العمالة الهندية تتضور جوعا في السعودية.. أزمة حكومية أم سوء إدارة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1959
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عبداللطيف التركي – التقرير
نداء الاستغاثة، الذي وجهته وزيرة الخارجية الهندية، سوشما سواراج، إلى العمالة الهندية في المملكة العربية السعودية، لتقديم المساعدة لأكثر من 10 آلاف هندي يتضورون جوعا، ويواجهون أزمة غذاء في مدينة جدة، لعد استلامهم رواتبهم منذ عدة أشهر من شركة “سعودي أوجيه”، كبرى شركات المقاولات في السعودية، أثار تساؤلات بشأن مشكلات العمالة في السعودية، والأزمة الخانقة، التي تعاني منها الشركات العاملة في قطاع المقاولات، وعلى رأسها “بن لادن”، و”سعودي أوجيه”، التي تواجه بعضها الإفلاس، ما اضطرها إلى تسريح آلاف العمال، الكثير منهم لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية، والأغلبية العظمى لم يتسلموا رواتبهم.

10 آلاف عامل هندي
وزيرة الخارجية الهندية قالت إن أكثر من 10 آلاف عامل هندي في السعودية يواجهون أزمة غذاء، والكثير منهم لم يتلقوا أجورهم منذ شهور، وأضافت أن معظم العمال يعملون في شركات إنشاء سعودية تعرضت لخسائر مالية، نتيجة لانخفاض أسعار النفط، وناشدت “ساواراج” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أكثر من 3 ملايين هندي يعيشون في السعودية “مساعدة إخوانهم وأخواتهم”، وأشارت إلى أنها طلبت من السفارة الهندية في الرياض، توزيع أكبر قدر ممكن من الطعام على من يحتاجونه، وقالت الجالية الهندية في جدة، إنها ساعدت الحكومة في تقديم معونات على العمالة الهندية المتضررة.

مخيمات العاملين الجوعى
القنصلية الهندية في جدة، أعلنت أنها زارت عددا من مخيمات العاملين لتقديم المواد الغذائية الرئيسية لهم، ويعتزم وزير هندي السفر للسعودية في محاولة لإعادة العمالة المتضررة إلى بلاده، وقالت إنها وزعت أكثر من 15 طنا من الطعام في يوم واحد فقط.
وطبقا لتقرير وكالة “رويترز”، أجبر انخفاض أسعار النفط، الحكومة السعودية على خفض الإنفاق منذ عام 2015، ما وضع ضغوطا على شركات الإنشاءات المحلية، التي تعتمد على العقود الحكومية، ونتيجة لذلك وجدت الكثير من الشركات صعوبة كبيرة في دفع أجور العمالة الوافدة، وسرحت عشرات الآلاف من العاملين، تاركة الكثيرين منهم دون نقود لشراء تذاكر سفر للعودة إلى بلدهم، أو حتى شراء طعام.

الانتهاكات المتفشية من جهات العمل
وتضيف “رويترز” في تقريرها، أن الحكومة السعودية تقول إنها تحقق في الشكاوى، التي تتلقاها بشأن الشركات التي لا تدفع الأجور، وإذا تطلب الأمر تجبرهم على دفع الأجور، مضافا إليها غرامات، وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجهت انتقاد للسعودية، بسبب ما وصفته بـ”الانتهاكات المتفشية من جهات العمل لحقوق العاملين، بما في ذلك إرغامهم على العمل أو بطريقة استغلالية”، وقال وزيرة الخارجية الهندية إن العمالة الهندية في الكويت تعاني أيضا من نقص الغذاء، لكن موقفهم أكثر سهولة، حسبما أفادت به، ولم يصدر أي تعليق من الحكومة السعودية على موقف العمالة الهندية.

أكثر من 31% من عدد السكان
ووطبقا للإحصاءات الخاصة بالعمالة الأجنبية في السعودية، فإنها تستحوذ على 42% من الوظائف، وبلغ عددهم 9.4 مليون، بنسبة 31% من عدد السكان، كما تصل تحويلات العمالة الأجنبية إلى بلادهم من السعودية إلى 26.6 مليار دولار، وتعتبر المملكة أكثر وجهة مفضلة للعمالة في الشرق الأوسط، حسب استطلاع أجراه بنك “إتش إس بي سي”، و تعتبر السعودية الرابعة عالميا في استقدام العمالة.
وتشير آخر تقارير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، أن عدد السعوديين قدر بنحو ثلثي السكان (67%)، بنحو 20.7 مليون نسمة، فيما يمثل غير السعوديين ثلث السكان تقريبا (33 %)، بنحو 10.1 مليون نسمة، كما أعلنت المصلحة أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، بلغ 91.7 ألف ريال، حيث بلغ الناتج 2.82 تريليون ريال في 2014.

8 جنسيات تتصدر
وفي تحليل إحصائي، أوضح أن هناك 8 جنسيات محددة تشكل حوالي 85% من إجمالي عدد المقيمين في المملكة، وجاءت الجنسية “الهندية”، في المركز الأول بنسبة 19.4%، ثم الباكستانية بنسبة 14.5%، ثم البنغالية بنسبة 14.4%، فالمصرية 14.3%، ثم الفلبينية 11.3%، وهذه الجنسيات الخمس تشكل النسبة الأكبر من المقيمين في المملكة، وبعد هذه الجنسيات الخمس تأتي اليمنية بنسبة 5.07%، ثم الإندونيسية بنسبة 4.19% ثم السودانية 2.5%، ثم بقية الجنسيات الأخرى مثل السورية والسرلانكية والفلسطينية والتركية والأردنية وغيرها،

استعدادات لإجلاء العمالة الهندية
صحيفة “ذَا هندو” الهندية، اشارت إلى بدء استعدادات الحكومة الهندية لإجلاء عدد كبير من عمالها المتواجدين بالسعودية، وذلك بعد تاخر رواتبهم، إضافة إلى إلغاء عقود غالبيتهم، وذلك نقلا عن أحد كبار المسؤولين بالحكومة، ونقلت الحكومة الهندية أن عمليات إعادة العمال من السعودية للأراضي الهندية بدأت بإحصاء عدد العمالة الذين يواجهون ظروفا معيشية صعبة، وكان العدد الأولي يصل الى 2500 عامل في عدة مدن سعودية، ثم ارتفع بشكل كبير.
وأكد أحد كبار المسؤولين في الحكومة الهندية لصحيفة ” ذَا هندو”، أنه في حال ازداد عدد العمال الذين سيتم عودتهم لنيودلهي سيتم إرسال سفينة لأجل ذلك “، وأوضحت الصحيفة أن السفير الهندي في السعودية أجرى محادثات مع أحمد السالم، وكيل وزارة الداخلية، من اجل صرف رواتب العمالة الهندية المتأخرة، قبل عودتهم لنيودلهي.

أزمة مالية خانقة
ومعظم العمالة الهندية التي تواجة المشكلة، من عمالة “سعودي أوجيه”، التي يملكها سعد الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية، إضافة إلى جنسيته اللبنانية، وتعاني شركة “سعودي أوجيه” من أزمة مالية خانقة، أدت إلى تأخير دفع رواتب موظفيها لأكثر من 6 أشهر، ما دفع وزارة العمل السعودية إلى إيقافها عن العمل، وقال الأمير محمد بن سلمان في حواره مع شبكة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية المتخصصة، إن شركة “سعودي أوجيه”، حصلت بالفعل على العديد من أقساطها المستحقة لدى الحكومة السعودية، لكن الشركة تعاني من ديون داخل المملكة وخارجها، لذا فبمجرد إيداع مستحقات الشركة في حساباتها المصرفية، يقوم البنك الدائن بسحب تلك الأموال.

مشكلة “سعودي أوجيه”
“ابن سلمان”، اعتبر أن المشكلة التي تواجهها الشركة، فيما يتعلق بعدم تغطية تكاليف عمالتها الخاصة، ليست مشكلة الحكومة، فهي مشكلة “سعودي أوجيه”، قائلا: “بالنسبة لنا، فنحن نلتزم بالعقد بيننا وبين الشركة، أما إذا كان البنك يسحب الأقساط التي نودعها في حسابها، وتعجز بالتالي عن سداد مستحقات المقاولين والعمال، فهذه مشكلتهم، ويمكنهم اللجوء للقضاء”.
وعن تدخل حكومي لحل مشكلة العدد الكبير من العمال، الذين لم يتقاضوا أجورهم، قال الأمير محمد بن سلمان: “لم نتلق أي شكاوى من المقاولين المتعاملين مع (سعودي أوجيه) أو العمال، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني ضد الشركة، لكن بمجرد اتخاذ المتضررين من الشركة للإجراءات القانونية، فلا شك أن دور الحكومة هو حمايتهم.”

الحكومة سددت 70% من المستحقات
ولي ولي العهد السعودي، أكد أن العديد من الشركات المنفذة لمشروعات حكومية بالمملكة حصلت على مستحقاتها، وستحصل الشركات الباقية على مستحقاتها قريبا، ونقلت “بلومبيرغ” عن وزير الدولة عضو مجلس الشؤون الاقتصادية السعودي، محمد آل الشيخ، قوله إن الحكومة سددت 70% من المستحقات المتأخرة للمقاولين، وستقوم بتسديد المتبقي وبنسبة تصل إلى 98 % من إجمالي المتأخرات، خلال الأسبوعين القادمين.

مئات العائلات تواجه مصيرا غامضا
وطبقا لوكالة “فرانس برس”، قال مصدر متابع لملف “سعودي اوجيه”، أن وضعها “ميؤوس منه”، مشيرًا الى أن مئات العائلات تواجه مصيرا غامضا، ويقول “لا يمكنهم دفع تذاكر السفر” إلى بلدانهم، أو تحويل الأموال إلى بعض أفراد عائلاتهم المقيمين في بلدهم الأمّ، وحسب المصدر، فإن سوء الإدارة هو إحدى المشكلات الأساسية في الشركة، وتضاعف تأثيرها مع انخفاض الإيرادات النفطية السعودية، التي تسببت بعجز قياسي بلغ 87 مليار دولار في موازنة المملكة لعام 2015.

مشكلات الشركات الإنشائية العملاقة
المحلل الاقتصادي السعودي، “برجس بن حمود البرجس”، يقول إن شركات عملاقة تعاني كثيرا وستتكبد خسائر كبيرة، بعد أن كانت شركات قيادية، وستسقط وتسقط معها شركات تحالف وشركات باطن، وسيتم تسريح موظفين سعوديين بعشرات الآلاف، مضيفا أن شركات كبيرة وشركات عملاقة تعاني كثيرا. عجزت عن تسديد مستحقات البنوك وتوقفت عن دفع رواتب موظفيها، والأسباب كثيرة منها عدم استلام المستحقات من العملاء -القطاع العام غالبا- لعدم استيفاء جميع الشروط، ولم تعد الأنظمة تحابي الشركة كونها كبيرة، وأيضا عدم قبول استثناءات لهذه الشركات أثر عليها كثيرا، وهناك أسباب أخرى كثيرة منها تداعيات لتعثرات سابقة ومعالجتها بديون بلغت ذروتها، والعجز حتى عن إعادة جدولتها. أيضا لا نغفل عن ذكر أن بعض المشاريع لتلك الشركات رست عليها دون التقيد بأنظمة العقود.
“البرجس”، يرى أن المشكلة الكبرى لهذه الشركات الإنشائية العملاقة أنها تعاقدت لتنفيذ أعمال تفوق قدرتها، وهذا جعلها تعتمد على شركات الباطن، فتولد من هذه التحالفات والتكتلات الاحتكار، ورداءة الجودة، والتعثر والفساد والديون، ولا ننسى أنه كان هناك اشتباه في طريقة طرح بعضها، عندما طرحت للاكتتاب.