هل ستتمكن السعودية من إصلاح نفسها؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1820
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مقال للكاتب برنارد هايكل – ليف مينت – التقرير
ينبغي عدم التقليل من قيمة التحول الجاري في المملكة العربية السعودية؛ فنجاحها أو فشلها فيه يمكن أن تؤثر على الاستقرار ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في العالم كله.
ستستمر المملكة العربية السعودية خلال عام 2017 في متابعة اثنين من الأهداف الرئيسية التي حددها الملك سلمان بعد اعتلائه للعرش في يناير عام 2015، وهما؛ الحد من اعتماد الاقتصاد على عائدات النفط والإنفاق الحكومي، ووضع المملكة في مكانتها كقوة إقليمية مهيمنة يمكن أن تواجه أي تهديد، وخاصة من إيران.
ويشرف ابنه البالغ من العمر 31 عامًا، ولي ولي العهد وهو أيضًا يشغل منصب وزير الدفاع ورئيس المجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمير محمد بن سلمان، على تنفيذ هذه الإصلاحات في البلاد.
ويتسم الأمير بأنه ذو شخصية كاريزمية وحيوية، وملتزم بشكل جدي نحو الإصلاح، ويظهر ذلك في استطلاعات الرأي التي كشفت إعجاب الشباب السعودي به – 70٪ من السعوديين تحت سن 30-، فضلاً عن العديد من المراقبين الأجانب، وقد وعد الأمير الشاب بجعل الحكومة أكثر تقبلاً وخضوعًا للمساءلة والشفافية، وتوفير المزيد من الفرص الاقتصادية للمواطنين في المملكة.
إلا أن الإصلاح سيكون عبارة عن صراع ماكر؛ لأن الدولة الآن توظف ثلثي سكانها، ونظام الاستحقاقات المطبق لديها منذ عقود خلق لدى الشعب السعودي حالة من “ثقافة الاعتماد”.
وبالتالي، سوف يكون من الصعب جدًا “فطام” السعوديين للتخلي عن نظام الإعانات التي تقدمها الحكومة، ليتمكنوا من التأقلم على نظام اقتصادي لا تكون فيه الدولة هي اللاعب المهيمن.
ولتحقيق أهدافها، فإن الحكومة سوف تضطر إلى خفض الإنفاق على الرعاية الصحية، والتعليم، والطاقة، ودعم المرافق، وفرض أشكال جديدة من الضرائب، مثل القيمة المضافة، وضرائب الأراضي؛ وخلق بيئة تنافسية لشركات القطاع الخاص لخلق فرص عمل أكثر في المستقبل.
وبالتالي، فإن أسرة آل سعود الحاكمة سيتوجب عليها إعادة صياغة العقد الاجتماعي مع رعاياها، واستنادًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث يعبر السعوديون عن أنفسهم وآرائهم بحرية، فإنه سيطلب من الشعب مزيد ومزيد من الرأي الرسمي أكثر في الحكم.
لقد أصبحت الإصلاحات في المملكة أكثر إلحاحًا، وذلك بسبب الانخفاض المستمر في أسعار النفط، وعجز الميزانية الذي بلغ 16٪ من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بالسعودية، حيث انخفض إلى 545 مليار دولار بعد أن كان 75 مليار دولار عام 2014.
وتنقسم خطة الأمير محمد إلى قسمين هما؛ رؤية 2030، التي صدرت في أبريل 2016، وخطة التحويل الوطنية (NTP)، والتي أعلنت بعد الرؤية بشهرين وتتضمن سرد الخطط التي ينوي الأمير متابعتها حتى عام 2020.
كلتا الوثيقتين تتسم بالطموح، وتهدف إلى تحقيق مزيد من الديناميكية واختراق المحظور في سبيل الإصلاح، فعلى سبيل المثال تهدف خطة التحويل الوطنية إلى تحديد الأهداف المالية، وتفصيل مسؤوليات إدارية جديدة، واقتراح العديد من المبادرات والأساليب لقياس الأداء؛ ولكن لا تحدد لنا كيف ستتحقق مقترحاتها.
وفي حين أن التنفيذ السليم سيكون بالغ الأهمية لنجاح الخطة، فقد أعرب العديد من المراقبين عن تشككهم في أنه تم تجهيز الإدارة السعودية الحالية لتنفيذها بصورة فعالة.
ومع ذلك، فمما لا شك فيه أن النظام الاقتصادي الحالي في المملكة العربية السعودية غير قابل للاستمرار، فمصدر الدخل الرئيسي هو النفط، وهو مورد محدود يوجد له بعض البدائل مثل احتياطيات الصخر الزيتي، وتكنولوجيات الطاقة البديلة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهي مصادر لا يمكن الآن السيطرة أو التحكم في نفقاتها.
وللتأكيد وإحقاقًا للحق، فإن الأمير محمد نفذ بالفعل إصلاحات غير مسبوقة، وخفض الدعم على الطاقة، وخفض رواتب موظفي الدولة بنسبة 16٪، وقام بمناقشة خطط لخصخصة القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل الرعاية الصحية والمياه والكهرباء، والأهم من ذلك، أن الحكومة السعودية تدرس طرح عام أولي بنسبة تصل إلى 5٪ من شركة النفط المملوكة للدولة “أرامكو السعودية”.
وتأمل الحكومة في توليد نحو 100 مليار دولار كعائدات بيع، بالإضافة لعدد من الموارد الأخرى، وتمويل إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، والذي سيستخدم بعد ذلك في الاستثمار في أصول تساعد على تنويع مصادر الدخل الاقتصادي للبلاد.
بالطبع، هذه الخطة تأتي معها مخاطرها الخاصة، لأن الميزانية العمومية لأرامكو السعودية واحتياطيات النفط سوف يتعين مراجعتها، ولن تعد تتمتع بالحصانة السيادية.
ومثل هذه المراجعة تكشف إلى أي درجة يتم تحويل هذه العائدات إلى الأسرة المالكة والنخبة الدينية التي تعزز شرعيتها، وهذا بدروه سيدفع للتشديد على ضرورة الإصلاح السياسي، مع ضرورة تغيير النظام السياسي، لأن السعوديين لن يتجاوبوا بشكل جيد مع فقدان استحقاقات الحكومة إذا رأوا العائلة المالكة لا تزال تنفق بسخاء من عائدات اقتصاد البلاد.
وعلى الرغم من أن الإصلاح السياسي هو مسألة حساسة للغاية للعائلة المالكة، فقد اتخذ الملك سلمان عدة خطوات مشجعة، على سبيل المثال، جرد الشرطة الدينية من حقها في مضايقة واعتقال الناس في الأماكن العامة لمخالفتها المعايير الإسلامية، وبعث رسالة للعالم أجمع بأن العائلة المالكة ليست فوق الشريعة وتعاليمها، عن طريق تنفيذ حكم الإعدام في أحد أفراد الأسرة المالكة لارتكابه جريمة قتل.
ومن جانبه، أشار الأمير محمد إلى إمكانية السماح للمرأة بقيادة السيارة في المستقبل القريب.
وفي النهاية وبغض النظر عمن هو المسؤول، يجب على المملكة أن تنجح في تنويع مصادر اقتصادها وفي إصلاح نظامها السياسي، أو أن السيناريو الآخر سيكون انهيار الترتيبات القائمة في نهاية المطاف.
العام المقبل قد يكون الأفضل من أي وقت مضى في بعض الاستقرار في أسعار النفط، والشعب السعودي من المرجح أن يظل موالٍ لبيت آل سعود، لأنه لا يوجد بديل آخر للقيادة.
لكن رهانات التحول الجاري في المملكة العربية السعودية لا ينبغي الاستهانة بها، نظرًا لدورها الرئيسي في إنتاج النفط العالمي، ونجاحها أو فشلها يمكن أن يؤثر ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن أيضًا على الاستقرار العالمي.