السعودية تخطو بخجل: لا عصا سحرية لإنقاذ الغرب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2251
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

السعودية تخطو بخجل: لا عصا سحرية لإنقاذ الغرب

أدّى التحالف النفطي مع السعودية غرضه بالنسبة لروسيا لكن دول الخليج تستعجل العودة لصيغة «النفط مقابل الأمن»!

إلى أيّ مدى يمكن أن يذهب بن سلمان في التحالف النفطي، بالنظر إلى ارتهان النظام السعودي بنيويا واستراتيجيا للأميركيين؟

مع تحول عالمي في مراكز القوى، تَحوّل الثقل فيما يتعلّق بالنفط إلى الإطار المُوسَّع أوبك+ الذي ضمّ روسيا إلى السعودية في ممارسة تأثير كبير على أسواق النفط.

لا ضمانة بأن التحالف النفطي الذي صمد حتى الآن رغم تحدّيات واجهها، وضغوط هائلة أميركية وأوروبية على بن سلمان للانفكاك عنه، سيستمرّ إلى ما لا نهاية.

فوز جو بايدن بالرئاسة فرض على الرياض وموسكو تنظيم العلاقة، خاصة وأن واشنطن كانت بصدد إعادة تموضع عالمية وخفْض جوهري لوجودها العسكري بالشرق الأوسط

حقق التحالف النفطي مكاسب كبيرة لروسيا أكبرها بدء العصر الذهبي للغاز نتيجة التحكُّم بأسواق النفط ليتّسع استخدام الغاز وترتفع أسعاره ويغدو عاملا حاسما بحرب أوكرانيا.

*  *  *

إحدى علامات تراجُع الولايات المتحدة في العالم، هي ارتخاء قبضتها على أسواق النفط، بعدما ظلّت تتحكّم بها عشرات السنين، عبر السعودية، التي هيمنت على منظّمة «أوبك» منذ نشوئها عام 1960.

فمع الانزياح الذي شهده العالم على مستوى مراكز القوى، تَحوّل الثقل في ما يتعلّق بالنفط إلى الإطار المُوسَّع «أوبك+»، الذي ضمّ موسكو إلى الرياض في ممارسة تأثير كبير على تلك الأسواق، ما ساعدهما في تحقيق مجموعة أهداف، خاصة في حرب أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا، وفي النزاع مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالنسبة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

لكن السؤال الأساسي هو إلى أيّ مدى يمكن أن يذهب بن سلمان في هذا التحالف، بالنظر إلى الارتهان البنيوي للنظام السعودي للأميركيين؟

ظلّت «أوبك+»، منذ تأسيسها عام 2016 لتضمّ الدول الثلاث عشرة الأعضاء في «أوبك» إلى جانب عشر من أكبر الدول المنتِجة من خارج المنظّمة، دائماً مصلحة سعودية؛ باعتبار أن السعودية تسيطر بشكل كبير على أسواق النفط العالمية عبر «أوبك»، فيما المنافسة تأتي من خارج الأخيرة، حيث كانت روسيا العائدة إلى ساحة التأثير العالمي من بوّابة الحرب السورية، تخوض بالتوازي حرب حصص سوقية لتعظيم عائداتها المالية.

حينها، عملت السعودية، تحت ضغط من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لخفض الأسعار. ولم تَظهر الفائدة الكبرى من التحالف النفطي مع روسيا، بالنسبة لحاكم مِثل محمد بن سلمان، إلا لاحقاً، حين كان بحاجة إلى كلّ ورقة ليستخدمها خلال صعوده غير المستقرّ إلى الحُكم.

ولا سيما في الفترة التي أعقبت فوز جو بايدن بالرئاسة، والذي استُقبل بوجوم في كلّ من الرياض وموسكو، وفرض عليهما تنظيم العلاقة، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت تستعد لإعادة تموضع عالمية، تفترض خفْضاً جوهرياً للوجود العسكري المكلف في الشرق الأوسط، قبل أن تفرض المستجدّات على أميركا إعادة النظر في هذا التَوجّه، أقلّه مرحلياً.

بالنسبة إلى روسيا، أدى التحالف إلى مكاسب كبيرة، على أن أكبرها كان بدء العصر الذهبي للغاز كنتيجة للتحكُّم بسوق النفط، ليتّسع استخدام الأوّل وترتفع أسعاره، وليتحوّل إلى عامل حاسم في حرب أوكرانيا.

إلا أنه لا ضمانة بأن هذا التحالف الذي صمد حتى الآن، رغم التحدّيات التي واجهها، ومنها ضغوط هائلة أميركية وأوروبية على بن سلمان للانفكاك عنه، سيستمرّ إلى ما لا نهاية.

إذ قد يستجيب الأخير لتلك الضغوط في النهاية، خاصة بعد تلويح بايدن بـ«عصا» الذهاب إلى اتّفاق مع إيران، و«جزرة» توفير تغطية أمنية للنظام السعودي، وهو ما يشي به التطوُّر البارز الذي سُجّل في الأيام الماضية، والمتمثّل في إفراج الولايات المتحدة عن صفقة صواريخ «باتريوت» للسعودية، قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار، وأخرى للإمارات تشمل منظومات من نوع «ثاد»، قيمتها 2.25 مليار دولار.

قد يمثّل هذا التطوّر نقطة تحوّل في مسار التحالف السعودي - الروسي، ومؤشّراً إلى عودة سعودية إلى الحضن الأميركي. وفي كلّ الأحوال، بدأ مقرَّبون من ابن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، الترويج لعودة العمل بصيغة «الأمن مقابل النفط».

حتى على المستوى التقني، تَظهر مشكلات يمكن أن تؤثّر على التحالف. فالسعودية تتخوّف من تسعير المبيعات النفطية الروسية إلى الهند والصين بحسومات كبيرة، نتيجة العقوبات الغربية، بما يمكن أن يؤثّر على مبيعات المملكة للبلدَين، كونهما مشتريَين رئيسيَين للنفط السعودي.

كما أن التحالف قد ينتفي من تلقاء نفسه إذا ما تراجعت الأسعار. ففي حالات الهبوط، يعود الصراع ليشتعل على الحصص السوقية بين المنتِجين، لتحصيل أكبر قدْر ممكن من العائدات.

مع هذا، أدّى التحالف النفطي مع السعودية غرضه بالنسبة إلى الروس. فحتى إذا افترضنا أن ابن سلمان سيعود إلى الحظيرة الأميركية، وسيقبل بالطلبات الأميركية، تفيد إحصاءات «أوبك» نفسها بأنه يتعذّر على السعودية تحقيق زيادة ذات مغزى للإنتاج.

ذلك أن القدرات الإنتاجية الفائضة تقع في الدول التي لا تخضع للسيطرة الأميركية، وإنّما تتأثر بالسياسات الأميركية، بمعنى أن الاضطرابات السياسية التي تثيرها واشنطن، أو العقوبات التي تفرضها، تقلّص القدرة الإنتاجية القائمة، وتحُول دون نموّ الاستثمار في كلّ مراحل الإنتاج.

وهذا هو السبب الرئيس في الفجوة القائمة بين الطلب العالمي الذي يبلغ 100.3 مليون برميل يومياً، وبين المعروض الذي يبلغ 94.5 مليون برميل، أي بنسبة 6 في المئة، وهي فجوة لا يمكن ردمها إلّا بتوفير الظروف المناسبة لتنمية القطاعات النفطية في دول غير صديقة للولايات المتحدة.

ويمكن، وفق إحصاءات «أوبك»، زيادة الإنتاج بواقع 4.8 مليون برميل يومياً، ما يقلّص الفجوة إلى واحد في المئة، إذا ارتفع إنتاج النفط الإيراني إلى المستويات التي بلغها بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، حين وصل إلى 4.2 مليون برميل يومياً، لينخفض، بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، إلى 2.544 مليون برميل يومياً حالياً.

العراق، مثلاً، ينتج 4.4 مليون برميل نفط يومياً، إلّا أن الإنتاج متقلّب بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، والتي يمكن أن تحول حتى دون المحافظة على ذلك المستوى. والأمر نفسه ينطبق على ليبيا التي يبلغ مستوى إنتاجها حالياً 707 آلاف برميل، بينما كان في أيام معمر القذافي 1.8 مليون برميل؛ ونيجيريا التي فشلت في الاستقرار على 1.5 مليون برميل يومياً، بسبب النزاع في منطقة الدلتا، لينخفض إلى ما بين مليون و1.2 مليون برميل.

لكن الفارق يبدو أكثر وضوحاً في حالة فنزويلا، التي يبلغ مستوى إنتاجها حالياً 720 ألف برميل، انخفاضاً من 2.4 مليون برميل في عام 1996، بسبب الحرب الاقتصادية التي تشنّها أميركا على الرئيس نيكولاس مادورو.

في المقابل، تبلغ حصّة السعودية في «أوبك» 11 مليون برميل يومياً، إلّا أنها لم تصل فعلياً إلى هذا المستوى من الإنتاج إلّا مرّتَين في السنوات الأربع الماضية، في شهرَي تشرين الثاني 2018 ونيسان 2020. وفي المرّة الثانية، كان الأمر نتيجة الحرب النفطية بين روسيا والسعودية.

ثمّ بعد ذلك، هوى الإنتاج والسعر بسبب أزمة «كورونا»، حيث صارت المملكة تنتج ما بين 8.5 و9.25 مليون برميل يومياً. ثمّ مع بدء التعافي في تشرين الأول 2021، ارتفع الإنتاج تدريجياً إلى ما بين 10 و10.5 مليون برميل، فيما لا يمكن للسعودية الوصول إلى رقم 11 مليون برميل والبقاء عليه إلّا من خلال توسيع البنية التحتية، وذلك يتطلّب وقتاً واستثماراً رأسمالياً مستمرّاً.

ليس سهلاً توقُّع آلية عمل أسواق النفط، وما هي العوامل التي تتحكّم فيها، ولذلك تقع كبريات شركات الاستثمار في الخطأ حين تضع توقّعات لأسعار النفط المستقبلية، إلّا أن كبار المنتجين يستطيعون التأثير على الأسعار بحدود معيّنة، في الظروف الطبيعية، أي عندما لا تكون هناك أزمات تؤثّر بشكل كبير على الاستهلاك، مثل وباء «كورونا» في مطلع عام 2020، أو الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

والارتفاع الحالي في الأسعار ليس مسؤولاً عنه التحالف السعودي الروسي وحده، بقدر ما هو أيضاً الحظر الغربي الجزئي على النفط الروسي والعجز الخليجي عن سدّ الفجوة الناجمة عنه، بدليل أن الزيادة التي أقرّها اجتماع «أوبك+» في 30 يونيو الماضي، بواقع 648 ألف برميل يومياً على الإنتاج اعتباراً من آب الجاري، لم يتمّ الوفاء بها، لأسباب تقنية أكثر منها سياسية.

ثمّ جاء إقرار زيادة أخرى أكثر تواضعاً في الإطار نفسه قبل أيام، بواقع 100 ألف برميل اعتباراً من أيلول المقبل، ليشير إلى أن القدرات الإنتاجية الاحتياطية محدودة جدّاً. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن التحالفات النفطية بطبيعتها متقلّبة، إذ يملك كبار المنتجين مرونة عالية في الانخراط فيها والخروج منها.

ولذا، لن يكون غريباً أن تَخرج الرياض من التحالف النفطي مع موسكو إذا ما تَأكّد الاتجاه للعودة إلى العلاقة الأمنية مع واشنطن، التي ستضمن لابن سلمان، والحال هذه، ارتقاءً سلساً إلى العرش.

ومنذ زيارة بايدن إلى السعودية في منتصف الشهر الماضي، بدأت أسعار النفط مساراً تراجعياً بطيئاً، حيث انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط، وهو أحد الخامات المرجعية، إلى ما دون الـ90 دولاراً، وهو ما يُعدّ تراجعاً كافياً ليشير إلى أن شيئاً ما يحدث في أسواق النفط... والسياسة.

* حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار