشراء أشياء أخرى، قد تكون ذات نفس الطابع «الأغلى»، كونه لا يتعدى 23 عاما، والوريث الأوحد لحكم المملكة حاليا.
لا أحد يعلم قيمة ثروة ولي العهد السعودي، ولكن اسمه لم يذكر في أغنياء العالم، خلال الأعوام الماضية، وهو ما يثير علامات الاستفهام حول ثروته والأموال التي يشتري بها رغباته، في ظل قيادته حملة على أمراء ورجال أعمال بدعوى التربح غير المشروع والفساد المالي.
اليخت الأغلى
البداية كانت في أكتوبر/تشرين الأول 2016، حين كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن «بن سلمان»، اشترى يختًا بـ550 مليون، هو الأغلى في العالم.
وقالت الصحيفة إن الأمير السعودي اشترى يخت «سيرين» من ملياردير الفودكا الروسي «يوري شيفلر» أثناء قضائه عطلة في جنوب فرنسا، وأرسل مساعده وأنهى الصفقة، وحدثت البيعة في غضون ساعات.
وذكرت الصحيفة أن اليخت كان سعره 330 مليون دولار، بيد أن «يوري» المالك الأصلى، ربح ما لا يقل عن 200 مليون دولار جراء الصفقة.
اليخت صُنع في عام 2011، ويصل طوله إلى 440 قدمًا، ويضم حمامات سباحة، و12 غرفة فاخرة، ومنصتين لهبوط الطائرات الهليكوبتر.
اللوحة الأغلى
وفي وقت سابق الشهر الجاري، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «بن سلمان»، هو المشتري الحقيقي للوحة «سالفاتور موندي» (مخلص العالم) للفنان الإيطالي الشهير «ليوناردو دافنشي»، التي تعد الأغلى في التاريخ ويبلغ ثمنها 450.3 مليون دولار.
وأوضحت الصحيفة، نقلا عن مصادر بالمخابرات الأمريكية ومصدر سعودي، أن «بن سلمان» أوعز لوكيل سعودي بإتمام عملية الشراء، التي تعد الأغلى في تاريخ المزادات.
وكشفت المصادر أن الأمير «بدر بن فرحان آل سعود» رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، والمقرب من ولي العهد، هو المشتري على الورق أو الوكيل، بينما «بن سلمان» هو الزبون الحقيقي أو مالك اللوحة.
ويفترض أن اللوحة تمثل «المسيح»، وتصوره وهو رافعا يده اليمنى، وفي يده اليسرى كرة زجاجية يعلوها صليب، وقد رسمها الفنان الإيطالي الشهير «ليوناردو دافنشي»، وتعد الأغلى في العالم.
وعن ذلك، قالت «نيويورك تايمز»، إن هذا الشراء يتناقض مع بعض الثوابت الدينية في المملكة حيث يعتبر رجال الدين بها أنه لا يجوز التصوير الفني لأي من الأنبياء.
وعلى الرغم من إعلان متحف «لوفر أبوظبي» في حسابه على «تويتر»، إن اللوحة ستأتي إلى المتحف، إلا أنه لم يكشف عن هوية المشتري، ولم يقل إن كانت اللوحة ستعرض بشكل دائم.
وهذه اللوحة، هي آخر عمل معروف للفنان الإيطالي الذي يعود إلى عصر النهضة، وتوفي عام 1519 ميلادية.
القصر الأغلى
واليوم، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن عملية بيع قصر «لويس الرابع عشر» بأكثر من 300 مليون دولار قبل عامين، كانت لصالح «بن سلمان».
عملية البيع الذي وصفتها مجلة «فورتشن»، حينها بأنه «أغلى منزل في العالم»، أخذت «تاون آند كانتري» تسهب في وصف نافورته المورقة من الذهب، والتماثيل الرخامية، وحديقته المليئة بالمناظر الطبيعية التي تبلغ مساحتها 57 فدانا.
وتمت التغطية على ملكية القصر، الذي يقع بالقرب من فرساي في باريس، بعناية من خلال شركات في فرنسا ولوكسمبورغ، تعود ملكيتها إلى شركة «ثمانية للاستثمار»، وهي شركة سعودية تديرها مؤسسة ولي العهد الشخصية، ويقول مستشارون لأفراد العائلة المالكة إن القصر ينتمي في النهاية إلى ولي العهد.
ويبدو بالعين المجردة أن القصر الملكي قد بني على أساس معيار عالمي من الفخامة الصارخة، وتم مزج تصميم القرن الـ17 بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين، ويمكن التحكم في النوافير، ونظام الصوت، والأضواء وتكييف الهواء، من خلال الهمس عن بعد عن طريق الهاتف.
وذلك إلى جانب المزيد من أشكال الفخامة مثل قبو النبيذ والمسرح والسينما، مع مساحة من السقف يدخل منها الهواء الطلق، في حين يضم القبو غرفة شفافة تحت الماء مع سمك الحفش والكوي يسبح في الماء، ويقف تمثال مصنوع من رخام كرارا لـ«لويس الرابع عشر» على الأرض.
تناقض هذا ما تم الكشف عنه حتى الآن، وقد يكون هناك غيره من عينة «الأغلى» لما تنكشف بعد.
إلا أن ما انكشف فعليا، هو ما التناقض الذي يعيش فيه «بن سلمان»، على صعيدين، الأول بالبذخ الشخصي مقابل التقشف الحكومي، والثاني بالشراء الواسع من خلف الستار، في ظل تحركاته لمكافحة الفساد.
وكانت السعودية شهدت حالة من الركود في أوائل 2016.
وقلصت الحكومة الإنفاق لتجنب أزمة مالية بسبب انخفاض عائدات صادرات النفط. ونتيجة لذلك نما القطاع غير النفطي للدولة بمعدل 1% فقط في الربع الثاني مقارنة بالعام الماضي بعد أن تقلص 0.1% في الربع الأول.
ودفعت تراجعات النفط، الحكومة السعودية لطرح أول سندات دولة مقومة بالدولار العام الماضي، جمعت من خلالها 17.5 مليار دولار، إضافة لقرض دولي بقيمة 10 مليارات دولار، لتعود وتطرح أخيراً، صكوكاً جديدة بقيمة 9 مليارات دولار.
كما أعلنت الحكومة بدء فرض ضرائب للقيمة المضافة وضرائب انتقائية على سلع وخدمات، وفرضت رسوما على المواطنين والمقيمين، قبل أن تعلن نيتها رفع الدعم، لمواجهة العجز.
كما تحتجز السلطات العشرات من أفراد العائلة المالكة والمسؤولين ورجال الأعمال، ضمن حملة تقول إنها مكافحة للفساد، حيث يواجه الموقوفون اتهامات تشمل غسيل الأموال وتقديم رشا والابتزاز واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية.
وفي وقت سابق، قال النائب العام السعودي، «سعود المعجب»، إنه تم استدعاء 208 أشخاص في المجمل لاستجوابهم فيما يتعلق بتحقيقات الفساد، التي طالت عددا من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال في المملكة.
يأتي ذلك فيما تقول مصادر متطابقة، إن عدد المعتقلين أكبر من ذلك بكثير، وإن عدد الحسابات المصرفية المجمدة في البنوك السعودية، لوزراء ومسؤولين ورجال أعمال محليين، بلغ أكثر من 1600 حساب.
وتحدثت تقارير إعلامية عن إبرام صفقات مع بعض الأمراء ورجال الأعمال تم بموجبها الإفراج عنهم مقابل تنازلهم عن بعض مملتكاتهم وأرصدتهم.
المصدر | الخليج الجديد