الإستراتيجيّة الإسرائيليّة-الأمريكيّة الجديدة: تقديم قضيّة فلسطين قربانًا على مذبح الـ”سلام الإقليميّ” مع دول “الاعتدال العربيّ” وعلى رأسها السعوديّة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2110
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
بالنسبة لإسرائيل، ولما يُطلق عليها الدول العربيّة السُنيّة، باتت المعادلة واضحةً: تقديم القضيّة الفلسطينيّة قربانًا على مذبح السلام الإقليميّ بين دولة الاحتلال ودول الاعتدال العربيّ، وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة.
فمع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، يُلاحظ أنّ منسوب الخطاب السياسيّ الذي يتناول المسار الإقليميّ للتسوية مع إسرائيل، باعتباره الخيار البديل لتعثُّر عملية التسوية على المسار الفلسطيني، قد ارتفع، وتجلّى ذلك في الحديث عن “صفقةٍ إقليميّةٍ” أثناء زيارة نتنياهو، الأخيرة لواشنطن، وكذلك في مواقف المبعوث الأمريكيّ الخاص إلى المنطقة. علاوة على ذلك، يبدو أنّه يحتل جزءً مهمًا من جدول لقاءات ترامب، مع الزعماء العرب الذين يزورون واشنطن.
ومن نوافل القول إنّ هذا المفهوم يتقاطع مع المسار البديل، الذي يُروِّج له نتنياهو، والقائم على أساس عقد مؤتمرٍ إقليميٍّ يجمع إسرائيل إلى جانب دول الاعتدال العربيّ، وفي مقدّمتها السعودية. كما أنّه يعتمد في مخططه التسويقي على أنّ التوصل إلى سلامٍ إقليمي مع “الدول العربيّة السُنيّة” يُمكن أنْ يؤدي في المستقبل إلى صيغة تسوية مع الطرف الفلسطيني.
ومن المفارقات أنّ إسرائيل سبق أنْ رفضت الحل الإقليميّ بشكلٍ مطلقٍ طوال العقود السابقة، وأصرّت على المفاوضات الثنائيّة، ولكن اليوم، هي التي بادرت على لسان نتنياهو إلى طرح المسار الإقليميّ. وفي هذا السياق، يجب الإقرار بأنّ تل أبيب نجحت في إسقاط مشروع الحل الإقليميّ، لمصلحة الصفقات الثنائية، عبر اتفاق أوسلو، الذي جرّ وراءه اتفاق “وادي عربة” مع الأردن. بكلماتٍ أخرى، تمكّنت من التفرد بكلّ طرفٍ عربيٍّ تسووي على حدة، وبناءً على ذلك، نجحت إسرائيل في إضعاف الموقف العربيّ في المفاوضات، مقابل تعزيز موقفها.
وبعدما نجحت دولة الاحتلال في استنفاد المسارات الثنائيّة في خدمة إستراتيجيتها الإقليمية، انتقلت إلى مرحلة طرح مشروع سياسي جديد يتلاءم مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ولخدمة أهداف إضافية، معتمدةً على إدراكها بأنّ قضية فلسطين تحوّلت إلى عبء على أنظمة “الاعتدال العربيّ”، التي تسعى جاهدةً إلى التحلل منها، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى الطموح في الحصول على الجائزة من دون أنْ تضطر إلى دفع أثمان الحد الأدنى للطرف الفلسطيني.
بموازاة ذلك، لم يعد خافيًا بالمرّة أنّ أنظمة “الاعتدال العربيّ” تعمل بشكلٍ حثيثٍ على إخماد القضية الفلسطينية، لمصلحة تبديل بوصلة العداء من إسرائيل إلى الجمهورية الإسلاميّة في إيران. هذا الواقع، وجدت فيه تل أبيب أرضية خصبة للرهان على المصالح المشتركة التي تبلورت بينها وبين هذه الأنظمة، وهو عزز الرهان لديها على إمكانية القفز فوق المسار الفلسطيني، والدفع نحو مسار إقليمي، الذي هو في الواقع عملية التفاف تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية على أمل تصفيتها، وفي الوقت نفسه، الانتقال إلى مرحلة التحالف بين إسرائيل وهذه الأنظمة، على قاعدة مواجهة التهديدات والمصالح المشتركة.
مُضافًا إلى ذلك، يُمكن القول وربمّا الجزم أيضًا، أنّ ما أسهم في منح زخمٍ لهذا الرهان على هذا المسار، في تل أبيب وعواصم “خيار الاعتدال”، حالة الخراب التي أحدثتها الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريّة والعراق، ثم تبنّي الرئيس الأمريكيّ ترامب، الحل الإقليمي باعتباره جزءً من إستراتيجية مواجهة محور المقاومة وعلى رأسه طهران.
بالمقارنة بين المرحلتين، يتضّح أنّ مرحلة المسار الإقليميّ، من وجهة النظر الإسرائيليّة، ليست انقلابًا على إستراتيجيّةٍ سابقةٍ، بل هي تكملةً لها؛ كلٌّ بما يتلاءم مع الظروف السائدة، ويُمكن اعتبار ذلك، ثمرة من ثمرات “الصفقات المتفردة”. بكلماتٍ أخرى، لا نُجافي الحقيقة إذا قلنا إنّه بعدما حققت إستراتيجية “الصفقات المتفردة” أهدافها في تفكيك الجبهة العربيّة في مواجهة إسرائيل، ومكَّنتها من التفرد بكلٍّ منها، من الناحيتين السياسيّة الأمنيّة، وصولاً إلى تطويق الشعب الفلسطيني وقواه المقاوِمة والمساوِمة، انتقلت إسرائيل في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، إلى مرحلة قطف الثمار على حساب قضية فلسطين، على أمل أنْ يكون هذا المسار مدخلاً لإقحامها في النسيج الإقليمي، وتقديمها كحليف طبيعي لقوى إقليمية، أنظمة وحركات سياسية، بما فيها التي يحمل بعضها شعارات إسلاميّةٍ.
وتأتي هذه التطورّات في ظلّ الانقسام الحركيّ الفلسطينيّ بين فتح وحماس، وفي ظلّ الانقسام الجغرافيّ بين الضفّة الغربيّة المُحتلّة وقطاع غزّة الذي تُسيطر عليه حماس. بكلماتٍ أخرى، دول “الاعتدال العربيّ” تصول وتجول في فضاء “السلام الإقليميّ” مع إسرائيل التي تحتّل فلسطين، على ضوء ضعف الموقف الفلسطينيّ وتشتت القيادة والانشغال في الخلافات الداخليّة المتفاقمة والإمعان في تكريسها.
خلاصة الكلام، إنّ الدول العربيّة “السُنيّة-المُعتدلة” بحسب المعجم الصهيونيّ-الإمبرياليّ، باتت جاهزةً للمقايضة الـ”تاريخيّة”: الحفاظ على أنظمتها بدعمٍ من واشنطن وتل أبيب، مُقابل التنازل التدريجيّ على حلّ قضية فلسطين، وفي هذا الوقت بالذات تُواصل إسرائيل، مدعومةً من الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقضم ما تبقّى من أرض فلسطين، وتبني المُستوطنات، دون رقيبٍ أوْ حسيبٍ.