من قلعة القطيف إلى حيث مسورة العوامية: تاريخ شاهد على انكسار الغزاة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 6746
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تمثل الآثار التاريخية في كل دول العالم الحضارة العريقة والغنية بحسب كثرتها أو قلتها، حيث تُعد الحاضنة التاريخيّة للشعب، ويُعتبر الحفاظ على التراث من أولى الأولويات على الإطلاق في كل دول العالم.

وبحسب “الموسوعة العربية”، فإن دورةُ الحياة تقتضي أن يقومَ كلّ جيل بتعمير الأرض وَفقَ شروطه، ومتطلّباته، وإمكانيّاته، وبعدَ أن يفنى أَبناء ذلكَ الجيل تبقى ممتلكاتهم موجودة؛ حيثُ يمكن للأجيال اللّاحِقة أن تستخدمَها وتستفيد منها بشكل جيّد.

والآثار هو مصطلح يُطلَق على كلّ ما تبقّى مِن ممتلكات مادّيّة للأجيال القديمة؛ فلا تكاد تخلو منطقة في العالم من الآثار؛ إلّا أنَّ مقدار هذا التّواجد للآثار مختلف بشكل نسبيّ من منطقة إلى أخرى، فبعض المناطق تكاد تخلو من القطع الأثريّةِ إلّا من عدد بسيط جداً؛ حيثُ تُعتبَر مثل هذه المناطق مناطق فقيرةً تاريخيّاً وحضاريّاً، بعكس مناطق أخرى تُوجد فيها الآثار بشكل كبير جِدّاً، الأمر الذي يعكس مدى غنى هذه المناطق، وحجم الثّروة التّاريخيّة والحضاريّة التي تمتلكها.
قلعة القطيف التاريخية..

تم إنشاء قلعة القطيف عام 216 هجري وبالميلادي عام 831م، وهي مبنى كبير يضم غرفا وردهات ومخابئ تقع في قلب مدينة القطيف وعلى تل مرتفع بناها الساسانيون في القرن الثالث الميلادي، وكان فيها قصر البلاط الملكي وقصور الضيافة وحظائر المواشي، وقد اتخذت كقاعدة عسكرية ثم مستودعاً للبضائع وفي وقت لاحق مقراً للسكن.

وكان لها سور منيع جدد بناؤه في عهد السلطان سليم الثاني ثم في عهد والي الأتراك علي باشا سنة 1093هـ وكان بالقلعة أحد عشر مسجداً.

وصنعت القلعة لنفسها مكاناً تاريخياً منذ إحراق القرامطة مدينة الزارة عام 283 هـ. واستمرّت في موقعها حتى نُشوء المدن الجديدة في الساحل الشرقيّ بعد النفط.

 

السلطات تهدم القلعة الأثرية بعد انتفاضة المحرم..

أقدمت السلطات السعودية في الثمانينات على هدم القلعة الأثرية التي تشير إلى تاريخ منطقة القطيف وحضارتها ومكانتها، بعد انتفاضة المحرم، و انتفاضة المحرم، هي أحداث وقعت عام 1400 هـ الموافق عام 1979 للميلاد وهي مجموعة مواجهات حدثت بين أبناء منطقة القطيف وقراها وبين قوات الحرس الوطني السعودي، بدأت الأحداث في اليوم السادس من محرم الموافق 25 نوفمبر وانتهت في اليوم العاشر من محرم الموافق 29 نوفمبر، حيث طالب الأهالي فيها بالاعتراف بالمذهب الشيعي، والسماح لهم بإقامة الشعارات الدينية علنا، كما طالب المحتجين حينها بالإفراج عن المساجين، وأكد المحتجون حينها على وحدة الأمة الإسلامية رافعين شعار “لا سنية لا شيعية… وحدة وحدة إسلامية”، “دين النبي واحد ما في تفرقة”.

 

السلطات تستكثر على الشيعة التعويض عن مساكنهم في القلعة..

وبعد أن اتخذت السلطات السعودية قرار هدم حاضرة القطيف “القلعة”، شكلت لجنة تقييم التعويضات، دون أن يكون بينها عضو مختار من المالكين، وبعد التقييم استكثرت المبالغ على الشيعة فخصم نصف الثمن بجرة قلم.

رسالة من المتضررين إلى الملك في 12/ 11/ 1404هـ، 10 سبتمبر 1981م.

صاحب الجلالة الملك المفدى..
نرفع إلى مقام جلالتكم شـكوانا حيث لا نتصـور وقوع الظلم على أحد المواطنين وجلالتكم يعلم بوقوعه. كيف إذا كان واقعا، على مجموعة كبيرة تضم الشـيخ والشـيخة والطفل واليتيم.

إن جهات رسـمية لا نعرف منها إلا الشـؤون البلدية بالمنطقة تغتصب أملاكنـا دون رضانـا فكيف يحدث لنـا ذلك في عهد جلالتكم العهـد الزاهر الذي لم يبق بعيـد بعيـد إلا وناله العطاء الوافر فضلا عن القريب، لقد قرر المسؤولون إزالة أكثر بيوت القلعـة “حـاضرة القطيـف التاريخيـة”، وثمنـت العقـار اللجنة الرسـمية المعتمـدة التي ليـس بين أعضائها عضوا باختيار المالكين وبعد الانتهاء وصـدور قرارها الأخير وعمل الكشـوفات استكثر البعض ذلك الثمن اليسـير.. وخفضت الأقيام  بالنصف. وعبثا ونحن نطالب بجعل الأقيام حسـب تثمينها السابق. وليس أمام الناس إلا الرضوخ لهذا الظلـم والإجحاف لذا فزعنا إلى جلالتكم طالبين إنصافنـا باعتماد التثمين الذي وضعته اللجنـة المعتمدة المكونة من المحكمة ومندوب الماليـة والإمارة والبلدية وعضوي الخبرة وشـيخ الدلالين.
وإن التخفيض الذي جعل بادرة لم يسبق لها مثيل بالمنطقة بل بالمملكة.
وقد لجأنا بعد الله إلى جلالتكم، فجلالتكم راعي الأمن المسؤول والوالد الحنون. حفظ الله جلالتكم وولي عهدكم الأمين والأسرة الكريمة.

 

القطيف تُطالب بالحقوق المشروعة 2011م.

انضمت القطيف كغيرها من مدن العالم العربي مع ما يُسمى بالربيع العربي، للتظاهر والمُطالبة بحقها المشروع، من رفع تمييز طائفي، بالإضافة إلى الإصلاحات السياسية والاجتماعية..

وعمدت السلطات خلال الست السنوات الأخيرة إلى استخدام العنف المفرط ضد الأهالي، حيث حولت منطقة القطيف إلى ثكنة عسكرية، وقامت السلطات باستفزاز الأهالي عبر نقاط التفتيش التي أقامتها عند مداخل المنطقة وفي أماكن مختلفة منها، واستخدمت الرصاص الحي ضدهم، مما نتج عنه عشرات الشهداء والجرحى.

كما عاقبت أبناء المنطقة بالاعتقال العشوائي والمتعمد إلى بعض النشطاء الحقوقيين، السياسيين و الاجتماعين، كما مارست التعذيب المفرط على من اعتقلته على خلفية الحراك السلمي المطلبي، وأصدرت بحقهم أحكام قاسية منها السجن لسنوات طويلة وصولا إلى حكم الإعدام.

 

السلطات تفشل في إخضاع أبناء المنطقة.. وتتجه إلى هدم مسورة العوامية..

فشلت السلطات السعودية في إخضاع أبناء المنطقة، رغم القمع الذي مارسته بحقهم، من سجن وقتل، إضافة إلى مُعاقبتهم جماعيا في عدم تغذية الصرافات المالية، بحجة اعتداء إرهابيين عليها، فما كان منها إلا قرار هدم مسورة العوامية.

 

المسورة رمز لمقاومة الاحتلال قديما ..وحديثا رمزا لانكسار الوهابية..

المسورة بتاريخها الذي بات يعرفه الرأي العام المحلي والعالمي ويؤمن به كل أحرار العالم، أصبحت اليوم رمزا لانكسار الوهابية ورفض الظلم، فلم يكن من السلطات المستبدة إلا محاولة  إذلال وقهر وتهجير وتشريد لأبناء بلدة العوامية ومُعاقبتهم بشكل جماعي لتمسكهم المُطالب بالحق ورفض سياسية السلطات في الداخل والخارج كباقي منطقة القطيف..

 

تناقض السلطات السعودية في المحافظة على الآثار..

بتاريخ 26 ذو القعدة 1430هـ، صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية رقم (9127)، و المتضمن الموافقة على تأسيس جمعية خيرية باسم (الجمعية السعودية للمحافظة على التراث) والمصادقة على لائحتها الأساسية.

من بين أهداف الجمعية دعم الهيئات والمؤسسات والمراكز العلمية والبحثية المعنية بالتراث في المملكة، و تشجيع المواطنين والتعاون معهم من أجل المحافظة على التراث ليبقي رصيداً لتاريخ المملكة ومورداً للعلم ورافداً للسياحة الثقافية.

كما تتضمن الأهداف العمل مع الجهات المعنية من أجل تطوير المتاحف الخاصة والمجموعات التراثية والفنية لدى الأفراد والمحافظة عليها، بالإضافة إلى المساهمة في إثراء المعرفة والرفع من الوعي لدى المواطنين بتراث المملكة وأهمية المحافظة عليه وتطويره. و التنسيق مع الجهات المعنية في تبني مشاريع ترميم وتأهيل المعالم المعمارية التراثية والتاريخية والمحافظة عليها.

من جانب آخر يُعرف التراث الشعبي لشعب من الشعوب على أنه كل ما ورثه هذا الشعب من عادات، وتقاليد، وفنون، ومقتنيات مادية، وغير ذلك عن أسلافه، حيث يعتبر التراث الشعبي علامةً مميزة وفارقة لكل شعب، بحيث يتميّز به عن باقي الشعوب الأخرى، وتتشكّل به هويته الخاصة. أمّا التراث الإنساني فهو أوسع من التراث الشعبي، إذ يتكوّن من كلّ ما توارثته الشعوب الإنسانية عن أسلافها جيلاً بعد جيل، وحضارة بعد حضارة.

أما في ظل عائلة ليس لها من التاريخ والحضارة شيء يُذكر غير الدم والقتل والنهب، وإقامة دولتها بحد السيف، فليس لها إلا أن تُعادي حضارة الإنسان وتاريخه، وأن تُدمر كل ما يُمثل الإنسانية بل والحرية.

 

وردة علي ـ خبير