التداعيات العكسية لمساعي السعودية والإمارات تغيير النظام في قطر
ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد
بعد 5 أشهر من أزمة الخليج، من المرجح أن يؤدي الخلاف الاجتماعي والسياسي إلى إعادة عملية التكامل الخليجي سنوات إلى الوراء ، حيث تم إحداث انقسامات وخلافات بين شعب مرتبط بشكل طبيعي من خلال العلاقات الدينية والعرقية والقبلية.
وفي خضم الجمود الدبلوماسي حول أزمة الخليج، تطورت العداءات فوق المصالح، وتحولت إلى صراع حول السياسات في المجال العام العالمي.
وبدلا من العمل على إيجاد طريقة ممكنة للخروج من أسوأ أزمة في تاريخ «مجلس التعاون الخليجي»، فإن دول الحصار طورت على نحو متزايد وسائل لزعزعة استقرار دولة قطر من خلال نشر «حقائق بديلة».
سوء التقدير الاستراتيجي
منذ البداية كانت هذه الأزمة هجوما على التصور العام لقطر، في العالم العربي وفي الغرب على حد سواء، تم بناء الهجوم حول الرواية الرائجة للعدو في كل من الخليج ودوائر المحافظين الجدد في أمريكا، وهما إيران و«الإرهاب الجهادي»، ولكن سرعان ما فقد السرد التي تقدمت بها الدول الخليجية ومصر أهميته.
إن محاولة السعودية ودولة الإمارات بشكل خاص بناء واستغلال زخم معارضة إقليمية وعالمية لقطر في محاولة لإحداث تغيير في النظام في الدوحة، قام على سوء تقدير استراتيجي، حيث توقعت دول الحصار أن تدعم إدارة «ترامب» بالإجماع هذه الحملة التي تتهم قطر بالحفاظ على علاقات وثيقة مع طهران والجهاديين، ومع ذلك، على الرغم من أن «ترامب» أدلى ببعض التصريحات غير المتناسقة حول قطر، فإن كلا من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع سرعان ما خرجت لتناقض هذه الادعاءات ضد الإمارة.
وقد لعب السعوديون منذ فترة طويلة لعبة العروش الخطيرة من خلال تأليب زعماء القبائل ضد بعضهم البعض وبعد شهرين من الأزمة، بدا وكأن الكتلة الرباعية للحصار خسرت معركة الرأي العام في الغرب، وبينما بدأ الزعماء الغربيون في دعوة هذه الدول إلى رفع العقوبات، تم استقبال أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» بمستويات غير مسبوقة من الدعم المحلي، عند هذه النقطة، كان ينبغي أن يكون واضحا لأي خبير استراتيجي في الرياض أو أبوظبي أن تغيير النظام لم يعد خيارا.
ومع ذلك، دخلت الحملة الاستراتيجية للكتلة الرباعية ضد قطر مرحلتها التالية: عملية تغيير النظام في نستختها البديلة. وفي أواخر أغسطس/آب، عرضت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية «عبدالله بن علي آل ثاني» كوريث شرعي للعرش القطري.
عاش المنشق بهدوء في لندن والسعودية كرجل أعمال دون أن يعبر عن أي طموحات سياسية. وعلى الرغم من كونه شقيق أمير قطري سابق تم عزله عام 1972، فإن «عبدالله» لا يملك شعبية ولا قاعدة دعم عامة في قطر. وبالنظر إلى اهتماماته التجارية الواسعة في المملكة، يبدو من المرجح أنه تم استغلال ذلك ليصبح وجه هذه الحملة الجديدة.
وعندما أعلن اثنان من أبنائه علنا الولاء لأمير قطر، بدأت الإمارات ومصر بتفعيل «خالد الهيل»، رجل أعمال قطري يعيش في لندن. وقد أسس في عام 2014 حركة معارضة في قطر، وهي منظمة من قبل شخصين وهي ذات أجندة سياسية مشكوك فيها. ولكن عدم وجود دعم واضح لـ«الهيل» من الجهات القبلية لم يوفر له المصداقية والشرعية سواء في المنفى أو في الوطن، مما جعله مرشحا غير مناسب لتغيير النظام.
وبعد أيام قليلة من مؤتمر لندن في سبتمبر/أيلول عام 2017، بدأت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية في الترويج للمرشح الثالث: «سلطان بن سحيم آل ثاني»، الابن الثامن لوزير الخارجية الأول في قطر، والذي انتقل مؤخرا إلى باريس. ومثل «عبدالله»، لدى «سلطان» مصالح تجارية في المملكة العربية السعودية مما يجعله يتقبل استراتيجية المملكة.
واستنادا إلى أبحاثي الميدانية في قطر، فإن أيا من المرشحين ليس لديهم أي قوة لا في قطر ولا عبر الخليج، ولا أي مطالبة مشروعة بحكم الإمارة. كما أن غالبية القطريين يعرفون أن البلد مدين بتطوره الضخم وثروته الهائلة لقرارات وسياسات «حمد بن خليفة»، الأمير الوالد، وفرعه من قبيلة «آل ثاني»، وهي قبيلة تضم أكثر من 3500 عضو.
وبالتالي، وخلافا للمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر، لا يوجد معارضة اجتماعية سياسية في قطر.
وفي حين أن السعوديين لعبوا منذ فترة طويلة لعبة العروش الخطيرة، عبر تأليب زعيم قبلي ضد آخر ففي هذه الجولة يبدو أن الأوقات الناعمة التي نجحت فيها المملكة في إسقاط الأنظمة في المنطقة قد انتهت.
أضرار دائمة
على الرغم من أن دول الحصار قد وضعت دمى مطيعة مثل «عبدربه منصور هادي» في اليمن أو الجنرال «خليفة حفتر» في ليبيا فمن غير المرجح أن تعمل هذه الجهود في دولة ذات علاقات اجتماعية وسياسية متجانسة وشاملة مثل قطر.
وبدلا من ذلك، فإن تآمر اللجنة الرباعية مع نسيج من القبائل في قطر سوف لن يكون مردوده سلبيا فقط بين الأسر الحاكمة في الخليج ولكن الأهم بين أبناء الخليج أنفسهم.
إن التدخل الواضح من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة في الشؤون القبلية في قطر جعل من شعوب الخليج من الرعاة موضوعا للصراع لأول مرة، ويضطر أفراد القبائل العابرة للحدود الوطنية إلى اتخاذ مواقف، غالبا ضد أبناء عمومتهم أو أعمامهم أو آبائهم على الجانب الآخر من الحدود، وهي حدود ستتكرس في أذهان الناس بمرور الوقت.
كانت الخطة البديلة لدول الحصار لتغيير النظام تقوم على استقطاب المجال العام الخليجي، مما يؤدي إلى شكل من أشكال القومية التي تقوض الروابط القبلية التي تربط الخليج عبر الحدود، وفي نهاية المطاف، فإن إضعاف القاعدة القبلية التي تعمل في الخليج كقطب للاستقرار في منطقة غير مستقرة لن يزعزع استقرار دولة قطر وحدها، وسوف يعمد إلى نشر الانقسامات والخلافات بين شعوب تربطها ارتباطات طبيعية عبر العلاقات الدينية والعرقية واللغوية والقبلية.
وغني عن القول أن هذا الخلاف الاجتماعي والسياسي يعوق عملية التكامل الخليجي مرة أخرى، إن الدعم العلني من قبل الرياض وأبوظبي لتغيير النظام في إحدى الدول الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي» الأصغر يقوض الثقة بشكل خاص من قبل الكويت وعمان في المنظمة.
وقد أجج صمت أمانة «مجلس التعاون الخليجي» المخاوف العميقة في الدوحة والكويت ومسقط، من أن دول «مجلس التعاون الخليجي» كانت منذ فترة طويلة وسيلة للنهوض بالمصالح السعودية فحسب في كثير من النواحي، وقد يكون صعود القومية في جميع أنحاء الخليج استجابة لعجز «مجلس التعاون الخليجي» عن العمل في ظل أزمة الأمن والاستقرار الإقليمي.
المصدر | أندرياس كريج - ميدل إيست آي