مركز بيغن-السادات: التراجع الأمريكيّ بالمنطقة يُنبّئ عن ضعف
ويُشجّع سعي إيران وروسيا للهيمنة الإقليميّة ويؤدّي لمزيدٍ من التعاون بين مصر والأردن والسعودية وإسرائيل
الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
رأت دراسة جديدة أصدرها مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجيّة أنّ التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط يُنبئ عن ضعف، ويشجع سعي إيران للهيمنة الإقليميّة، بدعمٍ من الاتفاق النووي. ولفت مُعّد الدراسة البروفيسور افراييم عنبار إلى أنّ أخطر عواقب السياسة الخارجية الأمريكيّة الحالية في الشرق الأوسط، هي: احتمالية الانتشار النوويّ.
علاوة على ذلك، أوضحت الدراسة، أنّ النهج الأمريكيّ الحالي يسمح لروسيا بأنْ تزحف إلى المنطقة، ما يعزز من قوّة المحور الراديكاليّ الذي تقوده إيران، كما يفتح الباب أمام “فنلدة” (مصطلح يستخدم لوصف تأثير بلد قويّ على سياسات بلد أصغر مجاور) الخليج وبحر قزوين من قبل إيران، بيد أنّ ضعف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، جزم البروفيسور الإسرائيليّ، سيكون له حتمًا نتائج إيجابية في أجزاء أخرى من العالم، على حدّ تعبيره.
وجاء في تفاصيل الدراسة: أعربت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس باراك أوباما، عن عزمها تقليص وجودها في منطقة الشرق الأوسط، حيث خاضت حربين فاشلتين، لقنتاها درسا مثيرًا للإحباط بشأن حدود قوتها. بموازاة ذلك، انخفض اعتماد الولايات المتحدة على طاقة الشرق الأوسط، بفضل التقدم المحلي في تكنولوجيا التكسير. علاوة على ذلك، قررت واشنطن الانتقال إلى محور الصين، المنافس العالمي الناشئ، وأيضا تقليل نفقات الدفاع، تاركةً وراءها أصولاً عسكرية أقل (لفترةٍ خلال عهد أوباما، لم يكن للولايات المتحدة أي حاملة طائرات في البحر المتوسط ولا الخليج، وهو وضع غير مسبوق).
بالإضافة إلى ذلك، كانت الحملة الأمريكية ضد داعش محدودة للغاية، ولم تحرز نجاحا يُذكَر. وهكذا للأسف، يشير هذا الانفصال إلى إنهاك الولايات المتحدة وضعفها، كما أكّدت الدراسة. وأضافت أنّ واشنطن امتنعت عن مواجهة إيران، وقطعت أشواطًا طويلة لاستيعابها، وفي حين تدّعي واشنطن أنّها واثقة من أنّ إيران ستلعب دورًا إقليميًا مسؤولاً، يرى قادة أنقرة والقاهرة وتل أبيب والرياض أنّ توجهات طهران السياسية لم تشهد تغييرًا يُذكَر عمّا قبل الاتفاق النووي، بل ثمة احتمالية لإنتاج قنابل نووية في وقت قصير.
أما أخطر نتائج سياسة الانسحاب الأمريكية من المنطقة فهي، برأي الدراسة: زيادة احتمالية الانتشار النوويّ، ذلك أنّ القوى المتنافسة على القيادة الإقليمية، مثل: مصر وتركيا والسعودية، لن تقف مكتوفة الأيدي في الميدان النووي، خاصّةً وأن واشنطن لم يعد يُعوَّل عليها لتوفير الأمن، ويُرجّح أنْ تفشل محاولات واشنطن لإقناع القوى الإقليميّة بالاعتماد على المظلّة النوويّة الأمريكيّة في محاولة لمنع الانتشار النوويّ، وسيكون ظهور شرق أوسط نووي متعدد الأقطاب- النتيجة المنطقية للتسوية الأمريكية النووية مع إيران- كابوسًا استراتيجيًا للجميع، بحسب تعبيرها.
ولفتت إلى أنّ إيران الأكثر جرأة- والتي تعمل عادة عبر وكلاء وليس عن طريق الغزو العسكري- قد تُكَثِّف من حملتها التخريبية ضدّ السعودية، ربمّا عن طريق اللعب بورقة الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط ذات الأغلبية الشيعية، والتي سيؤدي فقدانها إلى إضعاف الدولة السعودية إلى حدٍّ كبيرٍ، وربمّا يصل حتى إلى تفككها. وتدرك روسيا، شدّدّت الدراسة، تمامًا إمكانية إعادة تأكيد دورها في المنطقة عقب التراجع الأمريكيّ، ولتحقيق هذه الغاية، اتخذت خطوة كبيرة بالتدخل عسكريًا في سوريّة لضمان بقاء نظام الأسد، ذلك أنّ سوريّة الساحلية تمثل قاعدة حيوية لتعزيز الوجود البحري الروسي في شرق المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، تريد روسيا حماية فرص الطاقة التي تعتمد على بقاء الأسد.
وكانت سوريّة حليفة لإيران منذ عام 1979، وهو أطول تحالف في الشرق الأوسط، والحفاظ على نظام الأسد أمر بالغ الأهمية للمصالح الإيرانية، لأنّ دمشق تمثل محورًا هامًّا لحزب الله، وكيل طهران في لبنان. وهكذا تخدم الجهود التي تبذلها روسيا بالنيابة عن الأسد مصالح النظام الإيراني بشكل غير مباشر، وفي حال نجاحها، سوف تعزز هذه الجهود النفوذ الإيرانيّ في المنطقة. وخارج سوريّة، رأت الدراسة، قد نرى انضمام إيران إلى روسيا في دعم طموحات السياسة الكردية من أجل إضعاف تركيا، منافسة إيران على القيادة الإقليمية. وبالنسبة لمصر، قالت الدراسة، يلعب التردد الأمريكيّ في دعم نظام السيسي لصالح الروس، الذين يبيعون السلاح لمصر، ويتفاوضون حول ميناء الإسكندرية، ويزودون مصر بمفاعلات نووية. في العراق أيضًا، نرى إرهاصات الوجود الروسيّ في التنسيق مع إيران، في ظلّ التراجع المتواصل للنفوذ الأمريكيّ.
وشدّدّت الدراسة على أنّ صعود إيران الأكثر عدوانية، وهو النتيجة المباشرة لتراجع واشنطن، قد يؤدي إلى مزيد من التعاون الضمنيّ بين مصر والأردن والسعودية وإسرائيل. والسؤال الكبير هو ما إذا كانت تركيا ستنضم إلى مثل هذا التوافق المعادي لإيران. في المقابل، سيؤدّي ضعف أمريكا في المنطقة حتمًا إلى نتائج إيجابية في أجزاء أخرى من العالم. بيدَ أنّ المصداقية الأمريكية محل تشكك الآن، قالت الدراسة وأضافت وربمّا يقرر الحلفاء في أي مكان آخر أنّ الحكمة تقتضي التزام الحيطة في رهاناتهم، لذلك فإنّ هناك تحديات أكبر تنتظر الولايات المتحدة خارج منطقة الشرق الأوسط.ِ
ووفقًا للدراسة، فإنّ سياسة انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط في عهد أوباما تُسبب لأمريكا وحليفاتها ضررًا إستراتيجيًا خطيرًا، ذلك أنّه لا يوجد لها بديل. وخلُصت الدراسة إلى القول إنّ انتخاب الرئيس الأمريكيّ الجديد قد يؤدّي لتغيير في سياسة واشنطن بالشرق الأوسط، التي أكّدت على أنّها سياسة غير مسؤولة بالمرّة، قالت الدراسة.