الملك سلمان “ينفض” بيته الداخلي .. هيكلة الرواتب خلقت تيارا متشددا متذمرا يزيد خطر الارهاب..
وخطة الامير محمد بن سلمان تتطلب المزيد من الترفيه والانفتاح.. ومرحلة قادمة لحرب اليمن.. المولات تنتظر روّادا “يمدّون ايديهم الى محافظهم”..
عمان- “رأي اليوم” – فرح مرقه:
قرارات مباغتة اتخذها الملك سلمان بن عبد العزيز خلال الساعات القليلة الماضية، ورغم انها غير متوقعة، لم تفاجأ بها “رأي اليوم” بعد جولة واسعة في الايام الماضية في مدن سعودية رصدت فيها على الارض الكثير من المسببات التي تدعو للتغييرات المماثلة.
اعادة البدلات والمزايا للعاملين في الدولة واعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج من منصبه واحالته للتحقيق واعفاء وزير الرياضة وهيئة الاستثمار وهيكلة بعض المناصب الامنية وقرارات يتنبأ المراقبون بكونها لم تصدر بعد، لا تنطوي فقط على بعد سياسي يحمل في طياته صراعات القوى والتيارات السياسية في الحكم السعودي، فبعدها الاجتماعي المرصود اكبر على الاغلب.
فضيفاً كنت أو مقيماً أو مواطناً في المملكة العربية السعودية خلال الاشهر الماضية كنت ستلمس رغماً عنك أثر قرارات التقشف الاقتصادي الأخيرة وما تسببه للعاملين في المملكة، وما أوحت به باكراً من “مسك اليد” للمواطنين بالذات، وهنا الإشارات لا تقف عند حد المولات ومراكز التسوق التي لا تجد من يمسك محفظته ويشتري فيها، ولا عند الزيادة الكبرى في استغلال أماكن التنزه المجانية المتمثلة بالحدائق أو الشواطئ العامة.
الزائر للعاصمة السعودية الرياض يشتمّ بملء رئتيه التغيّر الاقتصادي الحاصل في المجتمع والمرتبط بالقرار المتعلق بـ “ترشيد البدلات” بمجرد سيره بالشوارع أو دخوله لأي مول تجاري، فالمولات التي كانت تظهر لنا في تقارير كل القنوات العربية والاجنبية ملآى بالمشترين باتت اليوم خاوية على عروشها، إلا من بضعة شابات قصدن المول للتنزه ليس أكثر.
الوضع الاقتصادي في المملكة واضح الانكماش، والسعوديون يستشعرون الخطر الاقتصادي، فرغم أن حالة الحرب التي تعيشها المملكة السعودية مع اليمن ليست حاضرة بصورة عامة في أذهان مواطنيها، فلا أحد يستشعر الخوف الأمني مثلا، إلا أن التقشف الاقتصادي فرض إيقاعاً من خوف على الأمن الاقتصادي، عبّر عنه المواطنين بمختلف وسائل التذمر السلمية.
الدولة السعودية وجدت نفسها قبل نحو عام وفي ظل الظرف الاقتصادي الكبير والمعقد بحاجة ماسة لان تراجع سياساتها المالية والتي اظهرت ان معظم موظفيها يحوزون على امتيازات (او ما يعرف بالبدلات) تضاهي رواتبهم بمرتين او ثلاث وهو الامر الذي لم تراجعه الدولة منذ عشرات السنين.
هنا وجدت الرياض نفسها تدفع لموظفي عصر التكنولوجيا ما كانت تدفعه مع بداية استخدام الحاسوب في العالم العربي بما يسمى “بدل علم حاسب آلي” او ما شابه وهذا بالطبع كان يدفع الى وقت قريب لكل موظفي الدولة تقريبا كما وجدت ان بدلات المواصلات والتنقلات تدفع بناء على الرواتب وليس على الدوامات ما يجعلها تدفع الاف الريالات حتى مقابل ايام العطل.
في الوقت نفسه بدت قرارات الرياض في اعادة هيكلة الرواتب بصورة تتناسب مع وضع المملكة المالي، الامر الذي شعر فيه المواطن السعودي بانخفاض ملموس في راتبه وهو الامر الذي خلق بعض الجدل الذي حاولت الدولة امتصاصه والتعايش معه الا ان الاعلانات المتزايدة عن رفع اسعار المياه والكهرباء وبعض السلع المختلفة باتت تسهم شيئا فشيئا في خلق تيار متذمر تحت غطاء.
كل ما سبق واجه الكثير من النقد، وانقسم حوله السعوديون المواطنون، وشكل اغلبهم تيارا للمطالبة بـ “الحقوق المكتسبة” لهم، رغم توضيحات المملكة والمؤسسات بصعوبة ذلك، الامر الذي يظهر اليوم وكأنه غلب القرار الاول في الترشيد، ما افضى لاعادة البدلات والمزايا للموظفين.
اماكن الترفيه حكاية اخرى فهي تكاد تكون غير موجودة ومحاولة الدولة السعودية لخلق جو ترفيهي في داخل المحافظات في المملكة تواجه اليوم للكثير من النقد والشيطنة ومنها على سبيل المثال دار السينما الضخمة التي بدأتها الدولة في الرياض والتي تواجه اليوم بالكثير من دعوات التحريض من قبل شيوخ ومتشددين، ما يفسر القرارات المتوقعة في تغيير العديد من الوجوه المتشددة في المملكة والتي لن تقف عند وزير او اثنين.
تفكير النظام في الترفيه، والافكار كلها هنا يعبّر عنها بكونها “أفكار الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد”، بدا كنتيجة عملية لدراسات معمقة فرضها الظرف الاقتصادي الصعب، اثبتت ان الشعب السعودي يصرف الكثير من امواله على الترفيه خارج المملكة.
واظهرت الدراسات عينها والتي اطلعت “رأي اليوم” على تفاصيلها ان السعوديون يخرجون باموالهم للاستثمار خارج البلاد ولشراء العقارات ايضا، ما قرأته الدولة العميقة في المملكة على ان بعض مواطنيها ايضا وليس فقط الوافدين يتعاملون معها “كترانزيت” وليس مستقرا اخيرا الى جانب كون كل ذلك يسبب تصدعات حقيقية في الاقتصاد السعودي وسعر الريال في السوق.
من هنا يمكن قراءة سعي المملكة السابق لاعادة هيكلة في بعض مرافقها واساليب تعاملها مع التفاصيل في الاونة الاخيرة فهي تسعى من جهة لتخفيف نفقاتها وبالتالي اسراف مواطنيها ومن جهة اخرى تذهب لبعض الانفتاح الذي تعتقد انه يسهم في زيادة عائداتها في الداخل من جهة وفي فتح بعض المتنفسات لمواطنيها من جهة ثانية.
بكل الاحوال، وبعيدا بعض الشيء عن الواقع الاجتماعي، يمكن قراءة التغييرات التي لم تأتِ بصورة ناعمة وخلافا للمتعارف عليه، على انها نقلة “عنيفة” في السياسة السعودي في احسن احوالها تخدم رؤية المملكة والامير الشاب بن سلمان 2030، وفي احوالها المنطقية تؤشر على امرين اساسيين أولا “مرحلة جديدة في حرب اليمن يقل فيها الاستنزاف” وثانيا “الخوف السعودي الحقيقي من خطر الارهاب” والاخير هو ما قرر الامير بن سلمان مواجهته بالمزيد من الانفتاح.
كل هذا لا يمنع ان الاسباب المباشرة ستظهر خلال الساعات القليلة القادمة.