قتلته السعودية بأسلحة بريطانية.. عائلة الشهيد عبد الرحيم الفرج: نحن نتعرض لـ”حرب إبادة”
البحرين اليوم –
شهيدٌ آخر تزفّه بلدة العواميّة، في شرق السّعوديّة. في هذه البلدة التي لا تزال روحُ شهيدها القائدُ، الشيخ نمر النمر، ترفرفُ في كلّ مكان.. عرجتْ روحٌ أخرى إلى بارئها وهي تحملُ مظلوميّةً مليئةً بالجراح. الشّهيد الذي رحلَ قبل أيّام؛ لم يرتكب أيّ جُرمٍ سوى أنّه شقيقٌ لمطلوبٍ اغتالته سلطاتُ آل سعود العام الماضي في البلدة، وبعد مطاردةٍ استمرّت لأكثر من أربعة أعوام.
إنّه الشّهيد عبد الرّحيم الفرج الذي سقطَ مضرّجاً بدمائه بعد أن اقتحمت القواتُ السّعوديّة منزلَ العائلة الأسبوع الماضي، بحثاً عن شقيقه ماجد، والذي وضعته السّلطاتُ على قائمة المطلوبين بعد اغتيال شقيقه محمّد.
وكالة أنباء (البحرين اليوم) أجرت مقابلةً خاصّة مع عائلة الشّهيد التي سردت لنا تفاصيل محنتها الطّويلة.
تعود بداية الحكاية إلى العام 2011م عندما اندلعت شرارةُ انتفاضة القطيف بالتّزامن مع انطلاق ثورة 14 فبراير في البحرين. الأهالي في القطيف ثاروا في وجه عائلة آل سعود الحاكمة، التي عمِدت إلى مصادرة حقوق الأهالي السّياسيّة والإنسانيّة، وعاملتهم بوصفهم “مواطنين من الدرجة الثّانية”، وذلك منذ سنوات مديدة من سيطرتها على الحكم في هذه البلاد.
إقصاءٌ، وتهميشٌ ليس له حدود، وتمييزٌ طائفي مستوحىً من تعاليم المدرسةِ الوهابيّة التي تكفّر منْ يخالف قراءتها المشوّهة للدّين الإسلاميّ الحنيف. أهالي القطيف، وتحت وطأة هذه الأيديولوجيا التكفيريّة، لم يعودوا يتمتعون بحقوق المواطنة في “السعوديّة”، وهي الحقوق التي باتت محتكرة في أتباع تلك المدرسة والموالين لها، والتي لم تكفّ عن إنتاج “إرهابيين” عاثوا دماراً في العالم الإسلامي، وأصبحوا “اليد الضّاربة” لآل سعود لتدمير الدّول العربيّة والإسلاميّة، وخدمةً لأسيادهم الصّهاينة.
سلطات آل سعود التي تحكم الأرضَ المقدّسة بالحديد والنّار، ومنذ إقامة دولتهم على جماجم آلاف الضّحايا من أبناء جزيرة العرب؛ لا تطيق سماعَ صوت منْ يُطالب بالحقوق والحرية. أقدمت قوّاتها على قمع انتفاضة المنطقة الشّرقيّة باستعمالِ نيران أسلحتها، حتّى سقط العديد من الشّهداء، فيما بثّت الرّعب في المنطقة التي بات أهلها يخشون على حياتهم من بطش السّلطات.
في أوائل العام 2012م، أصدرت السّلطات قائمةً ضمّت 23 اسماً ادّعت حكومةُ آل سعود أنّهم أشعلوا نار الانتفاضةِ في القطيف. كان من بين هؤلاء الشّهيد محمد الفرج، شقيق الشّهيد عبد الرّحيم الفرج. لم يكن محمد سوى مواطن يعيش في “مملكة آل سعود” التي تنهب خيراتها. عائلة تستمدّ قوّتها من الخارج، ولا تنال أيّ شرعيّة شعبيّة أو دستوريّة. خرجَ محمد مطالباً بحقّه في الحرية والعيش الكريم، ولكن أنّى له هذا وقد أفتى وعّاظ السّلاطين بحرمة الخروج على الحاكم، وإنْ كان ظالماً جائراً.
محمد الفرج أعيى أجهزةَ آل سعود الأمنيّة التي عجزت عن إلقاء القبض عليه لمدّةٍ فاقت أربع سنوات، فعمدت إلى اتّباع أساليب “دنيئة” لحمْله على تسليم نفسه. لجأت السّلطات إلى أسلوب التّضييق على عائلته، واعتقال أشقائه من أجل الضّغط عليه. اعتقلت في البدء شقيقه نادر، بلا ذنب أو جريمة، عدا عن كونه شقيقاً للمطلوب. ولم تُطلق سراحه إلا بعد مرور عدّة أشهر على اعتقاله.
في شهر يوليو من العام الماضي، اغتال مرتزقة آل سعود الشّهيدَ محمد الفرج بعد مطاردةٍ استمرّت أكثر من أربع سنوات.
سلطاتُ آل سعود لم تترك العائلة تنعمُ بسلام بعد قتْلها لمحمّد. استمرّت في استهداف العائلة، وبروح من الانتقام والحقد. بعد مرور بضعة شهور على الاغتيال، عادت السّلطات إلى اعتقال نادر الفرج عند الجسر الرّابط مع البحرين، وكان حينها برفقة زوجته وأطفاله. روّعوا العائلة، وغيّبوا نادر بعد أن قتلوا شقيقه. ظلّ نادر مغيّباً 6 أشهر في معتقلات آل سعود، وقبل أن يتم السّماح لزوجته برؤيته.
الانتقام طالَ الشّقيق الآخر في العائلة، ماجد، الذي تمّ اعتقاله أوّل مرةٍ بعد ورود اسم أخيه في قائمة المطلوبين. كان الهدف هو إجبار محمد على تسليم نفسه، لكنها أطلقت سراحه بعد أن غيّبته في المعتقل لمدة أربعة شهور. تلقّى ماجد استدعاءاً آخر من السّلطات، لكنه رفض المثول، وفضّل أن يكون مطارداً على الدّخول في سجون آل سعود الرّهيبة. وهكذا أضحى في قائمة المطلوبين. أمّا الشّهيد عبد الرحيم الفرج؛ فقد أضحى هو الآخر مطلوباً بعد أن رفض المثول أمام السّلطات التي استدعته للانتقام منه.
استمرّت عيونُ السّلطة في مراقبة منزل العائلة بالعوامية. المنزل يضمّ والدةً غاب أبناؤها بين روضات الجنان، والأزقّة التي لا تأوي أحداً، إضافة إلى بنتٍ وزوجة ابن وعددٍ من الأطفال. عاشت العائلة في رعب حقيقي متواصل، ومنذ صدور قائمة الـ23، حيث تم اقتحام المنزل مرتين، وفي كلّ مرةٍ كان يتم هتك حرمة النساء، ويُروُّع الأطفال.
الهجوم الأخير على المنزل تمّ قبل أيام. كان مختلفاً هذه المرّة، حيث ألقى مرتزقة آل سعود القنابلَ الغازيّة على المنزل الذي اقتحمه ما لا يقلّ عن عشرة من الأفراد المدججين بالسلاح، وهم يطلقون نيرانهم، ويحطمون كلّ ما تقع عليه أيديهم. أرعبوا العائلة، وخلعوا قلوب الأطفال والنساء بعد أن خلعوا أبواب المنزل، وبلا مراعاة لحرمة البيوت “في مملكةٍ يدّعي مليكها أنه خادم الحرمين الشريفين”!
كانوا يبحثون عن المطارد ماجد الفرج. لم يكن متواجدا في المنزل حينها، إلا أن عبد الرحيم كان حاضراً، حيث الأيام الرمضانية المباركة عزيزةٌ على قلب الوالدة المفجوعة بابنها الشّهيد، وبأبنائها المطاردين. جاء عبد الرحيم إلى المنزل ليُشارك الوالدة إفطارها، إلا أن مرتزقة الموت ثكلوها مرة أخرى بابنٍ آخر.
حاول عبد الرحيم الهرب عبر تسلّق جدار المنزل، لكن المرتزقة القناصين كانوا يتواجدون في باحة المنزل المطوَّق، وبالعشرات. أطلق أحدهم الرصاص ليُصيب عبد الرحيم إصابة بالغة في قدمه، حدّ أنها تقطّعت، وإلى أن فاضت روحه الطاهرة، وقبل أن يُنقل إلى المستشفى.
الشّهيد قُتِل بأسلحة بريطانية، كما تشير إلى ذلك الصّور التي تم التقاطها من موقع الجريمة. وهو ما يُعيد التذكير بالدّور البريطاني الفاضح في دعم أنظمة القمع في الخليج، وخاصة في البحرين والسعودية.
في حديث مع (البحرين اليوم)، عبّرت شقيقة الشّهيد عن صدمتها للجريمة التي حصلت لشقيقها وعائلتها، وأطلقت نداءاً إلى المجتمع الدولي باسم أهل القطيف، والعوامية خاصة، للتدخّل من أجل وقف ما يتعرّضون له من “حرب إبادةٍ جماعيّة” على يد آل سعود، وبأسلحةٍ بريطانية. وأكدت شقيقة الشهيد إن “الدور البريطاني أسوأ بكثيرٍ من دور آل سعود، لأنهم يصدّرون أسلحةً إلى نظام قمعي، ويعلمون أنه يستعملها ضدّ شعبه”، وأهابت بالمجتمع الدولي، وخاصة بريطانيا، بالتوقف عن تزويد نظام آل سعود بالأسلحة التي “يسيء استعمالها”، ورجت ألا يعود صدى ندائها حاملا معه جواباً مفاده أن “مصالح الشركات المُصنِّعة للأسلحة فوق مصالح الشعوب”.