مؤتمر غروزني.. خطة “بوتين” لعزل السعودية عن الشرق الأوسط
بلومبيرغ – التقرير
من اللطيف أن نرى الغضب السعودي لاستبعاد المملكة من مؤتمر في الشيشان يحدد من يمكن اعتباره منتميا للمذهب السني، فلقد فعلت الوهابية، الفرع السني الذي يهيمن على السعودية، أكثر من أي حركة أخرى في التاريخ الإسلامي، لإخراج المسلمين الآخرين من العقيدة، وتبادل الأدوار من الإنصاف.
ولسوء الحظ، فإن المؤتمر الذي ينظمه رجل الشيشان القوي رمضان قديروف، هو في الواقع جزء من خطة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لإضعاف السعودية، حليفة الولايات المتحدة، والموقف كله يظهر مدى شعور السعودية بالاستضعاف الفكري في زمن “تنظيم الدولة”، ومدى قدرة بوتين على التأثير في سياسات الشرق الأوسط.
المؤتمر الذي عقد في العاصمة الشيشانية “غروزني” في أواخر شهر أغسطس، كان لافتا بسبب من غاب عنه أكثر ممن حضره، حيث حضره أكثر من مائة رجل دين، ولم يحضر أحد من السعودية.
وكان أحمد الطيب، شيخ الأزهر المعين من قبل الدولة بالقاهرة، هو المتصدر للحدث، وبالرغم من تراجعه في السنوات الأخيرة، فإن الأزهر يعتبر أكثر المؤسسات الأكاديمية السنية نفوذا منذ عقود. ورئيسه، المعروف بشيخ الأزهر، يعد شخصية محورية في العالم السني بمقتضى الوصف الوظيفي.
وأهم عناصر المؤتمر كان التعريف، الذي قدمه الطيب، للمسلم السني، فالسنة هم “أهل السنة والجماعة”. وقال الطيب إن هذه المجموعة تشمل المسلمون المنتمون إلى مدرستين لاهوتيتين، وأي من المذاهب الأربعة للفكر الشرعي والصوفية.
أول جزئين في التعريف ليس بهما مشكلة بالنسبة للسعودية، فالمملكة تنتمي بشكل رسمي إلى فكر ومذهب شرعي يتضمنهما تعريف الطيب، لكن ضم الصوفية كان محل انتقاد السعوديين -المعارضين للصوفية عادة- حيث يعتبرون أن جوانبها الروحية تحتوي على عناصر من “البدعة” المحظورة. وينحدر الطيب من سلسلة صوفية طويلة، كذلك ينتمي كثير من الشيشانيين، ومن بينهم قديروف، إلى الأخويات الصوفية.
ووفقا لبعض التقارير، فقد ذهب الطيب لأبعد من ذلك، حيث أكد على أن السلفيين الوهابيين ليسوا من السنة على الإطلاق.. إنني أشك تماما في أنه قال شيئا من هذا، لأنها لا تتسق مع معظم التقارير التي نقلت تصريحاته، كما أن الملك سلمان ملك السعودية، قابل الطيب في أبريل بالأزهر.
والأرجح أن الطيب تنكّر ببساطة للفكر الجهادي لتنظيم الدولة، وانتقد الممارسات التي تعتبر المسلمين الآخرين كفارا، فيما يعرف بالتكفير.
لكن الأهم هو أن السعوديين تصرفوا كأن الطيب استثناهم من الطائفة السنية، فقد قال إمام سعودي بارز إن “المؤتمر الشيشاني يجب أن يكون دعوة للاستيقاط: فالعالم يستعد لحرقنا”.
لقد عرف محمد بن عبدالوهاب، الذي سميت الوهابية تيمنا به، باستبعاد المسلمين الآخرين من الإسلام، وحرق أتباعه أضرحة الشيعة، ودمروا مواقع القبور التي كانت جزءا من الطرق القديمة للحج.. ومن عدة أوجه، فإن المتمردين المعاصرين مثل “تنظيم الدولة” هم أتباع هذا الجانب من التعاليم الوهابية، لذلك فإن فكرة خوف السعوديين من اعتبارهم هراطقة، وتعرضهم للملاحقة من قبل المسلمين هي فكرة مثيرة للسخرية.. فالعالم الإسلامي في حاجة ماسة لمجموعة أكثر شمولية ورحابة من الإجابات لسؤال: “ما هو الإسلام؟” كما قال العالم الراحل شهاب أحمد.
لكن مؤتمر غروزني لا يمكن الاحتفاء به، فقديروف، المستضيف للمؤتمر، يتمتع بحماية بوتين، الذي هو نفسه يعتنق فكر المخابرات الروسية، كما يقول المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يفجيني بريماكوف، فبوتين في خضم جهود تدريجية مدروسة لاستعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
وفي رؤية بوتين الجيواستراتيجية، تظل السعودية هي الحليف الأخطر للولايات المتحدة في المنطقة، وبوتين ليس سعيدا لتحالفه فقط مع العلويين في سوريا والشيعة في إيران. ويفضل أن يشق طريقه بين المسلمين السنة كذلك.
وانتقاد الفكر الإقصائي السعودي هو طريقة بوتين لمحاولة إضعاف نفوذ السعودية في المنطقة العربية، بينما يعزز نفوذه.. ومصر وشيخ الأزهر هما أداتان يستغلهما لتحقيق هدفه.
والمحصلة هي أنه في حين أن تحجيم الوهابية والفكر التكفيري أمر جيد، إلا أن من يسعى إليهما هو بوتين لأسباب تتعلق بمصالحه الذاتية، المتعارضة مع مصالح الولايات المتحدة.
من الجيد أن نفصل الفكر الديني عن السياسة، وتبني صيغة مؤتمر غروزني للأول والتشكيك في الثاني، لكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط اليوم، فإن هذا الفصل مستحيل تقريبا.