هل تتجه دول الخليج نحو أوروبا في علاقاتها الاستراتيجية بدلا من واشنطن؟
عبداللطيف التركي – التقرير
تحل رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، “ضيفة شرف” على قمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والثلاثين، والتي ستنعقد في المنامة عاصمة البحرين، غدًا الثلاثاء، وتستمر لمدة يومين، وهذه المرة الثانية التي يحضر فيها زعيم أوروبي، قمة مجلس التعاون؛ فقد سبق “ماي”، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي كان أول زعيم غربي يحضر قمة التعاون الخليجي، وهي القمة التشاورية التي عقدت في الرياض في 5 مايو 2015، والتي جاءت قبل لقاء قادة الخليج مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وما أثير من جدل حول التحول في الموقف الأمريكي بعد إبرام الاتفاق النووي من دول “5+1” مع إيران في فيينا.
“هولاند” وصفقة “رافال”
“هولاند”، قبل حضوره القمة التشاورية الخليجية في الرياض، زار قطر، وشهد مراسم التوقيع على صفقة بيع 24 طائرة فرنسية مقاتلة، من طراز “رافال” لقطر بقيمة سبعة مليارات دولار، وهي الطائرات التي أثير حولها جدال شديد، حيث لم تجد لها سوقًا رائجًا على مدى 27 عامًا، بسبب غلاء ثمنها وتعقيد أنظمتها، حيث زودت فرنسا هذا النوع من الطائرات لمصر في المرة الأولى، ثمّ توصلت إلى اتفاق مع الهند لبيع 36 طائرة، وكانت قطر الدولة الثالثة التي تشتريها من فرنسا.
أول زيارة لـ”ماي”
زيارة رئيسة الوزراء البريطانية، “تيريزا ماي”، للمنامة تعد أول زيارة لها لدولة خليجية، منذ توليها رئاسة الوزراء، في أعقاب استقالة ديفيد كاميرون، بعد عاصفة نتائج الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،”إدوين صمويل”، أمس الأحد، إن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ستحضر قمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والثلاثين التي ستنعقد في المنامة عاصمة البحرين، وهي الزيارة الأولى لماي لمنطقة الخليج منذ تقلدها المنصب في يوليو/تموز الماضي.
انخراط بريطانيا ودورها الفاعل
وقال “صمويل”، في بيان أصدره مركز الإعلام والتواصل الإقليمي التابع للحكومة البريطانية ومقره دبي، إن حضور “ماي” القمة الخليجية “يؤكد أن انخراط بريطانيا ودورها الفاعل في المنطقة لا يزال قويًا ولم يتأثر بالتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي”، وأضاف أن الزيارة تظهر أيضًا أن “العلاقات البريطانية-الخليجية كانت قوية في الماضي وستبقى كذلك الآن ومستقبلاً”.
الحلفاء والشركاء
البيان أضاف: “مما لا شك فيه أن قرار رئيسة الوزراء ماي أن تكون الزيارة الأولى لها إلى منطقة الشرق الأوسط زيارة للخليج، ومشاركة في أعمال القمة الخليجية رسالة بريطانية قوية بأن لندن لا تنسحب من العالم وخصوصًا المنطقة؛ بل تعزز علاقاتها مع الحلفاء والشركاء”، وتابع البيان: “كما تعني أن أمن ورخاء دول الخليج أولوية بارزة للحكومة البريطانية؛ فعلاقاتنا تتعدى المصالح الاقتصادية والتجارية إلى علاقات استراتيجية وشراكات في مختلف المجالات”.
القاعدة البحرية
“ماي”، أكدت في وقت سابق التزام بلادها بأمن الخليج “بما في ذلك من خلال القاعدة البحرية البريطانية إتش.إم.إس الجفير” في البحرين، وكان عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قد وجه دعوة رسمية لماي خلال اجتماع بينهما في لندن في أواخر أكتوبر تشرين الأول؛ لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي “ضيفة شرف”.
تحديات صعبة
القمة الخليجية في المنامة تأتي في ظل تحديات صعبة، وظروف إقليمية ودولية معقدة، وتحركات إيرانية مريبة، ورسائل مقلقة تصدر تباعًا من طهران، نحو دول الخليج، آخرها إعلان قيادة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الخميس الماضي، أن إيران تسيطر على مضيق هرمز والخليج بشكل كامل.
إيران ومضيق هرمز
وطبقًا لوكالة أنباء “فارس” الإيرانية شبه الرسمية، اعتبر مسؤول البحث عن المفقودين في الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد باقر زادة، أن مضيق هرمز والخليج “منطقة استراتيجية وأن إيران تبسط سيطرتها، في هذه المنطقة بشكل كامل”، وأكد زادة، على “ضرورة أن تبقى سيطرة إيران مستمرة على تلك المناطق، ومن مستلزمات ذلك هو التواجد المقتدر”، بحسب تعبيره.
مقر التسهيلات
حضور رئيسة الوزراء البريطانية قمة البحرين، جاء في أعقاب إعلان بريطانيا البدء في أعمال بناء أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ العام 1971، وطبقًا لوكالة الأنباء البحرينية فإن “أعمال الإنشاء في مقر التسهيلات البحرية البريطانية في مملكة البحرين في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 هـ، حيث حضر مراسم التدشين وزيرا خارجية بريطانيا فيليب هاموند، والبحرين خالد بن أحمد آل خليفة”، طبقًا لوكالة أنباء البحرين.
السفن لتعزيز الاستقرار
وقال “هاموند”، على حسابه في موقع “تويتر”، إن “العمل يبدأ على قاعدة البحرية الملكية الجديدة في ميناء سلمان في البحرين، وهي رمز بالالتزام الدائم لبريطانيا بأمن الخليج”، واعتبر وزير الدفاع البريطاني، “مايكل فالكون”، العام الماضي أن القاعدة الجديدة في البحرين “ستمكن بريطانيا من إرسال عدد أكبر وأضخم من السفن لتعزيز الاستقرار في الخليج”.
19 مليون يورو
وسيكلف بناء القاعدة 19 مليون يورو، وسيتم الانتهاء من أعمال البناء عام 2016، طبقًا لـ “أ ف ب”، وكانت بريطانيا قد انسحبت من قواعدها في الخليج عام 1971، في خطوة أدت إلى استقلال البحرين وقطر وإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، وتستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
نفي بحريني
ولكن البحرين نفت قيام المملكة المتحدة ببناء قاعدة عسكرية فى البحرين، وأكد مصدر مسئول بوزارة الخارجية البحرينية – حسبما ذكرت وكالة الأنباء البحرينة (بنا) – أن ما يتم تشييده ليس بقاعدة عسكرية، بل هو “تسهيلات إسناد” للبحرية البريطانية بموجب اتفاق بين البلدين، ووفق أنظمة وترتيبات تختلف عن أنظمة بناء القواعد العسكرية.
القيادة للمدمرة “إتش إم إس أوشان”
وتكثف بريطانيا وجودها العسكري في منطقة الخليج، وقالت صحيفة “التايمز” إن “البحرية الملكية البريطانية تتولى القيادة من الولايات المتحدة في الخليج”، وأشارت الصحيفة في تقرير لها، إلى أن مدمرة البحرية الملكية “إتش إم إس أوشان” تولت لأول مرة عملية القيادة من حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إي أيزنهاور في منطقة الخليج، وأن المدمرة البريطانية لن تشارك في العلميات، لكنها تستضيف مركز القيادة لسبع قطع بحرية في منطقة الخليج، منها قطع أمريكية وفرنسية تغطي عملياتها نحو 2.5 مليون ميل بحري.
مغادرة حاملة الطائرات أيزنهاور
“التايمز”، أوضحت أن المدمرة البريطانية يبلغ طولها نحو ثلثي حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور، والتي تحمل نحو 44 مقاتلة من طراز إف 18، شاركت في إلقاء نحو 1000 قذيفة على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية، وأشارت الصحيفة إلى أن البارجة البريطانية “أوشان” لا تحمل إلا مروحية واحدة فقط، ومن المقرر أن تنضم إليها مروحية أخرى خلال أسبوع، ونقلت الصحيفة عن الأدميرال “جيمس مالوي”، من البحرية الأمريكية قوله إن مغادرة حاملة الطائرات أيزنهاور لن تؤثر على العمليات الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، موضحًا أن حاملة الطائرات ربما تشن مزيدًا من الغارات على مواقع التنظيم في طريق العودة إلى الولايات المتحدة.
“صفقة اليمامة”
بريطانيا صاحبة أكبر صفقة أسلحة للسعودية في ثمانينات القرن الميلادي المنصرم، وهي “صفقة اليمامة”، التي أثير حولها جدال كبير، وما يتعلق بالرشاوى والعمولات، التي شغلت الإعلام البريطاني وتم التحقيق فيها، وتضمنت الصفقة شراء غير مسبوق لأسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية، دُفع مقابل تلك الأسلحة بالنفط الخام، بحيث يُحوّل 600,000 برميل (95,000 م3) من النفط الخام يوميًا لحكومة المملكة المتحدة، وكانت الجهة الرئيسية المتعاقدة “بي إيه إي سيستمز” وسابقتها “بريتش ايروسبيس”، وامتدت صفقة اليمامة بدءًا من أول شراء في سبتمبر 1985 حتى آخر عقد لتوريد 72 مقاتلة “يوروفايتر تايفون” متعددة المهام، وُقِّع في أغسطس 2006.
مكتب تحقيقات الاحتيال الخطير
وفي أغسطس 2005، قال مايك تورنر، المدير التنفيذي لـBAE Systems في ذلك الوقت، إن شركته وسابقتها ربحت 43 بليون جنيه إسترليني في السنوات العشرين من التعاقد، وأنها تستطيع أن تربح 40 بليونًا أخرى، وهذا التعاقد هو أكبر عقد تصدير في بريطانيا عبر التاريخ، ووظف 5000 شخص على الأقل في السعودية، وفي 2010، أدينت شركة BAE Systems في محاكم الولايات المتحدة الأمريكية بتهم الغش في الحسابات وإعلان بيانات مضللة بما يتعلق بالمبيعات، ولكن أوقف تحقيق بدأه مكتب تحقيقات الاحتيال الخطير البريطاني في الصفقة، بعد ضغوط سياسية من السعودية والحكومة البريطانية.
برنامج عمرة “التورنيدو”
زيارة “ماي” للخليج جاءت مع إعلان تفقد الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، السبت الماضي، “برنامج عمرة (صيانة) طائرات “التورنيدو” – ضمن صفقة اليمامة- وتطويرها بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران (شرقي المملكة)”، وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، إن “بن سلمان” استمع إلى إيجاز عن تطور العمل في “المرحلة الثالثة” من البرنامج الذي يهدف إلى المحافظة على القدرات القتالية لهذه الطائرة، عبر تطوير أنظمة التسليح إلى الأنظمة الذكية والمتطورة، وكذلك ترقية أنظمة الاتصالات والمراقبة الإلكترونية”.
إنتاج أوروبي مشترك
كما يتضمن البرنامج تدريب الأطقم الفنية والجوية على هذه الأنظمة الحديثة، ويهدف إلى “نقل التقنية للمملكة، وتدريب وتوظيف الشباب السعودي على أحدث التقنيات في مجال صناعة الطيران”، و”التورنيدو”، هي طائرة مقاتلة متعددة المهام تستعمل مطاردة وقاذفة، وهي من إنتاج أوروبي مشترك (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا)، ولا يُعرف على وجه التحديد عدد الطائرات التي تملكها الرياض من هذا الطراز.
صفقات أسلحة جديدة
فهل زيارة رئيسة الوزراء البريطانية للبحرين وحضورها القمة الخليجية مرتبط بصفقات أسلحة جديدة، مع دول خليجية أو عقود صيانة، وبرامج تدريبية عسكرية وأمنية للقوات الخليجية، في ظل ما أحدثه فوز الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، من مخاوف لدى دول الخليج، خصوصًا ما يتعلق بما أسماه بـ”مقابل الحماية” الذي يجب أن تدفعه الدول الخليجية للولايات المتحدة الأمريكية، والتحول في موقف واشنطن نحو دول الخليج والحلفاء القدامى، والبحث عن حلفاء جدد؟
تدريب الحرس الوطني السعودي
بريطانيا ارتبطت ببرامج تدريب للحرس الوطني السعودي، وطبقًا لصحيفتي “أوبزيرفر” و”ديلي تلغراف”، أن الجيش البريطاني أكد أنه أجري على نحو منتظم دورات لتدريب الحرس الوطني السعودي على الأسلحة والمهارات العسكرية العامة، فضلاً عن التعامل مع الحوادث وإبطال مفعول القنابل، والبحث، والنظام العام، وبنادق القنص، وهو ينظّمها من خلال البعثة العسكرية البريطانية الخاصة بالحرس الوطني السعودي، وهي وحدة تتكون من 11 عسكريًا من الجيش البريطاني تحت قيادة عميد.
مناقصة تحديث نظام السجون
وأشارت “أوبزيرفر”، إلى أن وزارة الدفاع البريطانية أكدت أن بريطانيا ترسل كل عام ما يصل إلى 20 فريق تدريب إلى السعودية، التي تتولى الدفع لجميع أفرادها، فضلاً عن تغطية تكاليف الدعم مثل السكن والنقل، كما أثير جدال في الإعلام البريطاني حول برنامج مصلحة السجون السعودية، وأعلنت الحكومة البريطانية أنها انسحبت من مناقصة تحديث نظام السجون في السعودية، وقال متحدث باسم رئاسة الوزراء في عهد ديفيد كاميرون، إن “الحكومة قررت أنها لن تشارك في المناقصة” البالغة قيمتها تسعة ملايين دولار، والتي تتضمن “تحليلات حول حاجات التدريب” في نظام السجون، مضيفًا أن الانسحاب من المناقصة يستجيب لأولويات إدارة وزارة العدل.
قضية كارل اندري
وجاء هذا الإعلان بعدما دعت عائلة البريطاني كارل اندري (74 عامًا)، الذي حُكم عليه بـ350 جلدة في السعودية لحيازته كحولاً، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى التدخل لدى الرياض من أجل إطلاق سراحه، وذكرت صحيفة ذي صان أن أندري الذي أوقف في آب/أغسطس 2014 في جدة، وبحوزته قناني نبيذ يدوي الصنع، حكم عليه بالسجن سنة واحدة و350 جلدة.
التسييس المفرط
ورد السفير السعودي في لندن، الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، على الحملات الإعلامية البريطانية ضد السعودية، وقال إن علاقات الرياض مع لندن قد تتعرض لأزمة بسبب التسييس المفرط لها من الجانب البريطاني، وتطرق السفير إلى تصريح زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين، الذي زعم بأنه تمكن من إقناع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالتراجع عن تقديم المال لإصلاح نظام السجون في السعودية، واعتبر السفير ذلك بمثابة الانتهاك لمبدأ الاحترام المتبادل، فيما نقلت “ديلي تلغراف” عن السفير السعودي بلندن قوله، إن بلاده تتعرض كثيرًا لسوء الفهم والتحيز والتحامل، ولكن وبما أن الشعب السعودي يحترم عادات وتقاليد بريطانيا والديانات السائدة فيها، فمن حقه أن يأمل بنفس المعاملة، ونوه بأن السعودية ترغب باستمرار علاقاتها الطيبة مع بريطانيا، ولكنها لن تسمح لأحد ” بتلقينها الدروس”.
فهل دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم البحرين السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان، بصدد توثيق علاقاته مع الدول الأوربية خصوصًا بريطانيا وانجلترا، في ظل الغموض الذي يكتنف علاقاتها مع الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا دونالد ترامب؟