هل تتحقق نبوءة التوراة بقيامة مملكة “إسرائيل” الكبرى؟..
أحمد الشرقاوي
حكمة قديمة: الحقيقة تشبه الشمس في سطوعها، يستطيع الإنسان حجبها بغيوم الكذب لفترة، لكنه لا يستطيعون إخفائها إلى الأبد..
*** / ***
في كل مرة يضرب فيها الإرهاب، نكتشف أننا شعوب جبانة، لها قابلية غريبة للتضحية بالكرامة والقبول بالعيش في الذل والإهانة، لا تبالي بمقدساتها ولا بقدسية حياة أبنائها ولا بالظلم الذي يمارس عليها من قبل حكامها، شعوب غارقة في بحر دماء الفتن برغم إدراكها أن ما يصيبها من نزيف وخراب ودمار هو بسب صمتها وقابليتها لأن يكون مفعول بها وفيها، الأمر الذي حوّلها إلى أمة بلا وزن ولا قيمة..
ولأن أمّة هذا حالها، صدّقت من جهلها شعار فصل الدين عن السياسة لقتل روح المقاومة في نفوس شبابها، وتعلّم أبنائها في مدارس السلطة أن أركان الإسلام لا تعدو عن كونها خمسة وفق ما شرّع لها فقهاء بنو أمية، من دون أن يكون بينها ركن الجهاد المقدس بالمفهوم القرآني العام الذي يعني المجاهدة بالعلم والعمل والمقاومة من خلال الدفاع المشروع عن النفس عند الضرورة، ولا ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنصح الحاكم المنحرف والوقوف في وجه الطاغية المستبد لاقتلاعه من عرشه واسترداد شرعيتها وفرض إرادتها السياسية.. أقول، أمة هذا حالها، لا يمكن أن يُيسّر الله العادل لها غير حُكّام على مقاسها لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (كيفما تكونوا يولّى عليكم)..
والحقيقة أنني لا أجد فائدة اليوم في انتقاد الحكام العرب بعد أن لم يعد للنقد من جدوى، كما لا أجد ما أصف به حال الأمة التي تعيش في غيبوبة برغم هول النكبات التي منيت بها وعظيم المصائب التي حلت بأوطانها ومقدساتها غير قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم).. لأن الفتنة وفق ما يستفاد من آيات الذكر الحكيم تصيب الساكتين عن قول الحق في وجه الظالمين خاصة، فيُحوّل الله الأقوام المتواطئين بصمتهم إلى فتنة للظالمين ليذيقهم وبال أمرهم عساهم يستفيقوا من غفلتهم ويقرروا تغيير حالهم وأوضاعهم من خلال مواجهة الطغاة الخونة من فراعنة العصر الجاثمين كالقدر على صدورهم..
ولأن ما يحدث في عالمنا العربي من شر هو بسبب استقالة المثقف الذي لم يعد يمثل ضمير الأمة، وخلوّ الساحة لأشباه العلماء من فقهاء السلاطين، وصمت الشعوب وتقاعسها عن القيام بواجبها المقدس في تغيير المنكر ومقاومة الشر.. بدليل ما نراه يحدث في فلسطين وسورية والعراق وليبيا واليمن والبحرين على سبيل المثال لا الحصر، حيث لم يعد يعنينا حجم النزيف ولا هول الخراب، وأصبحنا جميعنا نقف كمتفرجين في انتظار أن يرحمنا الله بالموت أو التخلف العقلي، هذا بالرغم من ادعائنا بالقول دون الفعل أننا أمة مُسلمة تدين بالولاء لله ورسوله وللذين آمنوا، واعتقادنا بغباء أننا ننتمي لخير أمة أخرجت للناس..
وحدها المقاومة رفضت الصمت وقررت التحدّي برفع راية الإسلام المحمدي الأصيل كي لا ينجح المنافقون والمجرمون في إطفاء نور الله بأفواههم وأفعالهم، وها نحن نرى ونسمع ونتابع بشغف أخبار رجالها الشرفاء الذين قرروا التموضع في خندق الدفاع عن الأمة ضد الأعراب المتصهينين الذين بلغ بهم الكفر مبلغه فأعلنوا الحرب على الله ودينه وعباده كافة.. مُتوكّلين على الله وحده دون سواه، مُقدّمين أرواحهم فداءا بين يدي رب العباد، راجين منه أن لا يجعل شعوب هذه الأمة المسحورة فتنة للقوم الظالمين، حتى لا يحل بنا ما حل بالأمم السابقة من هلاك وفق ما يستفاد من سنن الله في التاريخ.
*** / ***
أما حكوماتنا الخائنة ومنظماتنا المنافقة من الجامعة العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي، فلم يعد لهم من دور يذكر غير الدفاع عن العمالة لتكريس الاستبداد وتأبيد الفساد، وحين يُمزّق الإرهاب لحم أبنائنا وأحبّائنا وتسيل الدماء أنهارا، نجدهم يسارعون لإصدار بيانات الإدانة والاستنكار في حق التنظيمات التكفيرية التي هي مجرد أدواة تنفيذية ليس إلا، متجاهلين عن عمد وسبق إصرار العقل المدبر والجهات المُموّلة والداعمة للإرهاب في استغباء للشعوب ما بعده استغباء..
والمصيبة، أن بيانات النفاق هذه، تصدر بشكل انتقائي يستثني مذابح الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري والعراقي واليمني والليبي بشكل يومي، في حين نراها تصدر فقط لإدانة الجرائم التي يتعرض لها الغرب الأطلسي أو مملك الشر والإرهاب الوهابية، وكأن الإٍرهاب وباء طبيعي لم تصنع جرثومته الخبيثة في دهاليز الساسة وأقبية المخابرات في واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس والرياض والدوحة وأنقرة من بين عواصم أخرى..
لا نحتاج للقول أن هذا الأسلوب الرسمي المراوغ في التعامل مع ظاهرة الإرهاب في العالم العربي، يتعمّد التركيز على النتائج ويدير ظهره للأسباب الحقيقية التي تقف وراء الظاهرة.. لدواعي لم تعد خافية على أحد، فالحكومات الظالمة في وطننا العربي المنكوب تخاف أمريكا و”إسرائيل” و”السعودية” أكثر مما تخاف الله، ويهمّها بقاء عروشها على مصالح الشعوب وأمنها واستقرارها..
وبالتالي، فإذا كان هناك من وجوب لإدانة العمليات الإرهابية التي أصبحت خبزا يوميا يتناوله الإعلام، فأحرى وأولى وأجدى أن تطال هذه الإدانة نظام ‘آل سعود’ المجرم وأسياده في واشنطن وتل أبيب على كل ما أصاب الإنسانية جمعاء من شرهم من قبل الشعوب العربية والإسلامية كافة، وذلك من خلال مظاهرات غاضبة تزلزل الأرض تحت عروش الحكام على امتداد جغرافية العالم العربي والإسلامي، وهذا أضعف الإيمان.. لأن “داعش” و”القاعدة” وأخواتها ليسوا سوى جند الشيطان، ينفذون مخططات هذا التحالف النجس بوفاء وإخلاص، منهم المرتزقة الذين يسعون للغنيمة، ومنهم الأغبياء المكبوتين جنسيا الذين يكرهون الحياة ويستعجلون الرحيل طمعا في حوريات الجنة، فيما تدفع الشعوب ثمن تقاعسها من نزيف دماء أبنائها ودمار مقدراتها وخراب أوطانها.. فإلى متى الصمت؟.
*** / ***
دعونا أيها السادة لا نُضيّع البوصلة في تفاصيل غير مُجدية من قبيل أن كلاب الجحيم في “داعش” خرجوا عن السيطرة وأصبحوا يتصرفون وفق أجندة خاصة بهم في إطار خطة تكتيكية حوّلت المنيّة إلى وحش أعور يخبط خبط عشواء من يصب يمته ومن يخطئ يُعمّر مع هاجس الخوف ويستسلم.. إلى أن يستغيث الناس فلا يجدون من مغيث غير أمريكا لتخلّصهم من شر الإرهاب وتأتي لهم بالحرية والديمقراطية لينعموا بحقوق الإنسان كعبيد لا كأسياد، هذا علما أن الحرية لا تمنح منّة بل تؤخذ بالقوة، والديمقراطية تجربة خاصة لا تستورد على المقاس لأنها مدرسة يتعلم فيها الشعب إدارة شؤونه بفعل الممارسة، والحكمة تقتضي التعلم من الأخطاء لصقل التجربة.
وإذا كان هذا هو المطلوب أمريكيا كما سبق لسماحة السيد أن أوضح ذات خطاب، فلماذا نهتم بتفاصيل النتائج ونغفل عن الأسباب الحقيقية التي أدت لما نحن فيه اليوم من عذاب؟..
ثم يحدثك من يفكر بمنطق القبيلة زمن الجاهلية عن الحرية والشرعية والمظلومية الطائفية في العراق وسورية، في محاولة خبيثة لوأد مفهوم الوطن والمواطنة والإنسان كقيمة.. وهو كلام لا يعدو أن يكون نوع من الزنا بالكلام.
*** / ***
والخطورة اليوم أيها السادة، تكمن في أن الهدف الأساس من الإستراتيجية الجديدة التي اعتمدها تنظيم “داعش” باعتباره أداة أطلسية وصهيو – وهابية مُوجّهة، هو خلط الأوراق وإعطاء الانطباع بأن “الإرهاب الإسلامي” كما تُصرّ “إسرائيل” على تسميته، أصبح يُشكل خطرا داهما على العالم أجمع.. أليس هذا هو الشعار الجديد الذي يتردد في الإعلام المُوجّه صباح مساء؟..
– فهل حقا يعتبر “الإرهاب” الخطر الداهم الذي يتهدد الأمة بالفناء، أم أن الخطر الحقيقي يكمن في من يوظفون “الإرهاب” من أجل أهداف جيوسياسية أصبحت مكشوفة اليوم لكل ذي عقل ودين؟..
– وكيف يمكن الانتصار على الإرهاب من دون مواجهة العقل الأطلسي والصهيوني الذي يُوظفه، وتدمير منبع الفكر الذي ينتجه، وتفكيك الأنظمة العميلة التي تدعمه؟..
– وهل يعقل أن نراهن على أمريكا والغرب الأطلسي لتخليصنا من الديكتاتوريات الفاسدة التي زورت ماضينا واستحوذت على حاضرنا وسرقت مستقبلنا وحولتنا إلى شعوب مدجنة تعيش كالقطيع في مزرعة الراعي؟..
نقول هذا، لأن شعار “محاربة الإرهاب” تحوّل اليوم إلى دعوة صريحة لمحاربة الإسلام باعتباره دينا يدعو إلى العنف ويُشجّع على الكراهية ولا يحترم الحق في الحياة، لذلك قرّروا في سابقة تنسف شرائع السماء وقوانين الأرض اعتبار حركات المقاومة الإسلامية الشريفة التي تمثل أنموذج الإسلام المحمدي الصحيح تنظيمات “إرهابية”، لا لشيئ سوى لأنها أفشلت حروبهم العبثية وهزمت مجاميع جيوشهم السّرّية من “داعش” و”النصرة” وأخواتهما في العراق وسورية وقبل ذلك في لبنان، الأمر الذي كشف للعالم ضعف سلاح الإرهاب أمام قوة وصلابة محور المقاومة المنصور بالله، وهذا بالتحديد هو النموذج الذي يخشون أن تعتنقه الشعوب العربية والإسلامية لما يمثله من أمل في صحوة إسلامية تنذر بثورة مزلزلة قادمة لا محالة ضد الحكام الخونة وضد أمريكا و”إسرائيل” و”السعودية” حال استعادة الأمة لوعيتها، لتعم الشوارع العربية رافعة شعار تحرير الإنسان وتحرير الأوطان حتى النصر أو الشهادة. نقول هذا لأن التاريخ علمنا أن من يبتغي العزة في غير الإسلام الثوري المحمدي يذله الله من حيث لا يحتسب.
وهو الأمر الذي استوجب تغيير الإستراتيجية من خلال الهروب نحو الأمام لتوسيع رقعة الاستهداف لإثارة الرعب وتشكيل رأي عام دولي تحضيرا لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، حيث يمكن للصهيونية هيلاري كلينتون تشكيل تحالف عسكري جديد لتغيير معادلات القوة في المنطقة قبل فوات الأوان، وهو ما يذكرنا باستراتيجية الدولة العميقة في الولايات المتحدة زمن بوش، وإن اختلفت بعد التفاصيل، خصوصا بعد أن أدركت أمريكا نفسها أن استراتيجية الحروب الناعمة و بالوكالة لم تحقق أي من الأهداف المتوخاة، ورفض الإمام الخامنئي هذا الأسبوع طلبا أمريكيا بالتنسيق مع طهران حول شؤون المنطقة، خصوصا في الملف السوري، فجاء رده على الدعوة الأمريكية حاسما حيث قال: “لا نريد مثل هذا التنسيق لأن هدفه الرئيسي إنهاء وجود إيران في المنطقة”، مضيفا أمام آلاف الطلاب الذين استقبلهم مساء السبت الماضي على مائدة الإفطار: “انطلاقا من واجبي الديني والأخلاقي، وطالما بقي في جسدي نفس واحد، سأقاوم أعداء الثورة الإسلامية”..
وهو الأمر الذي يؤشر إلى أن المعركة مع الاستكبار العالمي وأدواته الصهيونية اليهودية والعربية في المنطقة قد تفتح على مصراعيها في المرحلة المقبلة.. هذا في ما نلاحظ تململا واضحا لدى الأوروبيين بعد استشعارهم خطورة اللعب بنار الإرهاب والانقياد الأعمى وراء سياسات واشنطن المُدمّرة، فالشعوب الأوروبية لم تعد تقبل بتدخل حكوماتها في حروب أمريكا العبثية، وبدأت تتوجه نحو اليمين المتطرف الذي ينتهج سياسة الانغلاق على النفس في حدود الوطن القومي ورفض منطق العولمة، خصوصا بعد كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي ستكون لها تداعيات على مستوى أوروبا وأمريكا نفسها لا محالة.
*** /***
لا أريد تكرار ما سبق وأن تناولناه بتفصيل إبان عمليات “داعش” في باريس وبروكسل وأورلاندو مقارنة بتفجيرات “القاعدة” في نيويورك ومدريد ولندن وغيرها.. ولا أريد الخوض في تفكيك تفجيرات الكويت ولبنان والأردن وتركيا و”السعودية”.. لأنها مجرد مضيعة للوقت يسعى من ورائها الإعلام المُدجّن لتشكيل رأي عام على أسس مُضللة وفق شبكة أكاذيب متطورة تنتهجها مملكة الشر والإرهاب الوهابية، في تقليد بليد لسياسات المحافظين الجدد زمن بوش الصغير، خصوصا بعد أن شعر ‘آل سعود’ الصهاينة أن الغرب لم يعد مُهتمّا بخوض حروب لمصلحة نفوذهم برغم مت يقدمونه له من مال وإغراءات اقتصادية، فقررت بمعية “إسرائيل” لعب دور القوة الإقليمية القادرة على ضبط الأمن والاستقرار في المنطقة بعد هزيمة إيران ومحورها، لأنه لم يعد من عدو لهذا الكيان المجرم اليوم في المنطقة غير إيران ومحورها.
وعليه، فالإرهاب الوحيد الذي أعرفه جيدا بحكم خبرتي ومشاركتي في عديد التحقيقات غير الرسمية في إطار منظمات المجتمع المدني في أوروبا، هو إرهاب المخابرات الأطلسية والصهيونية.. أما “القاعدة” و”داعش” وغيرهما من التنظيمات التي تناسلت كالفطر على امتداد جغرافية عالمنا العربي، فلا تعدو كونها أدوات توظفها القوى الدولية والإقليمية وأحيانا الوطنية من أجل أهداف سياسية خبيثة.. لذلك فتفجيرات “السعودية”، لا تعدو كونها محاولة مستميتة لاستنساخ تجربة الأحلاف الأمريكية لمواجهة الإرهاب، لكن هذه المرة بقوى عربية وإسلامية سنية، لأن الإرهاب في المفهوم الوهابي هو إرهاب “شيعي” تدعمه إيراني.
لاحظو مثلا تفجيرات “السعودية” الأخيرة.. نحن أمام 4 عمليات في مواقع مختلفة خلفت جميعها أربع شهداء من قوات الأمن فقط لا غير.. وقارنوا ذلك بتفجير الكرّادة في العراق الذي خلف مئات الشهداء والجرحى واعتبر بحق كارثة وطنية غير مسبوقة، ونجحت “السعودية” بواسطته في تأليب الرأي العام العراقي ضد رئيس الوزراء العبادي بسبب نجاحه في جمع الرأي العام الوطني حول معركة الفلوجة التي شكل تحريرها انتكاسة لـ”السعودية” وأسيادها، وبعد أن اجتمع مع قوى الحشد الشعبي واستنكر تصريحات الوزير الجبير والسفير الوهابي المطالبة بتفكيك هذه القوة الوطنية الضاربة التي أصبحت مؤسسة رسمية من مؤسسات البلاد.
ثم انظروا كيف أن من فجّر قرب القنصلية الأمريكية في جدة، تعمّد أن يفعل ذلك في عز ظلمة الليل كي لا يخلف ضحايا تذكر حتى لا يغضب العم الأمريكي.. هذه العملية تذكرنا بتفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء، حيث عمد أحد التكفيريين المغاربة للتفجير في مقبرة يهودية في منتصف الليل.. ثم تبين أن المخابرات المغربية هي من تقف وراء ما حدث تمهيدا لتفجيرات قطارات مدريد للقول أن المغرب أيضا مستهدف بالإرهاب، في حين أن من قام بعمليات مدريد هي المخابرات الأطلسية والصهيونية بمشاركة المخابرات المغربية التي قدّمت زمرة من المجرمين وتجار المخدرات ككبش فداء لدعم التحالف الدولي ضد الإرهاب في العراق، الأمر الذي اضطر رئيس الوزراء الإسباني آنذاك للقول في جلسة مفتوحة للبرلمان خصصت لمعرفة العقل المدبر الذي يقف وراء العمليات: إن”الشعب الإسباني لن يستطيع تحمل الحقيقة”.. هكذا هي الأمور في الغرب.
أما بالنسبة لتفجيرات “السعودية” الأخيرة، فلا نشك مطلقا في أن المخابرات الوهابية هي من تقف ورائها، ويسعى النظام من خلالها لتحقيق هدفين رئيسين:
* الهدف الأول داخلي، ويتعلق بالصراع على السلطة ومحاولة ضرب شرعية ولي العهد محمد بن نايف الذي تعتبره واشنطن رجل المرحلة القادمة لمحاربة إرهاب “داعش” الذي صنعه العاهل سلمان ومخابراته، تماما كما صنع “القاعدة” من قبل زمن حرب أفغانستان وفق ما كشفته تقارير استخباراتية غربية، وهذا الأمر لم يعد سرا وأصبح واضحا وضوح الشمس.
* أما الهدف الثاني، فيتعلق بتحميل إيران مسؤولية الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، واستهداف الحرم النبوي الشريف هو لإثارة مشاعر الحنق وحب الانتقام من إيران ومحورها “الشيعي” الذي يحارب “السنة” ويهدف للسيطرة على الأماكن المقدسة في الحجاز عبر أدرعه التي شكلت نوعا من الأخطبوط حول “إسرائيل” و”السعودية” معا، وفق ما تقول “السعودية” وتجند إعلامها العاهر للتركيز على هذا المعطى الجيوسياسي لتضليل الناس وتهويل الخطر الإيراني.
وهذا يقودنا لاستشراف المرحلة المقبلة التي ستركز خلالها “السعودية” على تصعيد المواجهة مع طهران ومحور المقاومة بالتنسيق مع “إسرائيل” وتركيا ونادي الملوك العرب بالإضافة لبعض جمهوريات الموز التي باعت ولائها لـ”آل سعود” بمال الزيت. والعمل جار على قدم وساق لإجبار مصر على الالتحاق بهذا الحلف الصهيوني الخبيث.
أما المنطق الذي يؤسس عليه تحالف “إسرائيل – السعودية” حجته لضرب إيران ومحور المقاومة باعتباره غاية استراتيجية كبرى، فيمكن اختزاله في ما يقدمه هذا التحالف الشرير من تبريرات سطحية تبدو موضوعية من حيث الظاهر، لكنها من حيث الباطن تهدف لتدمير الإسلام وروح المقاومة الشريفة التي تمتح عقيدتها الجهادية النبيلة من الإسلام السمح الجميل..
*** / ***
هذا غيض من فيض التبريرات الواهية التي تزخر بها وسائل الإعلام الوهابية والصهيونية بشكل يكاد يتكرر كل يوم في محاولة لحجب الشمس بسحب الكذب الواهية، عملا بمقولة “اكذب واكذب حتى يصدقك الناس”..
لكن المشكلة أن العالم أجمع اكتشف زيف هذه الادعاءات بما في ذلك أوباما الذي أعلن أن الإرهاب مصدره الفكر “السني” السلفي لا “الشيعي” المفترى عليه، وأصبحت وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الغربية تعلن صراحة ودون مواربة أن من يدعم الإرهاب ويموله ويشعل نار الطائفية والفتن الخبيثة في المنطقة والعالم هي مملكة الشر والإرهاب الوهابية، وأن عقيدة إرهاب “داعش” و”القاعدة” وأخواتهما لا تختلف في شيئ عن العقيدة الوهابية المجرمة، وهناك من الشرفاء في الغرب من شبه العقيدة الوهابية البغيضة بالعقيدة الصهيونية العنصرية..
وظهر للجميع أيضا أن من يستثمر في الإرهاب لضرب محور المقاومة وتحقيق أهداف جيوسياسية إمبريالية هي الولايات المتحدة من أجل أمن واستقرار وسيادة “إسرائيل” على كامل المنطقة العربية بشهادات موثقة، من بينها رسالة مسربة من بريد هيلاري كلينتون المخترق، ومفادها، أن إدارة أوباما قد دفعت، عن سابق تصميم، باتجاه نشوب الحرب في سورية. وبينت الرسالة أن السياسة الأميركية كانت تهدف، منذ بداية الأزمة السورية، إلى إسقاط النظام عن طريق العنف، لأن هذا المسعى ينسجم مع المصالح الإسرائيلية. وكتبت كلينتون في الرسالة أيضًا، إن “هذا الحل (أي إسقاط النظام عن طريق العنف) هو أفضل شيء لتدمير عائلة (الرئيس) بشار الأسد”، مشددةً على أن “أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل هي استخدام القوة في سورية للإطاحة بالحكومة”..
فهل بعد هذا لا يزال هناك أدنى شك بأن هناك تناغم حد التطابق في الخطاب بين “السعودية” و”إسرائيل”؟.. وأن نظام ‘آل سعود’ الخائن لا يعدو أن تكون خديما وضيعا يعمل بكل ما أوتي من قوة وجهد ومال لتنفيذ أجندات أسياده في المنطقة؟.. ثم يحدثونك عن الأمة والوحدة الإسلامية ومصلحة الشعوب العربية ومستقبل أبنائها.. فهل هناك وقاحة أكثر من هذه؟..
وطبعا لا تغفل برقية كلينتون المُسرّبة كما اطلعنا عليها جميعا عن مسألة خطورة إيران على “إسرائيل”، بسبب علاقتها الإستراتيجية مع النظام في سورية وعبر حزب الله في لبنان والجهاد الإسلامي في فلسطين..
فلاحظوا كيف أن أهداف أمريكا المتمثلة في تدمير إيران ومحور المقاومة هي ذات أهداف “السعودية”، وكلها تصب في خدمة “إسرائيل” لتحويل شعوب المنطقة في نهاية الأمر إلى عبيد للسخرة في مملكة يهودا الكبرى.
لذلك كله، لا نعتقد أن هناك خلاص يبدو في الأفق لهذه الأمة إذا لم تنتفض شعوبها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية في استرداد شرعيتها المسروقة وصناعة مستقبلها ومستقبل أبنائها انطلاقا من الثوابت الإسلامية التي تشكل جوهر عقيدتها وسر وجودها وتميزها عن بقية الأمم.
نقول هذا لأن معركتنا الحقيقية اليوم هي ليست مع الإرهابيين فحسب التي تشبه إلى حد بعيد معركة مطاردة الساحرات، لأن هؤلاء الأشباح القتلة لا يمكن معرفة أماكن تواجدهم وتوقع خطط استهدافاتهم، ولا التنبؤ بما يدور في عقولهم من شر مستطير، كما لا يمكن الوثوق بالأنظمة المتواطئة وقواتها الأمنية المرتشية للوقوف بوجههم، ولا الاعتماد على المخابرات التي فرختهم في رصدهم وكشف أهدافهم، وأيضا يستحيل القضاء عليهم بالطائرات والصواريخ والدبابات وكل الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، ولا يمكن محاربتهم بالفكر لأنهم يرفضون الحوار من أصله..
لذلك، لا بد من تدمير من فرخهم ومولهم ودعمهم من الحكومات العربية العميلة وعلى رأسها مملكة الشر والإرهاب الوهابية.. غير ذلك، فلنسلّم بانتصار “إسرائيل” ونقبل بالعيش عبيدا في مملكتها الجديدة المسماة “الشرق الأوسط الجديد”، والتي تعني حرفيا “مملكة إسرائيل الكبرى” التي جاء ذكرها في التوراة، وتعمل الصهيونية العالمية بدعم من الغرب الأطلسي والأعراب الخونة على تجسيدها واقعا على الأرض.
بانوراما الشرق الأوسط