السعودية… هل تصبح الصين بديلاً عن أمريكا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3667
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. تمارا برّو

ذكر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيزور الرياض قريباً لعقد 3 قمم، وستكون صينية-سعودية، صينية-خليجية، صينية-عربية. وجاءت تصريحاته خلال اجتماع لجنة الشؤون السياسية والخارجية المنبثقة عن اللجنة الصينية السعودية المشتركة، وذلك بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي لم يعلّق على التصريحات، ولم يصدر عن الجانب الصيني أي تصريح بهذا الشأن.

لقد ضجت وسائل الاعلام الغربية عدة مرات سابقاً بخبر يفيد بأن الرئيس الصيني سيزور الرياض. إذ إن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية ذكرت في شهر آذار/ مارس الماضي أن الرئيس الصيني سيقوم بعد شهر رمضان بزيارة الى السعودية، حيث يجري التخطيط لإقامة حفل استقبال مشابه للذي جرى للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال زيارته المملكة السعودية في سنة 2017، ولكن الزيارة لم تحصل. وفي شهر آب/ أغسطس الماضي أعادت صحيفة “الغارديان” البريطانية نشر الخبر عن الزيارة، غير أن الرئيس الصيني لم يزر السعودية.

ومن المقرر أن تعقد القمة العربية الصينية ، كما أعلنت جامعة الدول العربية في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وبما أن وزير الخارجية السعودي قد أعلن عن القمم المرتقب عقدها بحضور الرئيس الصيني، فقد أصبح حضور الرئيس شي شبه مؤكد إلى أن يصدر التصريح الرسمي عن الجانب الصيني. وعلى الأرجح ستناقش هذه القمم الثلاث التي ذكرها وزير الخارجية السعودي على نحو أساس المسائل المرتبطة بالطاقة والاقتصاد، وقد يوقَّع خلال القمة الخليجية الصينية اتفاق التجارة الحرة بين الجانبين، والذي كان محور المباحثات التي أجراها المسؤولون الخليجيون في أثناء زيارتهم بكين أوائل هذا العام.

هذا، وقد شهدت العلاقات الصينية السعودية خلال السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً على المستويات كافة، ولا سيما في مجال الطاقة والاقتصاد. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في سنة 2021 نحو 87.3 مليار دولار أميركي، والسعودية هي أكبر مورد للنفط للصين لشهر أيلول/ سبتمبر الماضي بحسب بيانات صادرة عن الإدارة العامة الصينية للجمارك. وقال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان منذ وقت قريب إن الصين أصبحت الوجهة الأولى لصادرات السعودية من البترول، وإن الرياض ستظل شريكا موثوقاً به لبكين. واتفقت الرياض وبكين مؤخراً على التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية وإنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية في السعودية. ويشمل التعاون الصيني السعودي أيضاً المجال العسكري الذي يثير خوف واشنطن. فقد أفادت قناةCNN  الأميركية أواخر العام الماضي بان الرياض تعمل على تطوير صواريخها الباليستية بمساعدة الصين. كذلك، فقد جرى في سنة 2017 خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين توقيع اتفاقية من أجل صنع طائرات حربية من دون طيار في المملكة.

وبالعودة إلى إعلان وزير الخارجية السعودي عن الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني إلى الرياض، فإنها تأتي في وقت وصلت فيه العلاقات السعودية الأميركية إلى أدنى مستوياتها، ولا سيما بعد إعلان “أوبك +” عن تقليص مليوني برميل يومياً من إنتاجها النفطي. الأمر، الذي دعا الرئيس جو بايدن إلى “إعادة تقييم” علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية، وسط دعوات إلى تقليص صفقات الأسلحة مع الرياض.

جدير بالذكر أن السعودية، بعد اعتلاء بايدن سدة الرئاسة وابتعاده عن الشرق الأوسط، أخذت تنوع علاقاتها مع دول أخرى ومنها الصين. وبدأت وسائل الاعلام تتحدث عن أن الصين تريد أن تحل محل الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، وبخاصة في السعودية والإمارات.

بيد أن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة الأميركية لأسباب عدة أبرزها أن الصين لن توفر الحماية والأمن للسعودية على حساب دول أخرى في المنطقة. فالصين تربطها علاقات وثيقة بجميع دول المنطقة ومع إيران التي وقعت معها اتفاقية استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً. وتنادي الصين دائماً بحل الخلافات بين دول المنطقة عبر الحوار، وهي عملت عدة مرات على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وأعلنت استعدادها للعب دور الوسيط بين طهران والرياض لحل الخلاف بينهما. لذلك فإن الصين لن توفر حماية لأي دولة على حساب دولة أخرى، بل ستعمل على تأمين الاستقرار والأمن في المنطقة عبر الحوار. ومن جهة أخرى، فإن غالبية المعدات العسكرية السعودية هي أسلحة أميركية. ولذا، فإن عملية إصلاحها أو تجديدها تحتاج إلى الخبرات الأميركية. كما أن أميركا متقدمة في التكنولوجيا العسكرية على الصين، والرياض تحتاج إلى التكنولوجيا العسكرية المتطورة.

وعلى هذا الأساس، ستبقى السعودية ترتبط اقتصادياً بالصين وأمنياً وعسكرياً بالولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت العلاقات بين الرياض وواشنطن تشهد حالياً فتوراً كبيراً، هذا بالطبع إذا لم تتراجع واشنطن في ميدان التكنولوجيا العسكرية وتبرز الصين وروسيا في هذا المجال، عندها ستعيد الرياض نظرتها إلى تعاونها العسكري مع واشنطن.

هذا، وتدرك القيادة السعودية أن بكين لن تكون بديلاً عن واشنطن. والتقارب مع بكين ورقة ضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للقبول بشروط الرياض أو أن الصين حاضرة. فمثلاً لم تنجح المفاوضات بين واشنطن والرياض للتعاون في مجال الطاقة  النووية المدنية، فلجأت المملكة العربية السعودية إلى الصين للتعاون معها في هذا المجال. وليس مستبعداً أن يكون نشر الأخبار حول زيارة الرئيس شي الى السعودية والتي ذكرتها سابقاً وسائل إعلام غربية الغرض منها الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للمزيد من المباحثات حول أمور لم يتم التطرق إليها في المفاوضات النووية وترى السعودية أنها مهمة لحماية أمنها ، أو أنها تطور علاقاتها مع الصين على مختلف الأصعدة حتى العسكرية.

ومهما يكن من أمر، فلا يخفى مدى أهمية الصين بالنسبة للسعودية، ومدى أهمية الأخيرة بالنسبة للصين التي تعدُّ أكبر مستهلك للطاقة وأكبر مستورد لها. ومن المتوقع أن تتعزز العلاقات بين البلدين بصورة خاصة وبين الصين والدول العربية عموماً بعد انعقاد القمة العربية الصينية والقمم الأخرى التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي.

باحثة لبنانية في الشأن الصيني