جيوبوليتيكال فيوتشرز»: المعاناة المالية تدفع السعودية للبحث عن مخرج لحرب اليمن

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1681
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 تركزت استراتيجية المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط لسنواتٍ على توزيع الأموال في غالبية الدول السنية، والمجموعات في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني، ومع ذلك، بدأت قيودها المالية تقيد قدرتها على ممارسة النفوذ حتى في شبه الجزيرة العربية.

وتقترب المملكة من إدراك أنّها لا تستطيع تشكيل ديناميات المنطقة، ويمكنها أن تساعد على خلق مشاكل لخصومها، ولكن لا يمكنها السيطرة على المسار المستقبلي للأحداث، ولم يحقق تمويل الجماعات الجهادية السنية النتيجة المرجوة، ويعد صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي خرج من رحم الحرب الأهلية في سوريا، حيث دعم السعوديون مختلف الجماعات السنية المسلحة، دليلًا على أنّ هذه الاستراتيجية قد يكون لها نتائج غير مقصودة.

وفي الواقع، قد يكون لمحاولة السعودية توسيع نفوذها على الصعيد الإقليمي تأثيرٌ معاكس بالفعل، الأمر الذي ظهر في تراجع النفوذ السعودي على الصعيد المحلي، وفي شبه الجزيرة.

وقد دفعت تلك التجربة السعوديين إلى إعادة تركيز جهودهم على الأماكن القريبة مثل اليمن، وتدخلت السعودية في الحرب الأهلية هناك من أجل منع قوة خارجية، وهي إيران، من التعدي على مجال نفوذها، لكن حتى في هذا الصراع، تعاني المملكة من أجل تحقيق أهدافها، ولا تزال أسعار النفط المنخفضة تضغط على ميزانيتها، ما يثبط قدرتها، ليس فقط على تمويل المجموعات الوسيطة في جميع أنحاء المنطقة، بل أيضًا على القيام بأعمالٍ عسكرية تقليدية في شبه الجزيرة العربية.

قيود الموازنة

وكشفت رسائل البريد الإلكتروني المسربة بين السفير الأمريكي السابق لدى (إسرائيل) وسفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة عن أثر هذا العجز في الميزانية، وكتب السفير الإماراتي في رسائل البريد الإلكتروني، التي أُرسلت في أبريل/نيسان، أنّ ولي العهد السعودي قد أعرب عن رغبته في الانسحاب من الصراع في اليمن، وأن تتدخل الولايات المتحدة لدى إيران نيابةً عن السعودية.

وعند هذه النقطة، تعرف كل من إيران والسعودية أنّ قيود الرياض المالية تحد من قدرتها على حماية مصالحها من الداخل، وسوف تتأثر أي مفاوضات مباشرة بين البلدين بهذا الضعف، ما يؤدي إلى تسوية لصالح إيران بفارق كبير على حساب السعودية، وبالتالي، فإنّ أحد عواقب تراجع المملكة سيتمثل في فتحٍ جديد لإيران، يمكّنهم من الضغط على السعوديين لقبول تنازلاتٍ لا يريدونها.

وتعاني المملكة كذلك من أجل الحفاظ على النظام داخل حدودها، واتخذت الحكومة السعودية مؤخرًا خطوةً غير عادية بمحاصرة العوامية، وهي مدينة سعودية يسيطر عليها الشيعة في المنطقة الشرقية، لقمع المقاومة ضد خطة الحكومة لهدم وإعادة بناء جزء من الحي.

ويحاول السعوديون إخفاء مدى مشاكلهم الاقتصادية من خلال تسليط الضوء على بعض النجاحات المزعومة الأخيرة، وقد أشار وزير المالية السعودي إلى انخفاضٍ بنسبة 20% على أساسٍ سنوي في عجز الربع الثاني، كدليلٍ على أنّ البلاد تتحرك نحو ميزانية متوازنة.

بيد أنّه عند إجراء فحصٍ أدق، ينهار هذا الادعاء بالحصافة المالية، فعلى الرغم من أنّ نفقات المملكة قد انخفضت بنسبة 1.3% في الربع الثاني، لكأنّ معظم الانخفاض في العجز يعود إلى زيادة إيراداتها النفطية بنسبة 28%، وعلى الرغم من محاولات المملكة تنويع اقتصادها، فإنّ إيراداتها غير النفطية تقلصت بالفعل بنسبة 17%، وهذه ليست دلائل على أنّ بلدٍ ما أصبح أقل اعتمادًا على النفط، وبينما ارتفعت أسعار النفط بزيادة طفيفة خلال الأشهر القليلة الماضية، فإنّها ستظل منخفضة نسبيًا على المدى الطويل.

وتشكل الخدمات الأمنية والإنفاق العسكري، معًا، أكبر النفقات في ميزانية الدولة، حيث شكلت حوالي 37% من ميزانية عام 2016، لكنّها لا تتجاوز 32% من ميزانية عام 2017 المتوقعة، وقدّر وزير الاقتصاد السعودي تكلفة السعودية في الحرب في اليمن بمبلغ 5.3 مليار دولار في عام 2015، أي ما يقرب من 10% من إنفاقها العسكري السنوي، ومن المرجح أن تكون التكلفة الحقيقية أعلى من ذلك بالنظر إلى أنّ المملكة قد دعمت ماليًا حلفاءها في البلاد لأعوام. ومن المرجح ألّا يتم حساب هذه النفقات، وكذلك الأموال المستخدمة لدعم أفراد العائلة المالكة في المملكة، في الأرقام الرسمية.

تقاسم السلطة

ويعد الوضع في اليمن استنزافًا مستمرًا للميزانية السعودية، لكنّ المملكة لم تحقق أي تقدمٍ حقيقي في هذا الملف، وعلى الرغم من مشاركتها لمدة عامين في الحرب الأهلية، فشلت المملكة في دفع الصراع بشكلٍ نهائي في اتجاهٍ من شأنه أن يعود بالنفع على مصالحها (على سبيل المثال، تقليص دور الحوثيين المدعومين من إيران في الصراع).

لن يكون الاتفاق مع إيران استسلامًا عابرًا من السعودية، حيث سيمهد الطريق لمزيدٍ من النفوذ الإيراني المباشر على حدود المملكة، ومع ذلك، كثيرًا ما تفرض القيود المختلفة على الدول أن تختار بين خيارين كلاهما مر.

وإذا نظرت المملكة في إمكانية استمرار المشاركة في حربٍ لا تستطيع تحمل تكاليف المشاركة فيها، فقد تضطر إلى قبول نوعٍ من اتفاق تقاسم السلطة مع إيران، وسيكون هذا اعترافًا بأنّ السعودية لم تعد قادرة على تحديد مصير شبه الجزيرة العربية، ويجب أن تعتمد على الولايات المتحدة للتوسط في اتفاقاتٍ مع أعدائها لحماية مصالحها، ولا يريد السعوديون أن يصبحوا أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة، خاصةً في ظل تعميق الولايات المتحدة للعلاقات مع إيران من خلال تخفيف العقوبات النووية.

وتعتبر رغبة المملكة في الهروب من المستنقع الضبابي في اليمن مثالًا حيًا لكيفية تسبب القيود في الحد من قدرة الدولة على متابعة ضروراتها الأمنية.

وفي حين تفضل السعودية بالتأكيد مواجهة النفوذ الإيراني من خلال هزيمة وكلائها في اليمن، تجبرها ميزانيتها المعتمدة على النفط على إعادة النظر في اتفاق توسط سيحد على الأقل من التأثير الإيراني في شبه الجزيرة العربية، وقد يكون ذلك أفضل ما تستطيع السعودية القيام به الآن.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز