«فورين بوليسي»: «محمد بن سلمان» لا يرغب في الحديث عن القدس

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2199
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير الخليج الجديد
 تعتبر المملكة العربية السعودية - حامية الإسلام وموطن أقدس المواقع الإسلامية - مكانا جيدا للحكم على تأثير اعتراف الرئيس «دونالد ترامب» بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) على المصالح الأمريكية في المنطقة.
ومع وضع رد فعل الجماعات المسلحة - مثل حماس وحزب الله - والدول الراعية لها في طهران ودمشق، كان من المؤكد خروج ردود فعل غاضبة من السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية، أكبر دولتين من حيث عدد السكان الفلسطينيين. لكن كان السؤال الحقيقي هو كيف سيكون رد فعل أصدقاء أمريكا المرتبطين بدائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وإذا كان هناك مكان قد توقعنا - منطقيا - أن نسمع أن المسلمين فيه قد يعبرون عن غضبهم الرهيب بسبب تسليم القدس لليهود، فإنه سيكون في أروقة السلطة في العاصمة السعودية الرياض.

لكن لم يحدث ذلك.
وفي الأسبوع الماضي، كنت في الرياض، أترأس وفدا يضم أكثر من 50 زميلا وداعما من مركز الشرق الأوسط للتفكير الذي أديره. وفي يوم الأربعاء، قبل ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي عن قراره بشأن القدس، كنا قد أمضينا 5 ساعات في اجتماعات مع 3 وزراء سعوديين مختلفين، وناقشنا كل شيء، من الأزمات مع اليمن وقطر ولبنان، إلى برنامج «رؤية 2030» الطموح للمملكة، مرورا بالاكتتاب العام المحتمل لشركة أرامكو النفطية الحكومية.
وبحلول ذلك الوقت، كان البيت الأبيض قد قدم العديد من الإحاطات الإعلامية الأساسية للدبلوماسيين الأجانب ووسائل الإعلام، ولذلك كان جوهر الإعلان الوشيك معلوما جيدا. ولكن على الرغم من العديد من الفرص التي سنحت لذكر القدس في تلك الاجتماعات، لم يتم ذكرها أبدا.
ولعل السعوديين كانوا ينتظرون اجتماعنا الأخير في هذا اليوم - كما اعتقدت - خلال محادثة مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي. وعلى مدى عقود، كانت هذه تمول المدارس والمساجد والمؤسسات الدينية الأخرى، التي كانت بمثابة حاضنات للجهاديين السنة. ومن المؤكد أن أمينها العام يدين اعتداء أمريكا على حق المسلمين في القدس.
ومما أدهشني، أن الأمين العام للرابطة - الجديد نسبيا - «محمد العيسى»، تحدث برسالة مختلفة جدا. فلم يمر ذكر القدس بين شفتيه أبدا. وبدلا من ذلك، أخذ يتفاخر بالصداقات التي كونها مع الحاخامات في أوروبا وأمريكا، والزيارة التي قام بها مؤخرا إلى كنيس في باريس، والحوار بين الأديان الذي قال إنه يدعمه الآن. لقد شعرت بأنني ضللت طريقي إلى السعودية.
ثم قلت لنفسي لربما ينتظر السعوديون أن يسمعوا بدقة ما سيقوله الرئيس «ترامب» في بيانه. وذهبت إلى الفراش في تلك الليلة واثقة من أننا سوف نرى قريبا رد فعل غاضب من المملكة العربية السعودية.
وعندما تلقينا تأكيدا في صباح اليوم التالي أننا سنلتقي ولي العهد «محمد بن سلمان» - نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية وابن الملك المفضل - كنت أعلم أنني سوف أحصل على جواب أخيرا لتساؤلاتي.
وكان «بن سلمان» قد وعد بلاده بتغيير سريع وثوري في بلد لا يتحرك فيه أي شيء تقريبا. ومن خلال تركيز كل السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المملكة في يده، كنت أنتظر منه رد الفعل.
وعلى الرغم من أنه يتحدث بوضوح ويفهم اللغة الإنجليزية، اختار أن يلقي بيانه علينا باللغة العربية، وبعد بضع جمل، فهمت السبب. عندما فتح فمه، وتدفقت الكلمات كالسيل، اتضح أن لدى «بن سلمان» الكثير ليقوله - حول تفسخ الأفكار الراسخة ولكن غير الإسلامية حول فصل النساء والرجال، وحول احتواء إيران الآن أو محاربتها في وقت لاحق، ونحو مائة من المواضيع الأخرى - لكن كان من الواضح أن القدس لم تكن إحدى هذه المواضيع التي يتسع لها الوقت. وإذا لم نكن قد سألناه مباشرة عن إعلان «ترامب»، فربما لم يكن ليذكر الأمر على الإطلاق.
لكننا أردنا مغادرة الرياض بشعور واضح حول رأيه في هذه القضية، لذا سألناه. وللحفاظ على قدر من السرية، لن أقتبس من كلامه مباشرة، ولكنني أستطيع أن أقول أن حديثه اقتصر على كلمة واحدة عبر بها عن خيبة الأمل بشأن قرار الرئيس ثم انتقل بسرعة إلى حيث يمكن أن تعمل الرياض وواشنطن معا للحد من التداعيات واستعادة الأمل في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.

رؤية مختلفة
ولم يتوقف عند هذا الحد. وفي وقت توصف فيه العلاقات مع الولايات المتحدة - على نطاق واسع - بأنها واحدة من أحلك العلاقات الأمريكية مع العالم العربي على مدى عقود، عرض «بن سلمان» رؤية مختلفة جدا للعلاقة السعودية الأمريكية، مع إمكانات للشراكة السعودية الإسرائيلية.
وعلى الصعيد الأول، أكد مرارا وتكرارا قوة الشراكة الأمنية - التي أشار إليها بفخر بأنها الأقدم في المنطقة - بل هي أقدم من الشراكة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل). وبالنسبة لـ (إسرائيل) نفسها، فكان الحديث إيجابيا بشكل غير عادي. وخلافا لما سمعته من زعماء سعوديين في زيارات سابقة، لم يقل أي شيء عن التوسع الإسرائيلي، أو الغطرسة الإسرائيلية، أو عدم الإنصاف الإسرائيلي، أو التعدي الإسرائيلي على الحقوق الإسلامية في القدس. وبدلا من ذلك، تحدث عن المستقبل الواعد الذي ينتظر العلاقات السعودية - الإسرائيلية حالما يتم التوصل إلى السلام، والتزامه من الناحية العملية بتحقيق ذلك.
وبالطبع ذلك هو الرأي السعودي الرسمي. لقد توقعنا نقدا قاسيا للولايات المتحدة و«ترامب»، لكن سمعنا - بدلا من ذلك - توبيخا خفيفا للقرار، مع الكثير من الحديث عن الأمل في شراكة سعودية - إسرائيلية قوية. ولم تتح لنا الفرصة للضغط على «بن سلمان» لبيان ما سيفعله السعوديون على وجه التحديد لحث السلطة الفلسطينية على التوصل إلى اتفاق مع الإسرائيليين، ولكن في هذه اللحظة، طغى حديث «بن سلمان» عن الشراكة مع واشنطن و(إسرائيل) على أي مواضيع أخرى.
فهل كان «بن سلمان» يحدثنا فقط بما نريد سماعه؟ ربما. ومما لا شك فيه أن وفدنا قد افتتن بما قاله. ولقد تأثرنا - بشكل خاص - بسعيه إلى «الإسلام المعتدل»، وادعائه سعيه إلى تقليص عدد المتطرفين في المؤسسات الدينية السعودية بشكل كبير. وقدم نسبا محددة لمدى سوء المشكلة قبل عامين، ومقدار المتوقع بعد 3 أعوام من الآن. وبالنسبة لي، كان هذا اعترافا صارخا بالمسؤولية السعودية عن التعصب الديني، ودلالة قوية على التزامهم بالتغيير.
ولكن إذا قال «بن سلمان» ما كنا نريد سماعه فقط، فلماذا؟ فقد كان من الممكن حدوث العكس بسهولة - أي أنه كان بإمكانه أن يستغل هذه المناسبة لإرسال رسالة قوية من خلالنا إلى القادة الأمريكيين بشأن ارتفاع تكاليف الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل). لكنه لم يفعل ذلك، وهذا أمر كبير.
ويبدو أن أولئك الذين تنبأوا بأن رد الفعل العربي والإسلامي على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) سيكون مروعا، حيث تظهر موجات من المظاهرات المناهضة للولايات المتحدة والعنف الجماعي ضد المواطنين الأمريكيين والمؤسسات والمصالح الأمريكية في المنطقة - كانوا خاطئين تماما. فمن بين العرب الذين يحسبون - حلفاء لأمريكا - كان رد الفعل بشكل عام رصين ومعتدل. وكانت السعودية - مسقط رأس الإسلام - مثالا لتلك الحالة.

المصدر | روبرت ساتلوف - فورين بوليسي