«ناشيونال إنترست»: الأزمة بين السعودية وقطر تحولت إلى نصر كبير لإيران
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
فازت إيران بجولة أخرى في الحرب الباردة بينها وبين السعودية، التي تسيطر حاليا على المشهد السياسي في الشرق الأوسط. وكان هذا إلى حد كبير نتيجة حماقة المملكة العربية السعودية. وقد دفعت الرياض الدوحة إلى زاوية دبلوماسية خانقة، اعتقادا منها أن قطر، ردا على العزلة التي فرضتها عليها السعودية وحلفاؤها الخليجيون، ستعود إلى أحضان الشقيقة الكبرى. وكان هذا الافتراض قائما على أساس أن قطر الصغيرة تعتمد اعتمادا كبيرا على جارتها الأكبر في التجارة والحركة الجوية والمواد الغذائية وغيرها من السلع، بحيث لا تستطيع الصمود في وجه الحظر الاقتصادي وحظر السفر من قبل السعودية. لكن ما حدث هو العكس تماما.
رفضت قطر بقوة جميع المطالب السعودية، بما في ذلك إغلاق قناة الجزيرة، وقبل كل شيء، وقف العلاقات مع إيران، التي تشترك معها في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم. وقد استطاعت قطر أن تفعل ذلك لسببين رئيسيين. السبب الأول، إيران، في المقام الأول، وتركيا، التي كانت على علاقة جيدة مع السعودية، وبشكل يثير الدهشة، سرعان ما ساعدت قطر على التغلب على العقوبات من خلال كسر الحصار بالإمدادات من خلال الشحن والنقل الجوي إلى الإمارة الصغيرة.
والثاني، فشل المملكة في وزن القيمة التي تعلقها واشنطن على العلاقات الأمريكية القطرية، والتي تستند أساسا إلى أن أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة تقع في قطر، ويعتبرها البنتاغون ضرورية للعمليات الجوية في أفغانستان وسوريا. وعلى الرغم من تصريحات الرئيس «ترامب» المناهضة لقطر، التي وضح عنها الجهل التام بالقيمة الاستراتيجية لدولة قطر بالنسبة للولايات المتحدة، كان رد وزارة الخارجية على العام والخاص مختلفا جدا. وأدركت الرياض أن أي تهديد بالقوة ضد قطر سيواجه معارضة أمريكية وسيضر بالأهداف الأكبر لشراكتها الاستراتيجية في الخليج العربي مع واشنطن.
وبحماية هذين العاملين، تمكنت قطر تضع أنفها بمستوى أنف السعوديين. وقد فعلت قطر الآن ذلك بالضبط وبحيوية بالغة. وفي 23 أغسطس/آب، أعلنت قطر قرارها بـ «تعزيز العلاقات الثنائية مع جمهورية إيران الإسلامية في جميع المجالات«، وإعادة سفيرها إلى طهران، في أعقاب اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية القطري والإيراني. ويعد هذا انتصارا ملحوظا لإيران وتحقيقا لتقدم كبير في محاولتها تطبيع العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تسيطر عليه السعودية.
وبنفس القدر من الأهمية، من المرجح أن يكون لهذا التقارب الرسمي بين إيران وقطر آثار كبيرة على الجبهة السورية. وقد كانت إيران وقطر على جانبي النزاع السوري حتى الآن، مع دعم إيران للرئيس «بشار الأسد»، ودعم قطر، مثل السعودية وتركيا، مجموعة من قوات المعارضة التي يسيطر عليها المسلحون السنة. ومن المرجح أن تقلل قطر الآن من مشاركتها في سوريا، وأن تقلل، إن لم تتوقف تماما، تمويل القوات المناهضة للأسد.
ومن المهم أيضا أن تقارب إيران مع قطر يأتي في أعقاب تحسن العلاقات بين طهران وتركيا. كما ساهمت التحركات السعودية ضد قطر في التقارب بين أنقرة وطهران. ولدى تركيا مصالح كبيرة مع قطر. وهي تقوم بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر كجزء من خطة النفوذ في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، يتمتع أمير قطر والرئيس «أردوغان» بعلاقة وثيقة للغاية، وقد أفيد بأن الأول قد أرسل 150 من قوات النخبة القطرية لحماية «أردوغان» في أعقاب محاولة الانقلاب ضد الأخير في يوليو/تموز عام 2016.
أما الآن، فقد حان دور تركيا في رد الجميل، وقد أذن البرلمان التركي بإرسال 3 آلاف إلى 5 آلاف جندي تركي للانتشار في قطر لمساعدة الأمير على الحفاظ على «الأمن الداخلي». وبالتالي، فقد مالت تركيا بشكل حاسم عن السعودية واصطفت مع إيران في قضية قطر، على الرغم من خلافاتهما حول سوريا.
وتعمل كل من أنقرة وطهران، الآن، على تقليل هذه الخلافات أيضا، ويبدو أن أنقرة مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات. وقد قبلت حقيقة أن «الأسد»، الذي تدعمه إيران، لا يمكن إزالته بالقوة. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي في 20 أغسطس/آب تحولا في السياسة التركية حين أعلن أن تركيا ترغب في «تسوية الأزمة بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد».
ويعد هذا انتصارا كبيرا لإيران. وقد أبدت طهران عزمها في دعمها للأسد وتواصل تعزيز وضعه بعناصر من حليفها حزب الله، وكذلك بعض عناصر نخبة فيلق القدس. وقد مهدت السعودية، نتيجة لسوء تقديرها القائم على أساس الغضب أكثر من أي شيء آخر، الطريق للانتصارات الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة. وقد بدأت دبلوماسية طهران الواضحة وصبرها اللامتناهي أخيرا في تحقيق المكاسب.
وبدأ التقارب المتزامن بين إيران الشيعية وقطر وتركيا، وهما من البلدان التي يغلب عليها الطابع السني، أيضا في تدمير الأسطورة القائلة بأن الصراع في الشرق الأوسط يقوم على الخلاف السني الشيعي، البالغ من العمر 1400 عام. وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى في العالم العربي من السنة، كان هذا سلاحا كبيرا في مستودع الدعاية السعودي. ويتضح الآن أن الخلاف الذي يدفع التنافس بين السعودية وإيران سببه الدولة وسياسة القوة البحتة، وليس العداوات الطائفية القديمة.
المصدر | محمد أيوب - ناشيونال إنترست