العفو الدولية عشية عقد قمة دول مجلس التعاون: قمع منهجي لحرية التعبير عن الرأي في الخليج
قالت منظمة العفو الدولية إنه من غير الجائز أن يتم تجاهل السجل المروع لحقوق الإنسان في الخليج، وذلك عشية انعقاد القمة السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية المنامة، يومي 6-7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وذكرت في بيان لها أن لا شك في أن حقوق الإنسان سوف تكون غائبة عن جدول أعمال القمة السنوية لدول المجلس التعاون الست، وهي: البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة. ومن المفترض أن تناقش هذه الدول في قمتها مسائل التعاون التجاري والأمني، ولكن دون أن تعرج على قضية انتشار القمع على نطاق واسع في المنطقة بذريعة الأمن.
وقالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة العفو الدولية ببيروت، رندا حبيب: “لطالما شهدنا على مدار السنوات الأخيرة استهداف ناشطي حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين، ومنتقدي الحكومات بشكل منهجي تحت مُسمّى الأمن في منطقة الخليج. وتعرض المئات للمضايقات، أو الملاحقة غير المشروعة، أو سحب الجنسيات، أو الاحتجاز التعسفي، أو إصدار أحكام بالحبس أو الإعدام بحقهم، في بعض الحالات، عقب محاكمات جائرة؛ وذلك في سياق جهد منسق يهدف إلى تخويف الناس وإسكاتهم”.
وقالت رندا حبيب: “يجب أن تتوقف مثل هذه الأساليب الوحشية فوراً، كونها تُستخدم في الدوس على حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون”.
وذكرت المنظمة أنه من المتوقع أن تحضر رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، القمة الخليجية، وهو ما يمنحها فرصة فريدة تخولها إثارة بواعث القلق المتعلقة ببروز نمط من الانتهاكات التي يتكرر ارتكابها في عموم المنطقة.
وقالت رندا حبيب: “لطالما أبدى حلفاء دول مجلس التعاون في الغرب، بما في ذلك المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، تردداً في إدانة تفشي انتهاكات حقوق الإنسان في الخليج، وتنكّرت بذلك لعدد لا يُحصى من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء المنطقة. ولقد آن الأوان كي يتوقف حلفاء دول مجلس التعاون عن منح التعاون الاقتصادي والأمني الأولوية على حساب حقوق الإنسان، ويتعين على تيريزا ماي أن تحرص على عدم إهدار هذه الفرصة التي تتيح لها إثارة القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان”.
وأضاف البيان: قام عدد من بلدان الخليج على مدار السنوات، التي أعقبت انتفاضات عام 2011، في العالم العربي بسن قوانين قمعية تُعنى بمكافحة الإرهاب، والجرائم الإلكترونية، والتجمعات السلمية؛ وذلك في محاولة لتقييد حرية التعبير عن الرأي، ومعاقبة منتقدي سياسات حكومات دول مجلس التعاون، أو قادتها.
وتابع: تمخض عن ذلك بروز نمط واضح في مختلف دول مجلس التعاون قوامه الاعتماد على قوانين صيغت صياغة فضفاضة ومبهمة، وتركز على الأمن القومي من أجل إدانة الناشطين والمنتقدين السلميين، عقب محاكمات جائرة بشكل فاضح.
وأضافت رندا حبيب: “يسود التوتر المنطقة عقب ظهور الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم تنظيم الدولة الإسلامية، وبروز مخاطر باحتمال شن هجمات مميتة، ولكن لا يجوز أن يُوظف ذلك كذريعة للانتفاض وسحق جميع مظاهر المعارضة السلمية. ويتعين على دول مجلس التعاون أن تتوقف عن استخدام الأمن كغطاء لتبرير القمع والموافقة عليه”.
وذكر أن قائمة الذين تم استهدافهم بحملة القمع المستمرة دون توقف تضمنت ناشطين في حقوق الإنسان، وقادة من المعارضة، وصحفيين، ومحامين، وأكاديميين وآخرين كثر غيرهم.
وقال: “لعل قضية المحامي والمدافع السعودي عن حقوق الإنسان، وليد أبو الخير، تكون مثالاً رمزياً لكيفية توظيف التشريعات الوحشية التي تصدرها السعودية في مجال مكافحة الإرهاب، لتكون أداة لمعاقبة الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير عن الرأي. ويقضي أبو الخير الآن حكماً بالسجن 15 سنة، عقب إدانته في محاكمة جائرة بموجب أحكام “قانون مكافحة الإرهاب” الصادر عام 2014؛ وذلك على خلفية اتهامه بطائفة من التهم المتعلقة بعمله في مجال حقوق الإنسان، ناهيك عن أنه يُعاقب على سلوكيات لا توجب العقاب أصلاً، ولطالما قام أبو الخير بالدفاع عن الكثير من الناشطين السلميين، وظل ينتقد علناً سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان”.
وفي أحدث مثال وقع قبل أسبوع واحد فقط، قررت محكمة مكافحة الإرهاب في الرياض أن تزيد مدة حبس المدافع السعودي عن حقوق الإنسان، عيسى الحامد، إلى 11 سنة بعد الاستئناف.
وعلى ذمة قضية اكتست طابعاً رمزياً في الإمارات العربية المتحدة، يمضي المحامي المختص في حقوق الإنسان، محمد الركن، حكماً بالسجن 10 سنوات عقب إدانته بتهم تتعلق بالأمن القومي، بعد محاكمة جماعية بالغة الجور طالت 94 شخصاً دفعة واحدة، وعُرفت باسم محاكمة “إمارات 94”.
وانتهى المطاف بأشخاص في مختلف أرجاء المنطقة خلف القضبان، وليجدوا أنفسهم يمضون أحكاماً طويلة بالسجن لمجرد التجرؤ على التعبير عن آرائهم بحرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وشملت قائمة الذين تمت ملاحقتهم بشكل غير مشروع جراء ما نشروه من تعليقات أو تغريدات عبر موقع تويتر الناشط البحريني البارز، نبيل رجب، بالإضافة إلى ناشطين آخرين في دول مجلس التعاون.
وأما في الكويت، يمضي الناشط الحقوقي، عبد الله فيروز، الذي احتُجز في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أحكاماً بالسجن وصلت في مجموعها إلى خمس سنوات ونصف لقيامه بنشر تغريدات عبر فيها رأيه بخصوص عدم جواز إفلات أحد من العقاب لمجرد أنه من سكان القصور. ويُعد عبد الله فيروز أحد سجناء الرأي في المنطقة.
وصدر حكم بالسجن تسع سنوات بحق، الشيخ علي سلمان، زعيم “جمعية الوفاق الإسلامية” التي تُعد حزب المعارضة الرئيس في البحرين. وصدر الحكم الذي شكل افتئاتاً صادماً على حرية التعبير عن الرأي بحق الشيخ سلمان، والذي عُرف عنه انتقاده العلني لسياسات الحكومة، ودعوته إلى الإصلاح السلمي، وقامت السلطات بإغلاق الجمعية أيضاً.
وشهدت البحرين، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، تجريد المئات من جنسياتهم خلال السنوات الأخيرة، فأُجبروا على الانضمام إلى قوافل عديمي الجنسية، وحرموا من حقوقهم الرئيسية، وهو أمر يرسل بإشارات مقلقة حيال تنامي ظهور تيار إقليمي يشي باستخدام هذا الأسلوب لمعاقبة المعارضين.
واختتمت رندا حبيب تعليقها قائلة: “قد تؤدي ممارستك لحقوقك الأساسية، أو التعبير عن آرائك بحرية، إلى الزج بك في السجن في دول مجلس التعاون هذه الأيام. ويتعين على دول المجلس أن تتوقف عن توصيف الناشطين المستقلين في مجال حقوق الإنسان، والمنتقدين السلميين، ووسمهم بالمجرمين. وعوضاً عن حبس مثل هؤلاء الأشخاص لفترات طويلة بزعم حماية الأمن القومي، ينبغي على دول المجلس أن ترحب بكل محاولة لفحص سجلاتها في مجال حقوق الإنسان”.
واختتمت المنظمة بيانها بخلفية ذكرت فيها أن انتهاكات حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد قمع حرية التعبير عن الرأي، فتطال قضايا من قبيل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز، والمحاكمات الجائرة، والتقاعس عن توفير الحماية الكافية لحقوق العمال المهاجرين، وتطبيق عقوبة الإعدام. ومن جهتها، فقد شنت قوات التحالف التي تقودها السعودية، وتضم قوات عدد من دول المجلس الأخرى، سلسلة من الهجمات غير المشروعة على اليمن، قد يرقى بعضها إلى مصاف جرائم الحرب.