مظلة فرنسية - أميركية للاستقرار النقدي: الجبير كاذب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2096
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لم تتجاوب سوق القطع مع تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن استخدام حزب الله المصارف اللبنانية لتبييض الأموال. إذ لم يُسجَّل أمس أي طلب غير اعتيادي على الدولار، ولم تنقلب حالة السوق من الهدوء الذي شهدته بعد عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته، إلى حالة الهلع التي أراد الجبير خلقها بتصريحه.

بل بدا أن هناك مظلة فرنسية ـــ أميركية لحماية الاستقرار النقدي في لبنان. الدواعي الفرنسية قائمة على الاعتقاد بأن تصريح الجبير يستهدف مبادرتهم لحماية الرئيس الحريري مباشرةً، فيما يرى الأميركيون أن الطريقة السعودية لا تخدم سعيهم إلى ضرب البنية المالية للحزب.

فخلال فترة احتجاز الحريري في السعودية وما تلاها، وصلت رسائل مباشرة، فرنسية وأميركية، إلى المعنيين في مصرف لبنان وجمعية المصارف تؤكد الحرص على الاستقرار النقدي في لبنان والحفاظ على القطاع المصرفي اللبناني في مواجهة التصريحات السعودية «الهوجاء»، على حدّ تعبير مصدر في مجلس إدارة جمعية المصارف. وتولّت السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد نقل رسائل الدعم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وللمعنيين في جمعية المصارف. كذلك وصلت رسائل فرنسية مباشرة بهذا الخصوص، يعتقد أنها شملت كبار المسؤولين في لبنان أيضاً.

وتقول مصادر مطلعة إن الرغبة السعودية في تسعير الحملة في وجه القطاع المصرفي جاءت لتعويض الخسارة التي مُنيت بها الرياض في معركة الحريري، مشيرة إلى أن هذه المحاولات شكّلت حافزاً للفرنسيين لتسريع عقد مؤتمر باريس لمجموعة الدول المانحة، بما يؤمّن تعميم الرسالة الفرنسية الداعمة للاستقرار في لبنان.

وجاءت هذه الرسالة بعد اطلاع باريس بالتفصيل على الوضع المالي والنقدي في لبنان منذ بدء الأزمة. فقد دقّق الفرنسيون مع سلامة في قدرة الرياض على زعزعة الاستقرار النقدي، وتبيّن لهم أن لا ودائع سعودية في مصرف لبنان، وأن السيناريو الأسوأ يكمن في خروج ودائع من لبنان بنسبة لا تزيد على 5% من مجمل الودائع. وهذا السيناريو مبني على أن السعودية قد توجه تهديدات مباشرة إلى المودعين الخليجيين ومودعين لبنانيين وغير لبنانيين يعملون في الخليج.

هذه المظلة شكّلت غطاءً لسلامة الذي بدا مرتاحاً جداً في مواجهة الأزمة. لكن ردود الفعل بين المصرفيين جاءت متفاوتة. إذ إن عدداً منهم رأى أن تصريح الجبير «لا يشكّل عملاً ممنهجاً»، ولا يعدو كونه «حرتقة لا طعم لها في ظل الدعم الفرنسي والأميركي». فيما لفت آخرون إلى أن مصدر القلق من هذه التصريحات مرتبط بإمكانية توفير الغطاء العربي للتعديلات المطروحة على قانون تجفيف منابع تمويل حزب الله، خصوصاً أن السعودية تمكنت من إدراج هذه المسألة في بيان وزراء خارجية جامعة الدول العربية، ثم تكرّرت عملية نشر الشائعات الرامية إلى الربط بين عمليات تبييض مزعومة يقوم بها حزب الله عبر المصارف اللبنانية، في منتدى الحوار المتوسطي في روما على لسان الجبير.

تصريحات الجبير الكاذبة انعكست فشلاً سعودياً ذريعاً، إذ لم يترك تصريحه أي تأثير فعلي على سوق القطع، فيما انبرى سلامة والمسؤولون في جمعية المصارف لنفي وجود أي علاقة بين «حزب الله» والمصارف. وأشار سلامة إلى أن «القطاع المصرفي اللبناني يكتسب الشرعية الدولية بما يخص التعاطي المصرفي والمالي»، فيما أوضح رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، أن تصريحات الجبير «كلام سياسي من دون أي سند قانوني أو واقعي له، وليس لصاحبه أي صفة فنية أو رقابية لإثباته»، لافتاً إلى أن مصارف لبنان «نجحت في اكتساب صدقية دولية جرّاء تحييد أعمالها عن نشاطات حزب الله وغيره من التنظيمات المدرجة على لائحة العقوبات الدولية». حتى إن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، نفى أن تكون هناك أموال للحزب تمرّ من خلال النظام المصرفي اللبناني!.

المشهد بعد تصريح الجبير الأخير يختلف تماماً عن المشهد يوم أعلن الحريري استقالته. إذ إن الطلب على الدولار لم يتوقف لفترة ثلاثة أسابيع بعد احتجازه، على عكس الهدوء في سوق القطع بعد تصريح الجبير الأخير. وفي رأي المطلعين، إن الهدف السعودي الكامن في التأثير بالإدارة الأميركية لدفع التعديلات على قانون تجفيف منابع تمويل حزب الله، لا تأثير فعلياً له. إذ إن التعديلات المطروحة قائمة ومخاطرها لن تتغيّر بسبب تصريح الجبير «الجاهل» بوجود قانون للسرية المصرفية في لبنان يحول دون حصوله على أي معطيات مستقاة من القطاع المصرفي اللبناني، بل إن تصريحه في الواقع يعكس رغبة انتقامية من القطاع المصرفي الذي لم ينخرط في حملة السعودية لزعزعة الاستقرار النقدي والمالي.

ورغم التناقض الظاهر بين الرغبات السعودية والمظلّة الأميركية لدعم الاستقرار في لبنان، فإن الاختلاف بينهما سطحي ويتعلق حصراً بالطريقة والتكتيك لضرب حزب الله. فالأميركيون، على خلاف السعوديين، يسعون إلى تضييق الخناق على الحزب وعلى البيئة الحاضنة له من خلال القوانين التي أقرّت وفرض تطبيقها على القطاع المصرفي، ومن خلال التعديلات المطروحة اليوم. لكن ما تقوم به السعودية ليس سوى «بوق» لا يخدم الأهداف الأميركية.

ومن أبرز مظاهر الخطر في التعديلات الأميركية الأخيرة، أن هناك مواد قانونية تمنح الرئيس الأميركي صلاحية استنسابية لتسمية داعمين ومؤيدين لحزب الله على لوائح العقوبات الأميركية وتجميد أموالهم وأصولهم حيثما استطاعت الإدارة الأميركية ذلك.

 

محمد وهبة / الأخبار